ما تزال الطيور المهاجرة تباد في غير منطقة، وسمعةُ لبنان في الحضيض، ولم تحرك الجهات المعنية ساكنا، ولم تسطر القوى الأمنية محضر ضبطٍ واحدا بحق من يطلقون النار من بنادق صيد وأخرى حربية، وكأن ثمة تبريرا لهذا القتل العبثي، وهو يستهدف طيورا عابرة لا يؤكل لحمها، تُصادُ وتعرض على صفحات التواصل الاجتماعي وتصل إلى كافة أصقاع الأرض، لتطالعنا الصحف والمولقع العالمية، كما في كل مرة، بصور وتحقيقات تدين قتلنا للطيور في هجرتها الموسمية، ولترمى في ما بعد في مستوعبات القمامة.
أثار الفيديو الذي نشره greenarea.info قبل أيام يوثق مجزرة طيور اللقلق ردود فعل شاجبة، فيما الدولة بسائر مؤسساتها وأجهزتها المعنية مكتوفة الأيدي، بالرغم من أن المجازر المستمرة تمثل فضيحة وإدانة للبنان الرسمي، حتى وصل الأمر بالبعض للتساؤل إلى متى يستمر هذا الفلتان؟ وما السبيل ليتحرك من هم مؤتمنون على بيئة لبنان وجماله وتنوعه الحيوي؟
الخبير غسان جرادي: آداب الصيد!
في هذا السياق، وفي متابعة لما هو قائم، التقى greenarea.info خبراء ومختصين واستطلع آراءهم حيال المجزرة المستمرة.
وأشار البروفسور في علم الطيور البرية وبيئتها الدكتور غسان جرادي إلى أن “كل الطيور المهاجرة يجب عدم اصطيادها وليس اللقلق فحسب”، وقال: “ما أزعجني في هذا الموضوع أن اللقلق من الأنواع الأقل تحملا في مقارنة مع بقية الطيور، فالبجع على سبيل المثال أقوى وضربات أجنحته قوية ويمكنه أن يطير بسهولة دون تيارات هوائية صاعدة تحمله، فيما اللقلق من المستحيل أن يطير دون وجود تيارات هوائية صاعدة، لأنه بحاجة ليوفر طاقته أكثر من غير أنواع طيور، ويحوم ويسير مع تيار الهواء وينتقل من مكان إلى آخر”.
وأضاف: “اللقلق يطير ويخفق بجناحيه ولكن لمسافات قصيرة، وعندما أطلقوا عليها النار في الفيلم الذي رأيته (راجع greenarea.info “جاءت تبشر بقدوم الربيع… أسراب اللقلق تباد ومجازر بالجملة”) ارتبكت، ومع الارتباك والخوف ما عادت تحوم وكان همها أن تطير ويهرب، ولذلك كانت تخفق بأجنحتها فتعبت، وشاهدتهم كيف يلاحقونها، وسرعة اللقلق تقريبا 40 كلم في الساعة، ومن كانوا يطاردونها كانوا في سياراتهم ومع التعب انهارت وتعرضت لصدمة، وأنا متأكد أن السرب حط في أحد الحقول، وهذا ما لم يظهره الفيلم، وأجزم أنهم قضوا عليه، وشاهدت حالة مماثلة في تربل عندما اضطرت للنزول إلى الأرض وكيف تم القضاء عليها”.
وأردف جرادي: “للأسف الشديد التربية البيئية عندنا ضعيفة، ولا تأخذ نصيبها من الاهتمام في المدارس كما يجب، يمكن أن هناك مدارس أفضل من غيرها في هذا الموضوع، ولكن يجب أن يكون هناك الكثير من التشدد في هذا المجال لتوعية التلامذة وتنمية معارفهم بشكل طبيعي من أجل أن ننتهي من هذه الحالة المرضية، أقول حالة مرضية لأن هناك جيلا كبر ولم يتعلم ممن هم أكبر منه كيف يجب أن يصطاد، لأن الجيل السابق، أي ما قبل الحرب كان يتعلم من الجيل الذي سبقه، والأب يعلم أبناءه آداب الصيد، وما هو الممنوع صيده والمسموح صيده، وعندما كنت صغيرا كنت أمشي مع الصيادين، وكنا على سبيل المثال نصطاد (المطوق)، وإذا مر طائر من نوع آخر لا أحد يطلق عليه النار، كان هناك وعي حول ما يجب اصياده وما لا يجب اصطياده، كان هناك احترام لهذه الهواية واحترام للطير، اليوم هذا الأمر ما عاد موجودا، وهذا ما يتطلب تربية بيئية صحيحة من قبل المدارس، وعلى الدولة أن تشدد على هذا الأمر، وبالتالي لا بد من التوعية على مستوى المواطنين، هناك توعية ولكن هذا لا يكفي، وعندما نقاصص المذنبين ونحولهم إلى المحكمة ونعاقبهم على ما فعلوه، بذلك يكونون عبرة لغيرهم، ولا يمكن أن تكون العبرة بنسبة 100 بالمئة، ولكن يمكن أن تكون بنسبة 90 بالمئة وهذا مهم جدا”.
وقال: “إذا كان هناك تسيب رسمي فمن الطبيعي أن يؤدي الأمر إلى أكثر من ذلك، وإذا كان هناك اهتمام رسمي فهذا الواقع يجب معالجته مع الوقت، فلنرَ ونتعظ، في الدول الأوروبية لديهم وزارت للبيئة تعتبر وزارات رئيسية قادرة على التأثير في كل شيء، أما نحن فليس للوزارة هذا الدور، وإذا ما طلب الوزير أمرا يمكن أن ينفذ أو لا ينفذ”.
