مها جمول – الاخبار
من يأبه بالفعل لمسألة البيئة وأهميتها في حياة اللبنانيين في هذه الأيام؟ الكل منشغل بما ستؤول إليه الأمور بما يتعلق بقانون الانتخابات… أكثري، أقلي، نسبي، صوت واحد، على مرحلة أو على مرحلتين، على أساس طائفي، أو على أساس محافظة أو ربما على أساس حي… حتى أن القوانين التي جرت مناقشتها وتم رفضها تزيد عن الخمسين قانوناً.
لكن في الحقيقة ثمة أمور يجرى تسريبها في الخفاء! فموضوع المحارق لم يعد على بساط البحث والمناقشة، بل قد يكون قد سلك طريقه نحو الخطوات التنفيذية وذلك بالرغم من الملاحظات الموضوعية التي قدمتها وزارة البيئة بهذا الخصوص، فضلاً عن تلك التي قدمها باحثون وناشطون في هذا المجال.
ويبدو أن الطبقة السياسية في لبنان لا يهمها سوى مصالحها مباشرة: إذ من يسأل عن مصير عشرات الآلاف من الناس المقيمين في منطقة برج حمود ومحيطها من الذين سيتأثرون مباشرة من إقامة المحرقة؟ ومن يسأل عن الغازات السامة التي ستحملها الرياح السائدة في لبنان القادمة من الغرب المنبعثة من المداخن؟ ومن يسأل أين سيتم دفن الرماد السام؟ وللأسف فإن ذاكرة اللبنانيين قصيرة جداً لدرجة أنهم نسوا أمر النفايات السامة والمشعة التي جُلبت إلى لبنان ودفنت في شننعير ثم وجدت بقاياها في مكب برج حمود، وفي بعض تحاليل المياه الجوفية، لكن أحداً لم يجرؤ على رفع الصوت يومها.
في لبنان تبدو الأمور البيئية وكأنها تتجه نحو الأسوأ بخطى حثيثة، لكن المسؤولين في لبنان ليسوا وحدهم في وادي الانتخابات، بل إن الناس أيضاً في وديان متفرقة لا يجمعهم شيء تقريباً.
طبعاً، وإذا بدأنا بسرد الاختناقات البيئية التي حصلت في لبنان منذ الطائف فإننا لن ننتهي، لكن يكفينا التذكير بالمحطات التالية على سبيل المثال لا الحصر:
1. تم إحراق «محرقة العمروسية» بعد شبع الناس وعوداً بإمكانية إصلاحها.
2. لم تتوقف يوماً نسبة أمراض الربو والسرطان عن الارتفاع بصورة ملفتة في المناطق المحيطة بمعمل الذوق الحراري والأماكن السكنية المحيطة بمعامل الاسمنت في شكا وبمعمل سبلين للترابة، ولم يصل المواطنون القاطنون في جوار هذه المعامل إلى حلّ حقيقي حتى الآن، لا في المحاكم ولا في غيرها.
3. تم تركيب محرقة في ضهور الشوير وجرى الترويج للتوقعات الهائلة التي سوف تحصّلها، لكن المطلعين على واقع المحرقة عن كثب يعرفون أن نتائجها كانت كارثية.
وإذا أضفنا إلى ما سبق المعدلات العالية لتلوث مياه الأنهار والينابيع والمياه الجوفية التي يستخدمها أغلب الناس، والمعدلات العالية لنسبة المواد الثقيلة المتراكمة في الخضار المروية بمخلفات الصرف الصحي، والنسب الخيالية لتلوث الهواء في التجمعات المدينية الكبرى، والتدهور المتسارع في مساحة الغطاء النباتي، والتراجع الهائل في الثروة السمكية وتأثرها بالمكبات العشوائية التي باتت منتشرة كحبّات عقد متصل من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب… لأمكن القول إننا قريباً سوف نعاين ونشهد هجرة جديدة: هجرة لا ترتبط بالوضع الاقتصادي في البلد أو بالوضع الأمني فيه، بل هجرة على أساس تراجع مكونات الحياة الصحية والسليمة، بالإضافة إلى تراجع وضع البيئة عامة وأسس الحياة. وقريباً سوف لن يستفيد السياسيون من أي قانون انتخابي – مهما كان شكله – لأنهم لن يجدوا شعباً ليحكموه.