دعا إثنان من أبرز خبراء حقوق الانسان في بيان مشترك صدر من المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، إلى الإسراع في اعتماد اتفاقية عالمية جديدة، شاملة وملزمة، للحد من استخدام مبيدات الآفات في جميع انحاء العالم، وتضع اطاراً لحظر المبيدات الشديدة الخطورة والتخلص منها تدريجياً، والانتقال نحو تبني ممارسات مستدامة وصحية، من خلال اعتماد الزراعة الإيكولوجية. وأكد الخبيران ان الاستخدام المفرط للمبيدات الزراعية يشكل خطراً داهماً على صحة الانسان والبيئة، كما ان المروجين لها يضللون الناس عندما يسوقون لهذه المبيدات كأداة فاعلة لضمان الأمن الغذائي.

ويأتي هذا البيان بالتزامن مع تقديم كل من المقررة الخاصة المعنية بالحق في الغذاء هيلال ايلفر، والمقرر الخاص المعني بالآثار المترتبة في مجال حقوق الانسان على ادارة المواد والنفايات الخطرة والتخلص منها بطريقة سليمة بيئياً بسكوت تونكاك، تقريراً مشتركاً الى مجلس حقوق الانسان، حول مخاطر استخدام مبيدات الآفات في الزراعة على المستوى العالمي وتأثيرها على حقوق الانسان.

ويصف التقرير الآثار السلبية لمبيدات الآفات على صحة الانسان والبيئة والمجتمع، وهي آثار لا يبلغ عنها بالقدر الكافي، وعندما ترصد، فإن رصدها يجري في إطار التركيز السائد والضيق على “الأمن الغذائي”، وتدرس النظم الخاصة بالبيئة وبحقوق الانسان لتحديد ما اذا كانت القواعد التأسيسية كافية لحماية العمال الزراعيين والمستهلكين والفئات الضعيفة، فضلاً عن الموارد الطبيعية الضرورية لدعم النظم الغذائية المستدامة.

وكشف الخبيران ان استخدام المبيدات يفضي الى عواقب وخيمة جداً على التمتع بالحق في الغذاء. وأن مبيدات الآفات التي تعرف بانها أي مادة أو خليط من مواد ذات مكونات كيميائية وبيولوجية مستخدمة لصد الآفات أو قتلها أو مراقبتها ولتنظيم نمو النبات، هي المسؤولة عن نحو ٢٠٠ الف حالة وفاة كل سنة ناجمة عن التسمم الحاد، منها ما نسبته ٩٩ بالمئة في البلدان النامية، حيث تكون القواعد التنظيمية للصحة والسلامة والبيئة اضعف واقل صرامة من ناحية التطبيق. وعلى الرغم من ان التسجيلات المتعلقة باستخدام مبيدات الآفات على المستوى العالمي غير مكتملة، فمن المتفق عليه عموماً ان معدلات التطبيق قد زادت زيادة هائلة على مدى العقود القليلة الماضية.

ويحذر التقرير أن مبيدات الزراعية ورغم اسهامها في ضمان اطعام الاعداد المتزايدة من سكان العالم، غير ان هذا الامر تحقق على حساب الصحة البشرية والبيئة، وبالمثل لم تنجح زيادة الانتاج الغذائي في القضاء على الجوع في جميع انحاء العالم، والاعتماد على المبيدات الخطرة هو حل قصير الأجل يقوض دعائم الحق في الغذاء الكافي، والحق في الصحة المكفولين للأجيال الحاضرة والمقبلة.

ولفت التقرير الى ان التعرض المستمر للمبيدات الزراعية، يسبب العديد من الامراض، ابرزها السرطان والإلزهايمر والباركنسون، اضافة الى التسبب بالخلل الهرموني، والتشوهات الخلقية والعقم. وتنتج غالبية الاصابات عن التعرض لمزيج من المواد الكيميائية، فضلاً عن التعرض المتعدد على مر الزمن.

يكشف التقرير بشكل لا لبس فيه، انه لا يوجد نقص في التشريعات الدولية والوطنية، ولا في المبادئ التوجيهية غير الملزمة، لكن هذه الصكوك قاصرة عن حماية البشر والبيئة من المبيدات الخطرة. وتعاني هذه القوانين من ثغرات في التنفيذ، ولم تفلح عموماً في ان تطبق المبدأ التحوطي بفاعلية أو في تغيير الممارسات التجارية العديدة بصورة مجدية. كما ان القوانين القائمة عديمة الفاعلية في معالجة طابع السوق العالمية للمبيدات العابرة للحدود، كما تثبت ذلك الممارسات الواسعة النطاق المسموح بها قانوناً، في الكثير من الاحيان، والمتمثلة في تصدير المبيدات شديدة الخطورة الى بلدان ثالثة. وينبغي التصدي لتلك الثغرات وأوجه القصور على اساس آليات حقوق الإنسان.

يحدد القانون الدولي لحقوق الانسان التزامات الدول الشاملة باحترام هذه الحقوق وحمايتها، ويضمن الأخذ بنهج حقوق الإنسان ازاء مبيدات الآفات مبدأي العالمية وعدم التمييز، اللذين تكفل بموجبهما حقوق الإنسان لجميع الأشخاص، بمن فيهم الفئات الضعيفة التي تشعر بعبء المبيدات الخطرة أكثر من غيرها.

وتقع على الشركات مسؤولية ضمان ان تكون المواد الكيميائية التي تنتجها وتبيعها لا تمثل تهديداً للحق في الغذاء والحق في الصحة، وثمة نقص في الوعي تجاه الاخطار التي تشكلها بعض المبيدات، بسبب الجهود التي تبذلها صناعة المبيدات للتقليل من شأن الضرر الناجم عنها حالياً، اضافة الى تساهل الحكومات التي كثيراً ما تقدم تأكيدات مضللة بأن التشريعات والاطر التنظيمية القائمة على المستوى الوطني تقدم الحماية الكافية.

وتحذر منظمة الاغذية والزراعة (الفاو) من وصول العالم الى نقطة تحول في الزراعة، والنموذج الزراعي السائد اليوم لا يطرح اشكالية كبيرة بسبب الاضرار الناجمة عن المبيدات فحسب، بل ايضاً بسبب اثرها على تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي وعدم القدرة على ضمان السيادة الغذائية. لذلك، ان انجع اسلوب طويل الاجل للحد من التعرض للمواد الكيميائية السامة الناتجة عن المبيدات هو الابتعاد عن الزراعة الصناعية. ولن تنجح الجهود الرامية الى معالجة المبيدات الزراعية الخطرة إلا اذا عالجت العوامل الإيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية الكامنة في السياسات الزراعية، على النحو المبين في اهداف التنمية المستدامة.

ويوصي خبراء الأمم المتحدة بضرورة وضع إتفاقية دولية شاملة وملزمة لتنظيم المبيدات الخطرة طوال دورة حياتها. مع اخذ مبادئ حقوق الانسان في الاعتبار، وازالة المعايير المزدوجة القائمة بين البلدان التي تلحق اضراراً شديدة بالبلدان التي تكون انظمتها ضعيفة، والحد من استخدام مبيدات الآفات في جميع انحاء العالم، ووضع اطار لحظر المبيدات الشديدة الخطورة والتخلص منها تدريجياً، وتعزيز الزراعة الايكولوجية، وتحميل المنتجين المسؤولية الكاملة عن مبيدات الآفات.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This