“بدل من السمك زبالة… هيدا اللي طلعلي لمن جيت شيل شباكي”، هذا ما قاله لـ greenarea.info الصياد عبدالله المقداد، وهذا ليس بغريب، وكان ضمن دائرة التوقع عندما تصدينا لمشاريع ردم البحر لصالح مطامر نفايات قبل إقرارها، وكنا نعلم أنها لن تكون أكثر من مكبات، إذ لا يصح تسميتها بـ “مطامر صحية”، ذلك أن “غلة” هذا الصياد وغيره من شتى أنواع النفايات القادمة من “الكوستابرافا”، تؤكد أن الشاطىء ملوث، والأمر لا يقتصر على البحر فحسب، ذلك أن كل أنواع النفايات تشكل خطرا حقيقيا على الصحة العامة، من خلال دخولها السلسلة الغذائية عبر الأسماك وثمار البحر، ناهيك عن تلوث الهواء والتربة وينابيع المياه، وتكاثر طيور النورس التي تهدد سلامة الطيران المدني في “مطار رفيق الحريري الدولي”.
مشكلة تراوح بين الفضيحة والكارثة، تبدأ من فساد الإدارة والمحسوبيات والتحاصص وصولا إلى مسرحية التلزيمات بفصولها الطويلة المملة، ولن تنتهي مع ما يُخطط له لجهة تمرير مشاريع المحارق، من بيروت إلى مختلف المناطق، وما وثقه greenarea.info وبعض وسائل الإعلام، يستدعي تحركا وخطة طوارئ، إلا أن أحدا لم يتحرك إلى حجم ومستوى مشكلة تلوث الشاطىء من خلدة إلى بيروت ومن خلدة إلى الدامور والناعمة والجية، وما يترتب عليها من نتائج تطاول موسم السياحة الصيفية الذي بات على الأبواب، وتستهدف صحة المواطنين، وتقضي على الأحياء البحرية وتؤثر على النظم الإيكولوجية المفترض أن تكون محمية من قبل الدولة.
المقداد: لوقف هذه الجريمة
وعرض الصياد المقداد لما واجهه في رحلة الصيد ليؤمن قوت أبنائه، ولما سيواجه غيره من الصيادين، فضلا عن مرتادي البحر وممارسي هواية الغوص والسباحة والباحثين عن فسحة هواء نقي وجمال يمتع الأنظار.
وقال: “أبحرت قبل يومين من منطقة الأوزاعي (جنوب بيروت) إلى خلدة، وعندما وصلت تفاجأت بالشاحنات محملة بالنفايات وتقوم برميها عند آخر الحاجز الترابي، وتأتي بعدها الجرافات لتقوم بعملية ردم البحر”.
وأضاف المقداد: “مع حركة الموج امتلأت شباكي بالنفايات المختلفة، وتمكنت من انتشال خمسة من أصل 15 من الشباك تقطعت معظمها، قمت بتصوير الفيديو نتيجة الصدمة والمعاناة التي طاولتنا كصيادين بسبب هذا المكب الذي قضى على أرزاقنا، لوث البحر وقتل السمك”، لافتاً إلى أن “كل ما أريده وأطالب به هو العمل السريع لوقف هذه الجريمة التي ترتكب بحق البحر والشعب اللبناني”.
سرور: سنتابع ونلاحق
وأكد المحامي عباس سرور لـ greenarea.info أن “هذه الصور هي لا تدل ولا ئؤكد سوى على ان الكوستابرافا جريمة بيئية ترتكب بحق لبنان واللبنانيين”.
وقال: “كما أننا لم نسكت على افتتاح الكوستابرافا مع إصرارنا على إقفاله، واستطعنا أن نربح دعوى أمام قاضي الامور المستعجلة تمثل بصدور الحكم بإقفال المطمر بعد حوالي الشهرين ونصف الشهر”، مؤكدا “اننا سنتابع ونلاحق كل من يتسبب بهذه الجرائم البيئية ولن نسكت عن كل ما يرتكب ويوثق من اعتداءات وتجاوزات في هذه القضية”.
إدريس: لا آذان صاغية
واعتبرت رئيس حملة الازرق الكبير عفت إدريس أن “هذه جريمة بيئية بحق المواطن وصحته، خصوصا وأن كل هذا البلاستيك الذي نراه في البحر ستأكله الاسماك ومن يعود ويصل إلى الانسان”، وقالت: “إنها جريمة بحق البحر والسياحة والاقتصاد، وهي خرق لكل القوانين والقيم والاخلاق والمعاهدات التي وقع عليها لبنان”.
وطالبت إدريس “بفتح تحقيق فوري لمحاسبة المتسبب والمتورط فيها من الوزير الذي اصدر قرار فتح المطمر والبلديات التي وافقت عليه، وكل من ساهم بهذه المجزرة البيئية”، وشددت أيضا على “وقف الاعمال في هذا المطمر ووقف المجزرة البيئية التي يتعرض لها وطننا، وقد رأينا سابقا وعرضنا للكوارث، منها برش (نثار) البلاستيك والنفايات المتنوعة الملقاة من المطمر وعند الشاطئ، وناشدنا الوزارات المعنية وطالبناها التدخل والحسم، ولكن يبدو ان لا آذان صاغية، وأن القتل أصبح متعمدا وهم يدمرون بيئة هذا الوطن بحرا وجوا ويابسة”.
باريش: تدمير للبيئة البحرية
وسط ما هو قائم، كان لا بد من الوقوف على رأي خبير الأحياء البحرية في الجامعة الاميركية في بيروت البروفسور ميشال باريش، فاعتبر أن “هذه المنطقة قد أعدمت بيئيا وبيولوجيا، بالرغم من وجود بعض الأحياء البحرية كالعوالق، إلا أنها اصبحت مقتولة ومدمرة من حيث الشكل ومن حيث الحياة فيها”.
وقال: “ما شهدناه هو ردم للبحر بكافة انواع النفايات منها العضوية التي تقتات عليها العوالق وتتكاثر في الربيع، بالاضافة إلى البلاستيك وقد اثبتت الدراسات انه يتجزأ إلى اقسام صغيرة، وقد برهن العلماء ان هذه الاقسام من البلاستيك دخلت في الدورة الغذائية للأحياء البحرية بحيث ان هذه العوالق الصغيرة تبتلعه، والأحياء الاكبر تبتلع العوالق والاكبر تبتلع الاحياء التي ابتلعت العوالق، وتستمر هذه التراتبية بغذاء الكائن من الاكبر للاصغر لتصل إلى الانسان الذي يأكل السمك الذي أصبح حاملا ومخزنا لسموم البلاستيك خلال مراحل نموه”.
وأضاف باريش: “هذا ليس كل شيء، هناك سموم البطاريات وإطارات السيارات والصرف الصحي الزيوت والمواد الكيميائية والنفايات الطبية، كل هذه السموم تحملها الاسماك والاصداف بشكل أكبر فيقتات عليها الانسان”.
وختم قائلا: “ان ما وصلنا له من تدمير للبيئة البحرية فاق حدود العقل والتصور، فالبحر اصبح ملوثا، وإن تحسن لونه في الصيف فهذا ليس دليل عافية أبدا”.