وتابع جرادي: “بموضوع الطيور يعز علي أنه كل ما أسافر يقولون لي أنتم تقتلون الطيور ويتحدثون معنا بفوقية ويقولون أنتم شعب همجي، اليوم فقدنا الكثير من مصداقيتنا ومن حضارتنا، بمعنى أنه لم يعد ينظر إلينا كشعب راقٍ، هذا الأمر لا يناسبنا، نحن متضررون جدا والطير متضرر، في أوروبا عندما يعشش الطائر على سطح البيت يعتبرونه نذير خير وأن لديهم أملا بالحياة وهو جالب للسعادة”.
وختم جرادي: “أول ما شاهدت الفيديو أحسست بمعدتي انقبضت ومرضت فعلا، فيما أنا عاجز عن القيام بأي شيء، لكن يجب أن نستمر ونتحدث ونسلط الضوء على هذا الموضوع ليصطلح الحال، خصوصا وأننا مجرمون كثيرا بحق الطيور، علما أن كل الأديان مع حماية الطيور”.
الناشط البريطاني جيمس هوغ: جنون!
أما الناشط البيئي البريطاني جيمس هوغ، فقال: “أول ما لفتني عند مشاهدة الفيديو أن شابا يافعا يطلق النار بطريقة عشوائية على سرب كبير من الطيور بهدف التسلية، علما ان هذه الطيور لا تصلح للأكل، فهذا يندرج تحت عنوان القتل المجاني، كان جديرا به ان يعلم على الاقل من خلال الرسوم المتحركة التي رسخت صورتها في ذاكرتنا لهذا الطير وهو يحمل في فمه صرة فيها طفل بأنها تبشر بالربيع ولا داعي لقتلها”.
وأضاف: “والملاحظة الثانية كانت صادمة بحيث ان ما جرى ليس مجرد قتل للطيور بل هو انتهاك واضح للسلامة العامة، خصوصا وأن هذا الشاب كان سلاحه ممتلئا وكان يطلق النار بطريقة أنانية وعشوائية في طريق مزدحم بالسيارات والناس، مما يعرض نفسه وغيره للخطر، هذا التصرف هو جنون، وبكل بساطة مثل هذا الشخص لا يجدر به حمل سلاح”.
الدكتور انطوان فيصل: لتطبيق قوانين صارمة
أما المحاضر والمصور الدكتور انطوان فيصل، فقال: “بالكاد بدأت هجرة الربيع الكبيرة، وشهدنا مجازر للعشرات والعشرات من طيور اللقلق خلال رحلتها في الجو وحتى خلال فترة استراحتها على الارض، نحن بحالة فزع بسبب مشاهدة كل صباح صور المجازر الدامية لطيور سلمية، ومحمية بموجب اتفاقيات دولية يتم قتلها تحت أعين السلطات المعنية بتطبيق القانون”.
وأشار إلى أن “العديد من المؤتمرات اقيمت وتقام بهدف رفع مستوى الوعي لدي المواطنين والصيادين، ولكن للأسف الجرائم تتضاعف من سنة الى أخرى”.
ورأى فيصل أن أن التوعية يجب أن تبدأ بإيقاظ الوزارات من سباتها، وهذا قبل التوجه بالتوعية والتثقيف للمواطنين اللبنانيين أنفسهم، نحن بحاجة مستعجلة وملحة لتطبيق قوانين صارمة”.
جولي لبنان عويضة: لوقف هذه الكارثة
وقالت الناشطة البيئية جولي لبنان عويضة: “انا في لبنان منذ 7 سنوات وناشطة في مجال حماية الطيور، أشعر بالغضب لرؤية المجازر المرتكبة بحق الطيور في هجرتها الموسمية مرتين في السنة خلال عبورها لسماء لبنان، كما اشعر بالحزن لهذه الطيور الرائعة الجمال وهي تتهاوى أرضا وتترك لتتعفن، ولم ترتكب أي ذنب كل ما تفعله أنها تمر خلال رحلة هجرتها الطويلة فوق اراضي هذا البلد فيتم قتلها بغباء”.
وأشارت إلى أن “هذه الطيور المحببة هي رمز لبلدان أخرى ومحمية في اميركا واوروبا”، وقالت: “من المؤسف ان تتم ابادتها أمام أعين الجميع (الوزارات، الاجهزة الامنية والمواطنين)، دون اتخاذ اجراءات جادة لوقف هذه الكارثة التي تهدد التنوع البيولوجي على هذا الكوكب، بالاضافة الى ان لبنان هو من ضمن الدول الموقعة على الاتفاقيات التي تحمي هذه الطيور، علما ان هذه الاتفاقيات يجب الالتزام بها عمليا”.
وأضافت عويضة: “منذ وصولي الى لبنان وانا اناشد واكرر على ضرورة تنظيم حملات التوعية الوطنية، وتنظيم الصيد للوصول الى صيد مستدام، وتقع مسؤولية هذا العمل على وزارة البيئة والبيئيبن ايضا يمكنهم استثمار وقتهم في مشاريع بيئية تعود بالفائدة والخير على الجميع، بدل تضييعها في تقديم تقارير عن هذه الجرائم”.