أطلقوا عليه اسم العاصي لانه الوحيد من بين انهار الوطن العربي ينبع من الجنوب، من أعالي سهل البقاع في لبنان، ليصب في الشمال، حيث خليج السويدية في البحر المتوسط، كما يتميز نهر العاصي بانه ينبع من ثلاثة تجمعات من الينابيع بدلاً من نبع واحد، وهي: منابع عين الزرقا، شواغير والهرمل من جبال لبنان الغربية، ومجموعة ينابيع اللبوة، عين فلكية ورأس بعلبك من سلسلة جبال لبنان الشرقية، ومجموعة منابع الزراعة، شمال البقاع اللبناني.
يعبر العاصي أراضي محافظة حمص، واصلاً الى مدينة الرستن حيث يوجد “سد الرستن” اكبر سد على النهر المذكور (يوجد على النهر37 سداً)، ليدخل بعدها مدينة حماه فيقسمها الى نصفين، ماراً من تحت أكبر النواعير الخشبية في العالم (الناعورة المحمدية)، حيث تنتشر على ضفافه الاشجار المثمرة والبساتين، التي تحاكي بجمالها بساتين الغوطة الشامية.
وخلال مسيرته في الاراضي السورية التي تبلغ حوالي (525كلم) يروي النهر ما يقارب المئة ألف هكتار في ثلاث محافظات حمص وحماه وإدلب، لكنه يتعرض لكل أنواع التلوث سواء بالأسمدة المختلفة والمبيدات الزراعية، أو بمخلفات المصانع المنتشرة على امتداده (شركة الأسمدة، مصفاة حمص، شركة سكر حمص ومعمل سكر جسر الشغور)، ومياه الصرف الصحي، وآلاف مؤلفة من أكياس القمامة المنزلية والنفايات الصلبة بأنواعها المختلفة، فبعد أن كان النهر مصدراً حيوياً للزراعة الطازجة، تحول إلى مثال صارخ للمياه الملوثة، ومصدرا للروائح الكريهة، ومرتعاً خصباً للحشرات التي تنقل الامراض.
وأشار المهندس عدنان كيزاوي في حديث لـ greenarea.info إلى أن “نشاط النهر قد تغيّر بشكل واضح في الاعوام العشرين الاخيرة، بسبب استخدام المزارعين للمضخات التي تستنزف غزارة النهر، وتقلل من تدفقه”، وأكد أن “نوعية التربة قد تغيرت من تربة غنية وذات نوعية جيدة، الى تربة ذات نوعية متوسطة، عديمة الفائدة في مناطق عديدة”، ولفت كيزاوي الى أن “ذلك كله يرتبط بالضغط البشري الكثيف الذي يؤثر على النظام البيئي للنهر”.
لقد أدى تلوث مياه العاصي، نتيجةً لوجود مئة مصرف زراعي تصرف المياه العادمة، يومياً الى النهر، الى اختفاء بعض أنواع الأشجار، عن ضفافه فلم يتبقَّ إلا القليل جداً من أشجار الدفلى، الطيون، العليق والصفصاف، فيما اختفت معظم النباتات العطرية والطبية، إضافة الى عدم وجود أي شكل من اشكال الحياة في مياه النهر، ففي منطقة جسر خطاب (حماه) وجسر الشغور (إدلب)، تنعدم الحياة الحيوانية نتيجة انخفاض نسبة الأوكسجين المنحل، وأصبحت بيئة النهر تساعد على ازدياد نمو الطحالب (يوجد حوالي 100 نوع من الطحالب) وتكوين انفجارات طحلبية على مدار العام، التي يؤدي نموها في مياه النهر الى اختفاء نباتات مثل (النيلوفر) الذي انقرض كلياً.
وبالمقابل، تسبب ازدياد نمو نباتات أخرى (الليمنا) باختناق الاسماك النهرية، إضافة الى أن مياه النهر الملوثة جداً ذات تأثير سلبي خطير على المياه الجوفية، كما ساهم هذا التلوث، وعلى الرغم من وجود محطة رصد متنقلة، ومرصدين ثابتين في منطقة الدوير – حمص، وفي بلدة أرزة – حماه، وعلى الرغم من عملها المستمر في مراقبة نوعية مياه النهر ارتفعت درجة الحرارة، درجة الحموضة، درجة الأكسدة والارجاع، مستوى الاشباع بالأوكسجين المنحل، كميات النترات والامونيا والفوسفات، وتشير الفحوصات المجهرية والزروعات الجرثومية لمياه العاصي الى أن وجود الطفيليات من نوع ” المايكر أورغانيزم”، وكذلك نوع “الاشريشيا” الناتجة عن مياه الصرف الصحي في الدرجة الاولى، ما أدى الى خلق مناخ مناسب لانتشار أمراض عديدة كالبلهارسيا والملاريا الكبدية.
وعلى الرغم من أن الدولة السورية، قد أصدرت القانون البيئي رقم /12/ لعام 2012 والذي يضمن عمل المنشآت الصناعية بشرط التزامها بعدم تلويث البيئة، ورغم إقامة محطات معالجة للمنشآت الصناعية، في سعيها لايجاد حل جذري للمشكلة، ما يزال العاصي ونواعيره، ومنذ ثلاثين عاماً يئن تحت وطأة التلوث البشري والصناعي.