السلحفاة “لاكي” تتعافى بعد نحو تسعة أشهر من تعرضها للضرب والإيذاء المتعمد، نعم، “لاكي” تغوص للمرة الأولى بكامل جسدها في المياه، تلتقط الأسماك الملقاة لها، دون الحاجة إلى تلقيمها بأيدٍ رعتها طوال هذه المدة، تعوم وتندفع في الماء، بعد أن ربطتها “صداقة” مع عناصر الدفاع المدني، وباتوا جزءا من عالمها، فهم من واكب معاناتها لحظةً بلحظة، وهم من دربها على معاودة السباحة والغوص، وهم من كان يمدها بالغذاء، أسماكا وقناديل بحر، ويطعمها ويساعدها على ازدراده، يوم لم تكن قادرة على تناول غذائها وحدها.
لم تتعافَ “لاكي” وتتجاوز ضربتين قويتين في الرأس وجراحا وأوجاعا بحسن المعاملة والرعاية فحسب، تعافت “لاكي” بالحب، والحب يصنع المعجزات.
وتعيش جمعيتنا “Green Area الدولية” لحظات من الفرح، وهي التي واكبت معاناتها منذ اليوم الأول، وتحديدا في حزيران (يونيو) 2016 يوم قرر أحد رواد البحر سحبها من الماء عنوة بهدف اللهو والاستعراض والتقاط صور “السلفي”، وبعد تعرضها للتعنيف وضربتين على الرأس بآلة حادة، ولم تواجه “لاكي” أوجاعا فحسب، وإنما عانت “صدمة” كبيرة منعتها من متابعة حياتها في محيطها الطبيعي الى اليوم.
وبالرعاية والحب تجاوزت أو بدأت تتجاوز ما تعرضت له يوم قادها حظها العاثر الى “مسبح الهافانا بيتش” في الرميلة لتعاني ما عانته من ألم، وفي ذلك اليوم المشؤوم، تحركت “جمعية Green Area الدولية”، وكانت “لاكي” بين الحياة والموت، فأبلغنا على الفور الدفاع المدني في الجية، وتم نقلها مباشرة إلى المرفأ، وما تزال في عهدة عناصره الذين لم يبخلوا عليها برعاية، وتحولت بالنسبة إليه “أيقونة” ونذير خير، وهم من أطلق عليها هذه التسمية “لاكي” Lucky، متمنين يومها أن يلقوا رعاية لقضيتهم كمتطوعين، كما حظيت هي برعاية، وكان الحظ حليفها بأن تسلمتها أيدٍ أمينة، أياديهم التي طالما أنقذت مواطنين كادوا يفقدون حياتهم في البحر، وطالما أنقذت سلاحف علقت في شباك الصيادين.
وتحركت “جمعية Green Area الدولية” على خط القضاء، وبعد أشهر عدة، أي بعد أن تحولت هذه القضية إلى قضية رأي عام، طلبت وزارة البيئة إجراء المقتضى القانوني ومعاقبة وتغريم المعتدين، وبالفعل خضع بعضهم للتحقيق، إلا أنه نتيجة اتصالات وتدخلات طويت القضية وسجلت “ضد مجهول” معلوم وصوره الموثقة تعتبر دليلا جرميا، ولكن، وللأسف هذا لبنان!
وبحسب معظم الخبراء الذين قدموا استشاراتهم في هذا الموضوع، فقد أكدوا أن السلحفاة “لن تعاود السباحة والغوص تحت الماء”، وبعضهم فضل تركها لمواجهة مصيرها، إلا اننا آثرنا كجمعية المثابرة والمحافظة عليها ووضعها تحت رعاية فريق الانقاذ البحري في الدفاع المدني وتركها لديهم بالتنسيق مع وزارة الزراعة كوديعة لديهم، وهم خير من ائتمن عليها.
