تنص المادة الثالثة من قانون حماية البيئة رقم 444 على أن “لكل انسان الحق ببيئة سليمة ومستقرة، ومن واجب كل مواطن السهر على حماية البيئة وتأمين حاجات الاجيال الحالية من دون المساس بحقوق الاجيال المقبلة”، ومن هذا المنطلق، فإن من حق الناس الحفاظ على بيئتهم ومحيطهم الحيوي لأجلهم ولأجل أولادهم والأجيال القادمة.

وما نشهده في عين دارة منذ سنوات طويلة، يندرج في سياق محافظة أبناء البلدة على بيئتهم، وما لا يحتاج إلى إثبات اختفاء بعض جبال عين دارة، بعد أن قضمتها المقالع والكسارات، وبعد أن خسر المواطنون مواسمهم الزراعية، ولا سيما منها “التفاح العينداري”، خصوصا وأن الكسارات تقتل كل أشكال الحياة وتقضي على الغطاء النباتي أبعد بكثير من مواقعها ومحيطها، فضلا عن ما تتسبب به من تلوث يطاول المياه السطحية والجوفية.

ويبدو أن عين دارة ستواجه استباحة جديدة لبيئتها ومستقبلها، فما لم تدمره الكسارات والمقالع سيتكفل به مصنع الاسمنت ومنشآته وملحقاته الصناعية، وهذه باختصار الصورة القائمة اليوم.

ففي الثالث عشر من آذار (مارس) توجه أهالي ومجلس بلدية عين دارة للاعتصام دعما لشرطة البلدية الذين منعوا شاحنات آل فتوش، من المرور إلى موقع المصنع غير المرخص بعد، والذي يَعِدُ عين دارة والمنطقة بتلوث غير مسبوق، وفقا لتقرير المهندس جان بدر العلمي حول صناعة الإسمنت وقد نشره موقعنا greenarea.info بتاريخ 13 آذار (مارس) .

وفي هذا المجال، وبموقف greenarea.info المحايد في حدود ما يتهدد بيئة هذه المنطقة، من جهتي النزاع في أعالي عين دارة وضهر البيدر، آل فتوش من جهة، وأهل عين دارة ومجلسها البلدي المنتخب من جهة ثاني، نضع أمام الرأي العام التفنيد الذي ساقه المكتب الإعلامي لآل فتوش ورد بلدية عين دارة حرفيا.

 

بيان بيار فتوش

 

وعلى خلفية الإشكال الأخير، صدر بيان عن المكتب الاعلامي لبيار فتوش، جاء فيه: “صباح الاثنين الواقع فيه 13 آذار (مارس) 2017، فوجىء العاملون في المجمع الصناعي الذي بدأ السيد بيار فتوش بإقامته في جرود عين دارة – ضهر البيدر منذ أيلول (سبتمبر) 2015، بحواجز مسلحة تضم مجموعة من الخارجين على القانون يتجاوز عددهم المئة، قامت بإطلاق النار على العمال فجراً ثم على الشاحنات التي كانت تنقل بيوتاً جاهزة حوالي الساعة التاسعة، مهددين بأنهم لن يسمحوا بمرور أي شخص يعمل في المجمع وبإحراق الآليات التابعة له. وقد تبين أن هؤلاء المسلحين ينتمون الى الحزب التقدمي الإشتراكي ويتحركون بإشراف وتوجيه من رئيس بلدية عين دارة العميد المتقاعد فؤاد هيدموس ومعاونيه مارون بدر وأسعد يمين وسليمان يمين وستيفن حداد”.

وأضاف البيان: “يبدو من التسجيلات والصور التي وصلتنا من أهالي عين دارة، أن الاعتداء المسلح على العاملين في المجمع الصناعي قد تم تحضيره بعناية وإتقان ووفق خطة عسكرية محكمة تحدد خارطة انتشار المسلحين ونوعية الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي سيستعملونها. فالمفاوضات والاتصالات التي سبقت الاعتداء تركزت على تنظيم حملة دعائية يتولاها السيد ستيفن حداد ويتم تمويلها من صندوق البلدية بمبلغ أولي قيمته عشرة آلاف دولار، مما يشكل هدراً للمال العام يفرض على النيابة العامة المالية التحرك لفتح تحقيق حول كيفية تمويل التحركات والحملات التي ينظمها رئيس بلدية عين دارة. أما الصور التي ننشرها مع هذا البيان، والتي قاموا بتوزيعها، فهي تظهر بشكل واضح لكل خبير أن عمالنا كانوا في سياراتهم وأن مسلحي رئيس بلدية عين دارة والحزب التقدمي الأشتراكي كانوا ينتشرون في أوضاع قتالية. ونطالب القضاء والنيابة العامة التمييزية بالتدقيق في أفلام الكاميرات الموجودة في موقع الاعتداء لإظهار الحقيقة الدامغة. ونحتفظ بحق الإدعاء على كل من يظهره التحقيق مخططاً أو محرضاً أو مشاركاً”.

