لا يزال السباق من أجل الاستحواذ على ملف إدارة النفايات المنزلية الصلبة قائم على اكثر من جهة، خصوصاً ان العديد من البلديات الكبرى في جبل لبنان قطعت شوطاً في دراسة كافة الخيارات المتاحة لجهة الخروج من العقد المركزي الذي تتولاه الدولة اللبنانية عبر “مجلس الانماء والاعمار”، فيما يعرف بالمرحلة المؤقتة، والتي باتت مرتبطة حكماً بالقدرة الاستيعابية لمطمري “الكوستابرافا” و”برج حمود”، ناهيك عن القرارات القضائية التي باتت سيفاً مسلطاً للتقصير من عمر هذين المطمرين، لا سيما القرار الصادر عن قضاء العجلة في بعبدا، لجهة الاقفال النهائي لمطمر مصب نهر الغدير في الشويفات (الكوستابرافا) والذي يفترض تنفيذه منتصف شهر أيار (مايو) المقبل، اذا لم تتخذ محكمة الاستئناف قراراً بوقف التنفيذ.
في المقابل، لا تزال المناقصات الطويلة الأجل ترأوح مكانها في اللجنة الوزارية التي يرأسها الرئيس سعد الحريري، وتشير المعلومات ان تقدماً قد تم إحرازه على صعيد حسم مجموعة من المسائل المرتبطة بدفتر الشروط وتقنيات المعالجة، لكن النقطة التي لا تزال مدار بحث، اين ستقام المنشآت؟ وهل ستكون البلديات الكبرى الساحلية بما فيها العاصمة بيروت وبلديات الضواحي جزءاً منها؟
على هذا الصعيد سجل تطور لافت للانتباه تمثل بإعلان بلدية بيروت عن اجراء تأهيل مسبق لمقأولين للاشتراك بمشروع خطة التخلص من النفايات الصلبة Waste treatment facilities for Beirut Municipality. واعلنت البلدية عبر موقعها الأكتروني انه يمكن استلام شروط التأهيل ابتداء من تاريخ نشر هذا الاعلان (1 آذار/مارس 2017) من مقر المجلس البلدي الكائن في القصر البلدي في وسط مدينة بيروت التجاري (شارع ويغان – الطابق الثاني)، وذلك طيلة أوقات الدوام الرسمي. ويمكن لمن يرغب في الاشتراك في هذا التأهيل الإطلاع على شروط التأهيل في مصلحة أمانة المجلس البلدي (الغرفة 203). وتودع ملفات التأهيل خلال أوقات الدوام الرسمي في الغرفة 203 في مصلحة امانة المجلس البلدي، في موعد اقصاه الساعة الثانية من يوم الثلاثاء الواقع في 2 أيار (مايو) 2017.
وتقول بلدية بيروت ان هذا الاعلان يشكل المرحلة الأولية الإلزامية والتي ستليها مرحلة اطلاق المناقصات، لكن دفتر شروط التأهيل المسبق يشير شكل واضح الى ان هذه العملية لن تلزم البلدية بأي تعهد تجاه الشركات التي ستتأهل، ان لجهة اطلاق المناقصات، وإن لجهة آلية التلزيم والتي تنص حالياً على اعتماد مبدأ DBOT اي التصميم، التشييد والتشغيل ونقل الملكية، والتي يحتمل ان تلغى لتصبح آلية التلزيم قائمة على مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP.
ومعلوما ان هذا الاعلان لا يستند الى موافقة مجلس الوزراء الذي لم ينظر الى الآن بالطلب الذي رفعه وزير الداخلية نهاد المشنوق في عهد حكومة الرئيس تمام سلام، ويطلب فيه تعديل القرار رقم 46 الصادر عن مجلس الوزراء عام 2014، عبر السماح لبلدية بيروت إجراء هذه المناقصة بشكل مستقل، وبمعزل عن التكليف المعطى لـ “مجلس الانماء والاعمار”.
