لم تلقَ استباحة الحياة البرية شبه اليومية اهتماما من سائر الجهات المعنية في الدولة، المفترض أن تكون حاضرة ومواكبة بإجراءات وتدابير صارمة، تضع حدا لهذا التمادي بالتعدي والقتل، واستهدافا لطيور جارحة محمية بموجب قوانين دولية، وكائنات برية بعضها معرض للإنقراض، على الرغم من أن ما هو قائم ومستمر يعتبر مخالفة صريحة للقوانين اللبنانية والاتفاقيات الدولية.
في أقل من عشرة أيام، رصدت “جمعية Green Area الدولية” تعديات طاولت نوعين من العقبان وتعذيب وقتل ثعالب واصطياد اثنين من أنواع الطبسون، وواكبت بعضها ووفرت سبل علاجها، ووثقت الجمعية هذه التعديات بالتعاون مع مواطنين وناشطين بيئيين، في ظاهرة لا يمكن التغاضي عنها، وكان آخرها التعرض لصقر (باشق) وجد مصابا بطلق ناري أقعده عن الطيران، وقامت جمعية “الجنوبيون الخضر” بالتنسيق Green Area التي عملت على علاجه مؤقتا ونقلته في ما بعد إلى أحد المراكز المتخصصة ليتلقى الرعاية ومتابعة العلاج، في محاولة لإنقاذه وإعادة إطلاقه.
الجنوبيون الخضر
وفي هذا السياق، أكدت منسقة لجنة الحياة البرية والمحميات في “الجنوبيون الخضر” فاتن مروة لـ greenarea.info أن “من أهم التحديات التي تواجه البيئة والحياة البرية في لبنان بالإضافة إلى فوضى التمدد الإسمنتي الذي يقضي على الموائل ويطاول المساحات العامة، الصيد الجائر الذي يستهدف كل أصناف الطيور المقيمة والمهاجرة”.
وقالت: “الحقيقة أن لا مراعاة مطلقاً لقانون الصيد البري رقم ٥٨٠ وشروط وأنظمة الصيد التي حددها، وقد أسهم في ازدياد هذه التعديات التي تهدد البيئة والتوزان البيولوجي التعاطي الضعيف معها. ولهذا أطلقنا في جمعيتنا (المرصد الأخضر) لتوثيق وملاحقة التعديات، ولدينا ما لا يقل عن ثلاث حالات توثيق وابلاغ أسبوعياً لدى الجهات القضائية ووزارة البيئة. وبالنسبة لنا فإن الحيوانات البرية والطيور هي البرية وهي البيئة، ولذلك نولي حماية هذه الحيوانات أهمية، كما أننا نسعى جاهدين لتعميم المحميات لتوفير الملاذات الآمنة لها”.
وأشارت مروة إلى أننا “نعمل إنقاذ ما نبلغ عنه من حيوانات برية وطيور مصابة خصوصا في ظل غياب مراكز الرعاية والعلاج المختصة العامة في المنطقة”.
وأردفت: “في هذا المجال عثرت مجموعة من الأطفال من آل غريّب على هذا الباشق أثناء بحثهم عن الهليون في الطبيعة في بلدة طيرحرفا، ملقى على الارض وجريح جراء طلق ناري، وتواصلوا على الفور مع قريبتهم زميلتنا الناشطة في الجمعية مايا غريّب، وقد سعينا في لجنة الحياة البرية والمحميات إلى التواصل مع الكتيبة الكورية وأطباء آخرين، وحرصاً على حياته والاستفادة من الوقت تواصلنا مع الزملاء في (جمعية Green Area الدولية) للتعاون في إنقاذه، وجرى نقله من قبلنا إلى صور حيث تسلمته المسؤولة التنفيذية في الجمعية واجرت له الاسعافات الاولية، ونوجه لها التقدير لجهدها سواء في متابعة القضايا البيئة أو في المتابعات الميدانية هذه والتعاون الدائم مع جمعيتنا، على أن تنقله لاحقاً إلى مركز التعرف على الحياة البرية في عاليه للمعاينة والمعالجة”.
وأشارت مروة إلى أنه “تأكد لنا بعد مراجعة الخبير الدكتور غسان جرادي انه باشق طيور sparrowhawk accipiter nisus”.
أبي سعيد: استنزاف لطاقاتنا وقدراتنا
وقامت Green Area بنقل الصقر من صور إلى مركزها في بيروت، ومن ثم نقلته إلى “مركز التعرف على الحياة البرية والمحافظة عليه” Animal Encounter، وتسلمه رئيس المركز الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية – كلية العلوم البروفسور منير أبي سعيد، وبعد معاينته أكد أنه من ينتمي إلى فصيلة البازيات، وأنه من نوع Sparrowhawk واسمه العلمي Accipiter nisus ويعرف أيضا بـ “الباشق الأوراس” Eurasian Sparrowhawk.
وقال أبي سعيد: “هو أحد أنواع الجوارح الصغيرة الحجم المنتمية لفصيلة الجوارح البازية، غير مهدد بالانقراض، ولكن هذا لا يعني صيده ولا يبرر قتله، وهو ذكر مصاب بجانحه الأيسر وقدمه اليمنى، هو بحال جيدة، فقد تناول غذاءه من اللحم وتمت معاينته والحاقه بالمجموعة التي نرعاها”، وأشار إلى أن “الأنثى من هذا النوع أكبر حجما من الذكر بحوالي 25 بالمئة، ما يجعل من فارق الحجم بينهما من أكبر الفوارق عند الطيور”، ولفت إلى “الباشق الأوراسي يفتك عادة بالطيور فهو صياد بالمقام الاول”.
وأضاف أبي سعيد: “إن ما تقومون به كـ (جمعية Green Area الدولية) يثنى عليه، وكذلك الامر بالنسبة لـ (الجنوبيون الخضر) لنشاطكما ولملاحقتكما واهتمامكما بالقضايا البيئية كافة”.
وشدد على “ضرورة نشر التوعية لأهمية هذه الطيور الحيوية وضرورة العمل من قبل الوزارات المعنية على وقف هذه التعديات وتحميل المعتدين المسؤولية اللازمة وبأي طريقة”، ورأى أن “ما يحصل فيه استنزاف لطاقاتنا وقدراتنا على التحمل كمركز وكجمعيات”، وأكد أبي سعيد “نبقى أمام مسؤوليتنا الاخلاقية في متابعة وعلاج هذه الحالات ولا حل ولا خيار ثان أمامنا الى حين تدخل الدولة ومنع هذة التعديات”.