إن إقدام عصابة مسلحة بقيادة شخص يتولى مسؤولية عامة على قطع طريق عام وممارسة كل أنواع البلطجة  والتهديد والإفتراء والتعدي يدفعنا الى التساؤل  عن المخطط المرسوم لهذه المنطقة ومن يقف وراءه ومن يستفيد منه. فوقوف القوى الأمنية على الحياد وترك الفوضى تأخذ مداها مؤشر خطير يساعد الخارجين على القانون  في فرض رغباتهم وممارسة كل أنواع الإبتزاز. واذا كانت الدولة بكافة أجهزتها تسكت عن هذه الممارسات بحق أكبرمشروع استثماري يملك التراخيص القانونية المبرمة بأحكام قضائية، ويؤمن آلاف فرص العمل، فكيف ستتمكن من إقناع المستثمرين والشركات العالمية بالمجيء الى لبنان للمشاركة في تنمية وتطوير اقتصاده.

وناشد البيان “فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيين وقيادة الجيش اللبناني وكافة القوى الأمنية التدخل العاجل والفوري لوضع حد لتصرفات هذه العصابات المسلحة، وذلك تجنباً لمواجهات حتمية قد تحدث ودماء قد تسقط. فإذا كنا نتحلى بالصبر ونلتزم تطبيق القوانين وننفذ أحكام القضاء، فإننا لن نترك شريعة الغاب تتحكم بمشاريعنا وبمؤسساتنا، وسنتصدى لكل الإفتراءات والتعديات بالوسائل القانونية والشرعية محملين الدولة اللبنانية ورئيس بلدية عين دارة ومساعديه المسؤولية عن الخسائر والأعطال والأضرار والربح الفائت اليومي عن التأخير في تنفيذ المشروع”.

وقد أرفقت بالبيان الصادر في 14 آذار (مارس) صور للمسلحين، كان ناشطون من عين دارة قد نشروها على مواقع التواصل الإجتماعي، ووصلت إلى موقع greenarea.info نسخ منها، فضلا عن وسائل إعلام أخرى، وتسجيل صوتي باسم ستيفن حداد ونص التسجيل الصوتي.

 

بلدية عين دارة

 

وجاء رد بلدية عين دارة: “طالعنا اليوم ما يُسمى بالمكتب الإعلامي لبيار فتوش ببيان على موقع (ليبانون ديبيت) ينضح بالأكاذيب والإفتراءات التي اعتاد عليها بهدف تضليل الرأي العام وتغطية لارتكاباته المخالفة للقوانين في جبل عين دارة منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً. وإظهاراً للحقيقة يهم بلدية عين دارة أن تفضح للرأي العام أضاليل السيد بيار فتوش وإن تكن على يقين أنه ليس بحاجة إلى ذلك:

1-إن إلصاق تهمة إطلاق النار والتعدي على عمال بيار فتوش بأهالي عين دارة وبلديتها والحزب التقدمي الإشتراكي ليس لها مكان في الحقيقة إلا في مخيلة السيد بيار فتوش. والصور التي عرضها في بيانه تعود لمسلحيه وقد إلتقطها أهالي البلدة وتم توزيعها ونشرها على وسائل التواصل الإجتماعي من قبلهم إظهاراً للحقيقة، وإثباتاً لاعتداءاته التي باتت مكشوفة للجميع مما حدا به الى إصدار البيان الاكذوبة تغطيةً لارتكاباته، وإننا بدورنا ندعو الأجهزة الأمنية بإصرار والنيابة العامة التمييزية الى فتح تحقيق للتأكد من هوية المسلحين وملكية السيارات التي يستقلونها محتفظين بحقنا بالإدعاء على كل من اعتدى وشارك ودعم وخطط ومول الهجمة البربرية على شرطة بلدية عين دارة وأهالي البلدة العزل. وقد ادعى زوراً في بيانه أن هذه الصور وصلته من أهالي عين دارة وهي في الواقع بمتناول الجميع بعدما تداولها أهالي البلدة على وسائل التواصل الإجتماعي.

2-إن الحزب التقدمي الإشتراكي وحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب اللبنانية والتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الإجتماعي والحزب الديموقراطي اللبناني يشكلون النسيج الإجتماعي لأهالي عين دارة، وطبيعي جداً أن يكونوا مؤيدين لكل التحركات السلمية التي يقوم بها محازبوهم وأنصارهم وناسهم في بلدة عين دارة.

3-بدل أن يذرف السيد فتوش دموع التماسيح على ما أسماه هدر المال العام باتهامه بلدية عين دارة زوراً بإنفاقها مبلغ عشرة ألاف دولار أميركي على حملة دعائية، فالأحرى به أن يعوض على بلدة عين دارة ثمن ما نهشه من جبالها بطرق مخالفة للقانون وتقدر قيمته بملايين الدولارات.