وكان مجلس الوزراء قد أوقف في نيسان (أبريل) الماضي تفويضاً معطى لمجلس الانماء والاعمار بإطلاق مناقصة لإدارة النفايات تعتمد تقنية التفكك الحراري بطاقة استيعابية تبلغ ٢٠٠٠ طن من النفايات يومياً، واعلن مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدت في 27 نيسان (ابريل) 2016 عن تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة لدراسة دفتر الشروط العائد للمحارق المتعلقة بمعالجة النفايات، الامر الذي عطل هذه المناقصة التي اشترط “مجلس الانماء والاعمار” لاطلاقه تحديد الموقع أو المواقع لانشاء مركز أو مراكز التفكك الحراري، وادى هذا الامر التي تعطيل الجدول الزمني الذي سبق واعلن عنه “مجلس الانماء والاعمار” لإطلاق المناقصة بدءاً من 11 تموز (يوليو) 2016 موعد الاطلاق، يليها أربعة اشهر لتقديم عروض المناقصة تنتهي في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، وعشرة اشهر لتوقيع العقد (11 ايار/مايو 2017) و36 شهراً لانجاز الاشغال وبدء التشغيل (12 ايار/ مايو 2020).
ويستنتج من تعطيل هذا الجدول الزمني ان اي اتفاق سياسي داخل مجلس الوزراء، أو على صعيد بلدي معني، يفضي الى اطلاق مناقصة دولية لانشاء مركز للتفكك الحراري لن تبصر النور قبل ثلاث سنوات على الاقل من تاريخ توقيع العقود.
هل مرحلة التأهيل المسبق التي اطلقتها بلدية بيروت مجرد فقاعة؟ وهل هناك من سعيد البلدية الى الحلقة المغلقة للمناقصات المركزية ويلزمها بالشراكة مع بقية البلديات تحت وصاية “مجلس الانماء والاعمار”؟ من المبكر حسم هذه المسألة، لكن الأكيد ان بلدية بيروت تريد البرهان من خلال هذا الاعلان انها لن تنتظر احداً، وان من يريد الشراكة معها عليه ان يلتحق بها لا ان تبقى منتظرة القرار الحكومي الذي لن يبصر النور قريباً.
ماذا تضمن دفتر شروط التأهيل المسبق لمشروع خطة التخلص من النفايات الصلبة Waste treatment facilities for Beirut Municipality؟.
يقع إعلان التأهيل المسبق، الذي حصل موقع greenarea.info على نسخة منه، في ٣٩ صفحة باللغة الإنكليزية، ويتضمن تفاصيل شاملة تتعلق بشروط التأهيل، ولقد تم إعداد هذا الاعلان بالتنسيق بين الدوائر البلدية وبرنامج الامم المتحدة الانمائي، وهو يختلف الى حد كبير عن اعلان التأهيل المسبق الذي اصدره “مجلس الانماء والاعمار” في العام الماضي بالاستناد الى دفتر الشروط الذي اعده الاستشاري الدنماركي “رامبول”، خصوصاً لجهة تضمنه مروحة من الاجراءات التي تفترضها عملية التخلص من النفايات، تبدأ بفرز المواد القابلة لإعادة التدوير، مروراً بعملية المعالجة البيولوجية للنفايات، وصولاً الى حرق ما تبقى بعد المرور بهاتين المرحلتين، اي ان نسبة الحرق يجب ان لا تتجاوز ٤٠ بالمئة كحد اقصى من اجمالي الكمية المرفوعة، وهذه الكمية يفترض اما طمرها أو حرقها، بحسب المعايير المتبعة في إدارة النفايات.
