الحلم الذي فُتن به الزعيم الصيني ماو تسي تونغ عام 1919، هو ذاته الكابوس الذي أزهق أرواحاً ودمر الحياة الزراعية وسط سوريا عام 2002، انها السدود، مشاريع ذات أهمية وقيمة عالية عند كل الشعوب التي عانت وتعاني كثيراً من اخطار الفيضانات، لكن قد تكون كلفتها مدمرة على الانسان والبيئة.
هندسة السدود
تتطلب عملية بناء السدود دراسة دقيقة لنوعية التربة، وتحديد مواصفات مواد البناء، وظروف وتقنيات استخدامها، حيث أن الخصائص الكيميائية للمياه (الملوحة) تؤدي الى تشققات في جسم السد، وقياس تجانس طبقات الأساس، كما يتطلب تصميما هندسيا يشمل حساب ميل جوانب جسم السد، اضافة الى حساب دقيق لإجهادات القوى المختلفة (ضغط الماء الهيدروستاتيكي، ضغط الأمواج الريحي، ضغط الرواسب النهرية المتوضعة أمام السد، قوة الهزة الأرضية، ضغط الماء الزلزالي وضغط التربة الزلزالي)، ويؤدي أي اختلال بسيط في احدى هذه القوى إلى انهيار اكبر السدود.
وتعتبر عملية إختيار موقع السد بمثابة الحجر الأساس لثباته وإستقراره، فيما يؤخذ بعين الاعتبار الوزن الذاتي للمنشآة وتجهيزاتها المختلفة، والاوزان الاضافية للمياه والمرافق التابعة للسد.
مأساة سد زيزون
ببلغ عدد السدود المنفذة في سوريا 156 سداً بين كبير ومتوسط وصغير، بتخزين اجمالي قدره 64.18 بليون متر مكعب. يخزن منها سد زيزون (سد ركامي) وحده 71 مليون متر مكعب من المياه، يستمدها من نهر العاصي ومياه الأمطار، وهو رابع أكبر سد في سوريا، ويبلغ ارتفاعه حوالي 32 مترا، وعرضه من الأعلى 6 أمتار ومن الاسفل مئتي متر. وكانت مياه السد تروي سهل الغاب الزراعي الكبير ذو التربة السوداء الخصبة.
في عام 2001 وجهت كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق خطاباً إلى وزارة الري السورية، جاء فيه تحذير من تشققات وتسربات كثيرة في جسم السد، والى إهمال واضح في الصيانة والرقابة، بيد أن الوزارة المعنية لم تعر اهتماما للخطاب، في حين عبّر بعض الأهالي عن تخوفهم من وجود تسربات في جسم السد ومن انسداد مصفاته بسبب تراكم الأوساخ بداخلها، إلا أن أحداً لم يكترث، الى أن حصل الانهيار في صيف عام 2002 فجأةً وبدون سابق إنذار، حيث تحولت تلك المنطقة إلى مستنقع، ثم إلى صحراء، والسد الذي كان يفترض أن يعمر قرنا من الزمن، ينهار في عامه الثالث، ليجرف خمس قرى هي مشيك وقستون والزيارة وقرقور، إضافة الى قرية زيزون، التي غُمرت كاملة بالمياه، ومتلفاً ما يزيد على 8000 هكتار من الأراضي المزروعة بالقمح، القطن، الشمندر السكري وكل أنواع الخضار، كذلك تسبب في نفوق 300 رأس من البقر و12 ألف رأس من الغنم وما يقارب 3000 خلية نحل، اضافة إلى تدمير المئات من مزارع السمك الاصطناعية.
لقد أضر انهيار السد بالخطة الزراعية في منطقة الغاب الخصبة، إذ تقلصت المساحات المزروعة بالمحاصيل الصيفية، واقتصرت الزراعات على القمح والشعير نتيجة لعدم توافر المصدر المائي الثابت، وانتشرت خلال الاعوام التالية امراض واوبئة نتيجة الحشرات التي وجدت مرتعاً خصباً لها في المستنقع الذي تكوّن نتيجة تدفق ما يقارب 70 مليون مترا مكعباً من مياه بحيرة “زيزون”.
اليوم، وبعد مضي خمسة عشر عاماً، تعمل الحكومة السورية على إعادة تأهيل سد زيزون، بكلفةٍ تتراوح بين 2 ـ 3 مليارات ليرة سورية. ونحن في greenarea.info نجد في خطوة الحكومة السورية تلك مناسبة للتذكير بأن كارثة بيئية انسانية قد حصلت نتيجة، لأخطاء بشرية يجب تداركها مستقبلاً، كي لا يتكرر كابوس “زيزون” المرعب.