4-إن ما تم وصفه في البيان “بخطة عسكرية محكمة تحدد خارطة إنتشار المسلحين ونوعية الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي سيستعملونها”، كلها تعابير تدل على ولع صاحبها بالأمور العسكرية وشغفه بإقتناء المسلحين والسلاح وكيفية توزيعهم وانتشارهم للإعتداء على حقوق الآخرين وتاريخه يزخر بهذه (الإنجازات) والإعتداءات إبتداءً من حادثة فريق تلفزيون الجديد في زحلة مروراً بتهديد أهالي عين دارة بإنشاء المعمل (حتى لو صار في دم بالأرض) وليس إنتهاءً بحادثة الإعتداء على الموظفة منال ضو في قصر العدل.

5-إن المقابلة التي أجرتها محطة MTV الطيبة الذكر مع أحد سائقي شاحنات السيد فتوش وبثتها في النشرة المسائية ليوم الإثنين الواقع فيه 13/3/2017، تفضح بصورة لا تقبل الشك أضاليله وتُكذب إدعاءاته في بيانه الأخير، حيث لم يذكر سائق الشاحنة لا من قريب ولا من بعيد أنه رأى مسلحين أو تعرض هو ورفاقه إلى إطلاق نار من قبل أهالي عين دارة، ولو كان هناك نيابة عامة للصدق في القانون اللبناني، لما كنا نسمع نهائياً ببيانات صادرة عن السيد بيار فتوش”.

 

نص ستيفن حداد

 

يرد في النص الصوتي المعمم من قبل المكتب الاعلامي لفتوش ما معناه، أنه ستيفن حداد يقترح “انتاج فيلم شبيه بالفيلم الذي أنتجه فتوش بصوت إعلامي معروف”، والذي يعتقد أنه كلف ما لا يقل عن مئة ألف دولار كونه ذات تقنية عالية، كما أكد حداد على أن أسلوب فتوش “يضلل بطريقة كتير مؤذية” لأنه يظهر للناس أن البلدية ليست مع الناس ولا الإقتصاد، ولا فرص العمل وأن مثل هذا الفيلم يكلف حوالي عشرة آلاف دولار، لأن البلدية عليها توزيع الفيلم على التلفزيونات ومواقع التواصل الإجتماعي.

 

موقف حازم من الدولة

 

تبين التفسيرات للصور والتسجيلات التي حصل عليها فتوش (بطريقة ما)، ما سبق وأكده greenarea.info، نجد أن هناك تلاعبا من قبل فتوش وبإخراج سيء لا يستند إلى أي معطى موضوعي، إذ كيف يمكن لمن أحضر آليات بهدف إدخالها إلى أرض المصنع دون الحصول على ترخيص يرفض المجلس البلدي تأمينه، ولأن ليس ثمة حجة دامغة، نرى فتوش مستمرا في اللعب على العصبيات، كأن يدعي أن هناك خطة لإلغاء وجود المسيحيين في الجبل، وكأن المجلس البلدي المكون بأكثريته من المسيحيين ليس له اعتبار “مسيحي” عند آل فتوش، فقط لأنه في الطرف الآخر من الصدام، ولم تظهر التسجيلات صورا لمسلحين بلغ عددهم المئة، إلا أننا وفقا للمعلومات السابقة فإن ما بلغ عدده مئة هو عدد الطلقات التي أطلقها مسلحو فتوش، كما أن التسجيل الصوتي للمصور ستيفن حداد، وهو ناشط ومواطن وعضو في المجلس البلدي، يتكلم عن فيلم توثيقي لاعتداءات فتوش بمبلغ 10 آلاف دولار شبيه لما قام به فتوش، ووفقا للتسجيل فقد كلف آل فتوش مئة ألف دولار مقابل انتاج فيلمه عن معمل الإسمنت وزينه بصورة الأرز اللبناني، وليس في كل ما سبق، أي إشارة لنية بالتعدي بالأسلحة كما أشار بيان آل فتوش، من جهة أخرى، فمن الصعب تصديق قصة المسلحين التابعين للحزب التقدمي الإشتراكي وبأنهم يأتمرون بأوامر أعضاء المجلس البلدي، فهي قصة لن يصدقها إلا آل فتوش ومعاونوهم، ليهددوا ويبرروا في المستقبل الإعتداء على أهل البلدة، وهذا ما ساقه البيان بصراحة.

وفي الختام، نعود إلى المادة الثالثة من قانون حماية البيئة رقم 444، فمن حق المواطنين في عين دارة والجوار ببيئة سليمة من التلوث الإسمنتي ومستقرة كما كانت دوما حتى مجيء الكسارات إلى تلك المنطقة، وحولتها إلى منطقة شبه ميتة، كما أن ردود فعل أهالي عين دارة هي واجب عليهم وعلى كل مواطن، كما أن واجبهم السهر على حماية البيئة بهدف تأمين حاجات الاجيال الحالية من دون المساس بحقوق الاجيال المقبلة والمستقبلية، فالبيئة والوطن أمانة بيدنا للأجيال القادمة.

كل ذلك يستدعي موقفا حازما من الدولة، وعلى القضاء أن يبت بسرعة بكل الأمور العالقة، خصوصا وأن ما تتعرض له عين دارة اليوم يمثل استباحة لأرضها وبيئتها ومستقبلها.

 

2 (56)

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This