علت أخيراً صرخة أهالي البلدة لدى صدمتهم برؤية المياه الملوثة بالدماء وما تحمله من “كمخة وزنخة”، وأحياناً ريش يتسلل عبر نهر عرجون الجاف إلى بحرهم. «إنها شركة هوا تشيكن»، يؤكد الكاتب والناشط البيئي حافظ جريج. ويصدّق على كلامه العديد من أهالي البلدة.
يقول: «هذه الدماء ناتجة من مسلخ الشركة الذي يذبح ما يناهز 100 ألف طير يومياً. لقد صورنا أعماق البحر المليئة بالدماء والريش والروائح والبقايا، وهي آتية من المجرور البحري لمحطة التكرير الفاشلة ومسلخ الفراريج الذي يرسل نفايات الذبح مباشرة إليها دون معالجة، فضلاً عن المجرور الأحمر الفالت في نهر برغون، هذا بالإضافة إلى مشكلة أخرى، هي الروائح الكريهة المنبعثة في الأجواء الناتجة من حرق بقايا الدجاج لاستخراج المواد الصناعية منها. تلك الروائح التي لا تُحتَمل، تنتشر في الغالب في أثناء الليل وفي ساعات الصباح الباكر، وهو ما يعرفه المارة والعاملون في المصانع المجاورة وركاب السيارات لأن الفرن قريب من الطريق العام»، متسائلاً عن درجة خطورة هذه الانبعاثات الناتجة من عمليات التسخين والحرق، وعن الأثر البيئي للمياه الملوثة على المياه الجوفية.
ويتابع جريج: «نحن نفتخر بالصناعات اللبنانية الناجحة، ولكننا نريد أن نفتخر أولاً بسلامة بيئتنا وصحتنا وأرضنا وبحرنا، كلها مقدسات أهم من أي صناعة… إن لم تحترم حقوقنا ولم تلتزم الشروط الضامنة لسلامة البيئة والموارد الطبيعية. لذا، نطالب الجهات المعنية بإجراء دراسات حديثة واقعية لتحديد مستوى خطورة هذه الملوثات على الصحة العامة والبيئة عبر فحص محتويات مجرور المسلخ الذي يصبّ في نهر البرغون وأثره في المياه الجوفية التي تغذي ينابيعنا، ولا سيما نهر الجرادة المركزي».
الهوا: نحن غير معنيين
وفي اتصال لـ “الأخبار” مع مدير مصنع “هوا تشيكن” في أنفه رالف الهوا، قال: «نحن غير معنيين بهذه المشكلة لأن لدينا محطة تكرير خاصة تنتج منها مياه صالحة للري، وليس لدينا شيء لنرميه في النهر أو البحر، هناك العديد من المعامل حولنا، ما ظنوه أنه “زنخة دجاج”، ناتج من مصنع البلاط، فالمياه الملونة التي تحمل رغوة قد تنتج من معمل البلاط، البلاط ينتج الرغوة أيضاً. وأما عن الدماء الناتجة من الذبح، فتُسحَب المياه منها وتُجفَّف». وفي ما يخص الروائح قال: «تنتج بعض الروائح من محطة التكرير، وكانت البلدية قد طلبت منا تركيب نظام شفط، وفعلنا وأصبح جاهزاً. كذلك لدينا في المصنع مرشح حيوي Bio filter يسحب جميع روائح المصنع، لكن محطة التكرير لم تكن متصلة به، وقد جرى توصيلها منذ يومين، ووضعنا لها نظام كواتم لمولدات الكهرباء حتى لا يصدر عنها دخان».
وعن النفايات الصلبة الناتجة من المصنع، قال الهوا: «النفايات العادية تأخذها البلدية، أما الناتجة من الدجاج، فنعيد تدويرها لاستخراج الزيت وبيعه للخارج. نحن محصّنون بيئياً، ونعمل على هذا الموضوع منذ فترة من أجل المستقبل».
في خلال ساعة من محادثتنا مدير المصنع، زرنا الموقع للتثبت مما وصلنا من فيديوهات وصور متعددة المصادر، فوجدنا ثلاثة قساطل بارزة من سور المصنع تصبّ مباشرة في النهر. لم تكن مياهها حمراء كما شاهدناها في الفيديوهات، ولكنها رغوية ذات رائحة زنخة دجاج قاتلة لا يخطئها أنف.
