أفضى الفشل في معالجة مشكلة النفايات في العاصمة بيروت وضواحيها إلى تبلور أفكار ومبادرات خلاقة في مناطق لبنانية عدة، بدأت تؤسس لثقافة جديدة عنوانها الاستدامة، وسط هواجس من أن تواجه هذه المناطق والقرى النائية التجربة عينها التي شهدتها بيروت فضلا عن مناطق في جبل لبنان، والهدف ليس محاولة تفادي المشكلة فحسب، وإنما تطوير حلول قابلة للحياة، وتهدف لجعل المجتمع أكثر حفاظاً على البيئة.
وفي هذا السياق، إنطلقت في حاصبيا مبادرة نسائية تهدف إلى فرز النفايات في المنزل، تحوّلت إلى مشروع حقيقي ونموذجي بمساهمة البلدية ومنظمات محليّة ودوليّة، ما يؤكد أن هناك خيارات سليمة في إدارة ملف النفايات، في ما لو توافرت الإرادة لدى الجهات المعنية بهذا الملف، لتتلاقى مع جهود المجتمع الأهلي والسلطات المحلية، أي البلديات المفترض أن يكون لها الدور الأساس، ما يتطلب تحرير أموالها وإعطائها صلاحيات أكبر، في مقابل تشديد الرقابة المركزية.
بداية المشروع
تقول أميّة صيّاغة الصفدي، المسؤولة عن المشروع لـ greenarea.info أن “هذه المبادرة بدأت قبل أزمة النفايات في بيروت، وتحديدا منذ أربع سنوات، ما بين عامي 2012 و2013 حين أقام مؤسس ورئيس جمعية الأرض- لبنان بول أبي راشد ندوة في حاصبيا، برعاية إتحاد بلديات الحاصباني، تحدث فيها عن كيفية فرز النفايات في المنزل، وقد تبنت بعض النسوة المبادرة لتنفيذ المشروع” .
وأضافت: “إلاّ أن ظروفا عدّة، منها سياسية نتيجة غياب البلدية، حال دون إستكماله، إضافة إلى عدم تجاوب السكان في المرحلة الأولى، حيث لم يتجاوز عدد المنازل المشاركة، العشرين منزلاً آنذاك، مما أدى لتوّقف قسري للمشروع، فمع غياب البلدية السابقة واجهتنا العديد من المشاكل”.
وأشارت الصفدي إلى أنه “في العام 2016 نظم منتدى التنمية اللبناني بالتعاون مع مؤسسة فريدريتش إيبرت، ورشة عمل حول معالجة النفايات الصلبة في مرجعيون وحاصبيا، ما أعاد الأمل لجهة استكمال المشروع، خصوصا عند تشكيل البلدية الجديدة التي تجاوبت بشكل كبير”.
عملية سهلة وبسيطة
تهدف المبادرة إلى مساعدة ربات البيوت، في معرفة كيفية فرز النفايات، وبناء عليه تعطى كل سيّدة مشاركة صندوق مصنوعا من الكرتون، تقدمة من جمعية الأرض – لبنان، يوضح كيفية فرز كافة أنواع النفايات الصلبة.
وفي هذا السياق، تقول أم هيثم إحدى النساء المشاركات في هذا المشروع “نضع في الصندوق الورق والبلاستيك والمعلبات، ونتواصل عبر خدمة الواتساب لمعرفة اليوم المخصص لأخذ الصندوق، إذ أن كل يوم يخصص لجمعها من حي معيّن”.
أما عن عملية الفرز، فتؤكد أم هيثم “انها سهلة وبسيطة وغير مزعجة، خصوصا وأن المواد المفرزة لا تصدر عنها روائح كريهة حتى لو بقي الصندوق داخل المنزل”.
إقبال جيّد
لاقت هذه المبادرة، إهتمام العديد من فئات المجتمع، وحتى الآن أصبح عدد المنازل المشاركة حوالي المئة والعشرين وهم على زيادة.
وتضيف الصفدي “كذلك تجاوب العديد من المؤسسات والمدارس مع المشروع، وتم التواصل معنا من قبل البلديات الأخرى، ولكن لا يزال سكان بلدة حاصبيا الأكثر تجاوباً”.
وفي السياق عينه، توضح أم هيثم “أن معظم نساء الحي يعمدْن إلى فرز النفايات، وهناك العديد من المشاركات في الأحياء الأخرى”.
مساهمة من البلدية
وقد أبدت بلدية حاصبيا، منذ بداية تشكيلها إهتماماً بالمشاريع البيئية، وبناءً عليه تعاونت مع هذه المبادرة، وتوضح الصفدي “قدمت البلدية السيارة المخصصة لنقل النفايات المفرزة، حيث ترسل إلى معمل فرز في بلدة الخيام لتصنّف بشكل أدق”.
وفي هذا الإطار، توضح الصفدي أن “معمل فرز الخيام يستخدم بصورة مؤقتة إلى حين إنشاء معمل خاص، وهو المشروع الذي يعمل عليه إتحاد بلديات الحاصباني، بهدف تغطية كافة البلديات السبع التابعة له”.