عندما أشار المؤرخ ابن عساكر الى أن نهر بردى الذي كان يعرف قديماً باسم نهر “باراديوس”، أي نهر الفردوس أو الجنة، كان يعني بالجنة، الغوطة بنت نهر بردى النقي الغناء بأشجار الفاكهة ومختلف أنواع النبات.
ونهر بردى، الذي جعل من المناطق المتاخمة لدمشق، حتى فترة ما قبل الحرب المشتعلة منذ ست سنوات جنةً حقيقيةً، ينبع من بحيرة نبع بردى في جنوب الزبداني على سلسلة الجبال السورية، ليصب في بحيرة العتيبة جنوب شرق مدينة دمشق، قاطعاً من منبعه الى مصبه مسافة تبلغ حوالي 70 كلم. متفرعاً الى ستة فروع (جميعها اصطناعية) عند دخوله مدينة دمشق في منطقة الربوة.
ويعتبر “نبع الفيجة” المٌغذي الأساسي لبردى، هذا النبع الذي قامت وبعد خمس سنوات على اندلاع الحرب في سوريا المجموعات الارهابية بضخ كميات هائلة من مادة المازوت فيه، بهدف تلويثه وحرمان ما يقارب من ستة ملايين نسمة من الماء العذب، ذلك لانها تعلم أن دمشق تعتمد كلياً على النبع، للحصول على مياه الشرب، كما دمّرت تلك المجموعات البنية التحتية التابعة للنهر، من بوابات، محطات تنقية، أنابيب وآبار وينابيع.
لكن الخطورة لم تكن تكمن فقط في سيطرة المتقاتلين في الحرب السورية على منابع النهر وبعض فروعه في دمشق وريفها فحسب، فهناك أكثر من 400 مصدراً ملوثاً تصب فيه، من ملوثات كيميائية، بعضها سائلة وأخرى صلبة، ابتداءً بمجاري مدينة دمشق وريفها مروراً بمخلفات المطاعم، ومحطات الوقود وصولاً الى المنشآت الصناعية كمعامل الرخام والبلاط، التي تطرح آلاف الاطنان من الرمل وغيرها من المواد المستخدمة لتلميع الرخام (أوكسيد الألمنيوم وحمض الأستياريك وحمض الأوكزاليك)، إلا أن الملوثات الأخطر والتي تهدد أشكال الحياة في بردى، تكمن في مخلفات الدباغات التي تحتوي موادا كيميائية سامة جداً مثل مادتي “سلفيد الصوديوم” Na2S المعروف باسم “الزرنيخ” و”ثاني كروم الميتان” CH2Cl2والتي تقتل كل شيء حي، أضف الى هذا كله، هناك جرم تقني قامت به المؤسسات الحكومية بحق النهر، عندما أقدمت على إكساء مجرى النهر بالحجر والإسمنت (الأمر الذي أدى الى اختفاء كائنات حية كانت تعيش في التربة الرطبة للنهر)، لا بل الاخطر من هذا وذاك كان قرار تلك المؤسسات بتحويل مياه الصرف الصحي لدمشق وريفها الى مجرى النهر، ما سبب تلوثا جرثوميا كبيرا، أدى الى تكون مستعمرات من) الأشيرشيا EHEC وكوليفورم Coliform bacteria والكيبسيلا Klebsiella)، كل ذلك ساهم في تحويل مياه النهر العذبة إلى مياه آسنة تستجلب الحشرات والأمراض.
كما يعاني النهر من انخفاض منسوب المياه في مجراه، وانخفاض غزارة مياهه مما يهدده بالجفاف، إضافة إلى انخفاض مستوى المياه الجوفية في المنطقة، وذلك نتيجة للاعتماد الكبير على مياه النهر في تأمين مياه الشرب والري لدمشق وغوطتها، والاستهلاك غير الرشيد للمياه، الى جانب هذا لعب التغير المناخي دوراً أساسياً في جفاف النهر، حيث أدت الى موجات من الحر الشديد ضربت سوريا في السنوات العشر الاخيرة، فضلا عن التناقص الواضح في كميات الأمطار، فبعدما كانت كمية الامطار في دمشق، سابقاً تقترب من حدود 500 ملم في الموسم، وتصل في جبل الشيخ وسلسلة القلمون إلى حوالي 1000 ملم، لم تتجاوز في الاعوام الاخيرة، في دمشق، حدود 250 ملم، في حين انخفضت في جبل الشيخ إلى ما يقارب 600 ملم فقط.
عشرات الحملات التي أطلقتها الجمعيات الاهلية لتنظيف بردى، والمشروع البيئي الذي نُفذ بالتعاون بين وزارة البيئة السورية والوكالة السويدية للتنمية، بالاضافة الى محطة معالجة الصرف الصحي بدمشق، ومشروع بناء شبكة جديدة لمياه الصرف الصحي لمدينة دمشق، كانت مفيدة لمنع تلوث نهر بردى وتخفيض كميات المياه العادمة الواردة اليه، لولا أن الحرب، والفساد الاداري، وسوء استهلاك المياه، تقف عقبة في مسيرة اعادة النهر الى الحياة.
فأي همم يجب أن تنهض لانقاذ النهر الذي جعل من دمشق جنة؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This