بداية قاموا بسحبها من بين رواد الشاطئ ونقلوها الى مرفأ الجية، والمباشرة بعلاجها تحت اشراف وزارة الزراعة، وبعد أيام عدة من اصابتها تواصلنا مع جمعية Animal Lebanon التي وفرت لها بركة ماء اصطناعية وكمية من المضادات الحيوية، وكذلك الامر عملت جاهدة لتسفيرها الى احد المراكز لمعالجة السلاحف في اليونان ولم تستطع، ولم يكن أمامنا سوى التنسيق مع المتطوعين من عناصر الانقاذ البحري وأخذ القرارات بشأن “لاكي” يوما بيوم على عاتقنا، قررنا واياهم اعادتها الى حوض الميناء في الجية، بعد ان رأينا أن بقاءها في بركة سيعيق حركتها ويبعدها عن بيئتها الطبيعية، واعدناها رغم الاعتراضات، وبعد مرور حوالي ستة اشهر من التدريبات كانت “لاكي” تتحسن ببطء بمجهود المتطوعين الذين ثابروا على تدريبها على السباحة واطعامها عن طريق فتح فمها ووضع السمك فيه، الى أن بدأ المهتمون بها يخبرونا عن تحسن ملحوظ في حركتها، وانها بدأت تبحث عن الطعام بمفردها، وهذا ما تأكدنا منه خلال زيارات الجمعية الدورية لها. وكان لا بد هنا من معرفة سبب عدم قدرتها على الغوص، فطلب منا احد خبراء علوم البحار اجراء صورة سكانر طبقية لها، وبالفعل هذا ما حصل ولكن ببطء سلحفاة، فقد حاولنا جاهدين ولمدة شهرين البحث عن مركز طبي لاستقبالها وإجراء الصورة بسبب عدم وجود اي من المراكز المختصة او العيادات لمعالجة هذه الاحياء في لبنان، سررنا بعد ان كنا سنفقد الامل بمبادرة “مستشفى حمود الجامعي” في مدينة صيدا التي تكفلت مجانا بإجراء الصورة مع تأمين فريق طبي لاستقبالها.
وشخص الدكتور علي كنج طبيا الحالة من خلال صور السكانر الطبقي التي اجراها لها، فقال انه “نتيجة تلقيها ضربا مفتعلا على الرأس مباشرة في مكانين، أدى الأمر الى كسور في منتصف الجمجمة وكسور من الجانب الايمن”، ورجح “انهما سبب المشكلة التي تعاني منها لجهة عدم قدرتها على الغطس”.
بعد ذلك، وبناء على هذا التشخيص وبحدود الامكانيات المتوافرة، طلب منا تكثيف عمليات اعادة التأهيل والغطس وتحريضها لتناول الطعام وحدها، وهذا حصل بعد مجهود اضافي من المتطوعين في الانقاذ البحري، الذين ثابروا بشكل يومي خلال شهر كامل على تحريضها على السباحة والاكل، لنفاجأ بنتيجة رائعة ومذهلة.
فللمرة الأولى تتناول “لاكي” السمك بدون مساعدة، وتغوص تحت الماء لوقت أطول وبشكل كلي، بعد ان كانت لا تستطيع اخفاض كامل جسمها تحت الماء، هذه النتيجة اسعدتنا كجمعية واسعدت كل من تابع اخبار “لاكي”، بالتالي هذا انجاز تحقق بعد أن تجاوزنا كل العوائق التي واجهناها، ورسخنا مفاهيم جديدة عنوانها التحدي والتعاون بين الجميع.
“لاكي” هي الحظ مجسدا بتكاتف جميع من حولها ودعمهم لمساعدتها، هذه التجربة لا تلغي اننا بحاجة لمراكز مختصة وعيادات لمعالجة الاحياء البحرية المصابة ومن بينها السلاحف، وهذا ما سنعمل عليه كجمعية لاحقا لجهة طرح انشاء عيادة مختصة تعنى بمعالجة الاحياء البحرية في لبنان.