لكن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، وهي كثيرة بطبيعة الحال، خصوصاً ان العوامل السياسية وانخفاض مستوى انفاذ القانون وآليات الرقابة قد تؤدي لاحقاً الى نسف جميع المراحل والاكتفاء بحرق جميع النفايات، وهو ما حذر منه موقع greenarea.info في سلسلة من التقارير التي نشرها، لجهة الرفض المبدئي لجميع المشاريع التي طرحت وتطرح لادارة النفايات في لبنان والتي تتضمن تقنية الحرق. ويستند هذا الرفض الى مجموعة من المعايير التقنية والادارية والبيئية والفنية، والتي تؤكد ان بدائل الحرق متوفرة على نطاق واسع، وان هذه التقنية هي في اسفل الهرم المعتمد لادارة النفايات وتتجه دول الاتحاد الاوروبي الى عدم اقرار اي مشاريع جديدة تستند اليها.
ماذا عن شروط التأهيل المرتبطة بالعارضين؟ حسمت بلدية بيروت خيارها لجهة الزامية ان يتم تقديم الطلب من قبل ائتلاف شركات (الحد الادنى اثنان)، على ان يكون احد الشركاء لبناني من ضمن المصنفين من قبل “مجلس الانماء والاعمار”، على ان يقل حجم الاعمال السنوي عن العشرين مليون دولار في كل فئة من الفئات الثلاث المعتمدة، وهي الابنية والانشاءات الهندسية العامة والطرقات. ويشير الاعلان الى ان الشركة اللبنانية التي ستتقدم الى المناقصة والتي تمتلك خبرة اضافية في ادارة النفايات، سوف يتم تقييمها بالاستناد الى معايير التقييم المحددة في الاعلان. يقود هذا الشرط الى الاستنتاج البديهي بأن بلدية بيروت حسمت امرها لجهة ادخال نادي الشركات اللبنانية الطامحة الى تولي هذا النوع من المناقصات، وهو امر يضع علامات استفهام كبرى لجهة الثقة بهذه الشركات في ادارة منشآت حساسة تتضمن محارق، بمعزل عن تعقيد وتصعيب شروط التأهيل المسبق، وبمعزل عن شروط الائتلاف مع شركة اجنبية محترفة ومؤهلة! ففي نهاية الامر سوف تفضي المناقصة الى وجود شريك لبناني اساسي في ادارة منشأة حساسة جداً ، مع ما يستتبع ذلك من تفاهمات سياسية وغير سياسية تفضي الى توقيع العقد وادارة المشروع، وبالتالي مراقبته، وفي حالة المحارق، كلما ضعفت آليات الرقابة زادت المخاطر القاتلة، وتلقائياً زادت الارباح المحصلة للقطاع الخاص، وهنا مكمن الخلل الرئيسي والقلق المشروع لجيمع الذين رفضوا ويرفضون اعتماد تقنيات الحرق في لبنان.
ويحدد اعلان التأهيل المسبق المتطلبات التي يجب ان يتتمع بها العارضين من الخبرة الى المراجع والموارد والقدرات المالية وغيرها. واللافت للانتباه ان اعلان التأهيل المسبق ورغم تضمينه بندا يحظر تقدم اي شركة اسرائيلية الى المناقصة حتى من خلال احد فروعها في الخارج، لا يضع بشكل واضح حذر على الشركات الاجنبية التي تعمل في الاراضي المحتلة والتي يفترض ان تمنع عن التقدم بالاستناد الى قانون مقاطعة اسرائيل، وهو ما يحتم خروج العديد من الشركات الطامحة الى التقدم للمناقصات في لبنان في العديد من القطاعين، خصوصاً شركات فرنسية معروفة باستثمارها في الاراضي المحتلة بما فيها المستوطنات غير الشرعية في القدس والضفة الغربية.
ان موقع greenarea.info اذ يكتفي بسرد هذه الشروط، فإن بقية الشروط التقنية واسماء ابرز الشركات الطامحة للدخول في هذه المناقصة، سوف يتضمنها الجزء الثاني من هذا التقرير.