الشكاوى من المياه الملوثة بالدماء والروائح الكريهة ليست حديثة، بل شكوى متجددة على مدى عامين مضت، وتحديداً منذ بداية إنشاء مسلخ الشركة المركزي في هذا الموقع، ويهمس لنا أحد المواطنين بأنَّ البلدية كانت تغضّ الطرف عن المصنع لأنه وظّف نحو 20 شخصاً من البلدة، وهو يقدم الدعم المادي للبلدية، ولكن في العهد البلدي الجديد هل تغيّر الوضع؟
البلدية: أمهلناهم أسبوعاً
يقول رئيس بلدية أنفه جان نعمه: «لقد أرسلت مهندسين للكشف مرتين على المصنع، وذهبت أنا شخصياً، وجدت لديهم محطة تكرير تصدر عنها مياه نظيفة، ولكن عندما يزيد الضغط على المحطة لا تقوم بالتكرير كما يجب، فتنتج منها مياه حمراء وأوساخ. وأظن أنَّ مسلخ “ويلكو” للدواجن الواقع في نطاق بلدية شكا يرمي كذلك الدماء والريش في النهر الذي يمرّ من عندهم، ويصل إلينا ثم إلى البحر، وقد أعددنا تقارير ضدهم، وكذلك فعلت بلدية شكا».
ويتابع نعمه: «أما بشأن الروائح الكريهة الناتجة من مصنع “هوا تشيكن”، فقد طلبنا منهم معالجة الأمر، وقد رُكِّب فيلتر لمعمل معالجة الدم، وأمهلناهم أسبوعاً لمعالجة مشكلة الروائح الناتجة من طبخ أغذية الحيوانات المنزلية من فضلات الدجاج، وإن لم يستجيبوا فسنبلغ وزارة البيئة. أما بشأن المخلفات الصلبة، فبحسب ما علمت منهم، لا يبقى منها سوى الريش، وهم يرسلونه إلى مكب في عكار بعد أن منعتهم البلدية السابقة من حرقه».
يضيف نعمه: «كلّ شكّا تصبّ ملوثاتها في بحر أنفه، إضافة إلى الصرف الصحي الناتج منها ومن عدة قرى أخرى، لأنَّ محطة التكرير لم تعمل بعد، وقد قمنا بجردة مفصّلة عن كافة مصادر التلوث، ورفعنا فيها تقريراً مرفقاً بالصور لوزارة الداخلية بناءً على طلبها، وأظن أن الدولة مهتمة جدياً بمعالجة هذا الأمر».
أين ذهبت «دعاية» وزير البيئة السابق!؟
الجدير بالذكر أنَّ شركة “هوا تشيكن” حازت وسام الالتزام البيئي نهاية عام 2016، منحها إياه وزير البيئة السابق محمد المشنوق في خلال فترة تصريف الأعمال (نهاية ولايته)، وهي الشهادة الأولى التي تمنحها الوزارة لمصنع في لبنان، وذلك احتراماً للمعايير البيئية وتطبيقها نظام الإدارة البيئية وفقاً لتقرير التدقيق البيئي، بحسب موقع الشركة! ليس هذا وحسب، بل إن الشركة استفادت من “شهادة” الوزير ووزعتها كإعلان ظهر في حينها لفترة ليست بقصيرة على شاشات التلفزة، ما عرّض الوزير لانتقادات قاسية من الإعلام البيئي الملتزم. مع الإشارة إلى أنَّ “شهادة” الوزير خصّ بها مسلخ الدواجن ومعمل إنتاج علف مصنع الحيوانات الداجنة ومعمل أغذية معدّة للحيوانات المنزلية في أنفه… وهي المصانع نفسها التي تصدر بحقها الشكاوى من المواطنين والتي طلبت منها البلدية أخيراً تركيب الفلاتر، ما يطرح التساؤل عن المعايير التي اعتمدتها الوزارة ووزيرها السابق لمنح “الشهادة”! فهل يكلف الوزير الجديد فريقاً مختصاً للقيام بجولة جديدة لتصحيح الوضع؟