يحد الانقلاب الحراري الليلي من انتشار الملوثات عمودياً خلال ساعات الصباح، ويمنع تبددها، فتظهر نتيجةً لذلك غيمة كبيرة من الدخان في سماء مدينة دمشق، قبل سطوع الشمس بقليل، وما تلك الغيمة الا نتيجةً لتراكم الملوثات في أجواء المدينة، كعنوانٍ لمكتوب يقول أن “المدينة تختنق”.
التوسع العمراني عدو للبيئة
عالمياً، يجب ألا تقل المساحة المشجرة عن 40 بالمئة من مساحة أي مدينة، في حين تقدر المساحات الإجمالية للحدائق في دمشق اليوم تقريباً بـ 7 بالمئة فقط من المساحة العامة للمدينة، فقد توسعت المدينة عمرانياً بشكل كبير خلال العقود القليلة الفائتة، إلا أن أحداً لم يدرس الخطورة التي ستنتج عن اختلال التوازن بين توزع المساحات الخضراء والمساحات الاسمنتية، فالتوسع يعني ايضاً ازديادا في عدد السكان، وبالتالي تزيد كميات الوقود المستهلك، سواء في وسائل النقل أو التدفئة المنزلية، ويزداد عدد المنشآت الصناعية، والتي تعد المنتج الرئيسي لملوثات الهواء، كأول أوكسيد الكربون CO، ثاني أوكسيد الكبريت SO2، وأكاسيد النتروجين NO وغيرها.
إضافة الى أن هذا التوسع العمراني المخيف، والذي يكاد يأتي على أي مساحة خضراء في محيط العاصمة، متسلقاً “بوقاحة” جبل قاسيون (عش الورور نموذجاً)، سينتج حتماً كميات هائلة من النفايات المنزلية والصناعية، الصلبة والسائلة، في وقت لا وجود لما يسمى مكبات للنفايات ذات معايير ومواصفات صديقة بيئية، وستطرح التجمعات السكنية العشوائية مئات آلاف الأمتار المكعبة من المياه المالحة، حيث لا توجد شبكة نظامية للصرف الصحي، ولا أحد يضبط السلامة البيئية.
لا هواء نقي في دمشق
كما يوجد توسع عمراني غير مدروس، غالباً ما تكون تأثيراته كارثية على البيئة، وهناك أيضاً توسع في أسطول النقل العام، وثمة من يستورد وسائل نقل تضر بالبيئة، حيث تم استيراد أعداد كبيرة من السيارات التي لا تراعي الشروط البيئية في صناعتها. وليس أسطول النقل الجماعي بقطاعيه العام والخاص، والذي يعمل على المازوت أقل ضرراً ، فهو بعيد كل البعد عن المعايير الفنية، واضافة الى وسائل النقل، هناك ملوث أخطر ولكنه خفي الى حد ما، حيث تنتشر في المدينة معامل لصهر الرصاص الناتج عن البطاريات المستعملة، تؤدي الانبعاثات الصادرة عنها إلى أضرار صحية خطيرة. كما تلعب كلٌّ من المعامل التي تفرز ابخرة وغازات سامة، وحركة البناء النشيطة جداً والاسلحة المستخدمة في الحرب الدائرة في البلاد، دوراً هاماً في اختناق البيئة في عاصمة الياسمين.
في حديث لـ greenarea.info يقول مهندس البيئة هاني أبو سمرة أنه “نتيجة لوجود العديد من مصادر التلوث في مدينة دمشق، حطمت المدينة المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية WOH والتي تتعلق بالغبار، فالحدود المسموح بها لدى المنظمة هي 90 ميكروغرام/م3، ولكن في ساحة باب توما، نجد أن هذا الرقم يرتفع الى حوالي /400/ميكروغرام/م3، أما غاز ثاني أوكسيد الكبريت المنبعث من وسائل النقل ومولدات الكهرباء التي تعمل على المازوت ذي النوعية السيئة والمحتوي على الكبريت (ثلث وسائط النقل في سوريا تعمل على المازوت)، فمعايير منظمة الصحة العالمية تقول أن الحدود المسموح بها هي /50/ ميكروغراماً/م3، في حين تصل في دمشق الى ما يقارب /95/ ميكروغراماً/م3”.
إن البحث في موضوع التلوث البيئي في دمشق أمر ملح، بل واجب على كل الجهات الحكومية، وهنا نتساءل عن الهدف من الغاء وزارة البيئة ودمجها مع وزارة الادارة المحلية، هل ستخدم هذه الخطوة البيئة في سوريا؟ وهل تخفف من التلوث في مدينة الياسمين وتعيد الخضرة الى اشجار غوطتها التي لم يبق منها سوى اسمها؟ أم أنها ستعيد النقاء الى مياه بردى، الذي جفت معظم آباره، ولوثت ينابيعه مجارير الملاهي والمطاعم، وسموم الدباغات ومعامل الرخام؟ لعل وعسى.