تعرضت العام الفائت معظم شواطىء مدينة طرطوس السورية، ولا سيما منطقة “عمريت” إلى هجوم كثيف ونشط شنته “قناديل البحر” بأحجامها المتوسطة، لتترك الحروق التي سببتها خوفاً عند الناس من العودة هذا الموسم للسباحة في بحر طرطوس، فما هو سبب هذا الهجوم؟ ولماذا تخرج تلك الكائنات من أعماق البحار حيث تعيش على عمق 3000 متر إلى شواطىء تعج بالناس؟
قنديل البحر أو كما يدعى بالإنكليزية “Jelly fish” من اقدم المخلوقات البحرية على كوكبنا، حيث يعود وجوده الى أكثر من 500 مليون سنة، له شكل هلامي غير متناسق، وتركيبه الفيزيولوجي بسيط جداً، فبالاضافة الى أنه لادموي (ليس عنده دم)، ليس عنده قلب، كما أنه بدون رأس أو جهاز هضمي طبيعي، وحتى ليس عنده اسنان، ولا حتى أعضاء تركيبية فهو من اللافقاريات، يتكون جسمه من ثلاث طبقات (يشكل الماء حوالي 95 بالمئة من تركيبها)، وتوجد فتحة واحدة في جسمه كله تستخدم للطعام والتغذية ويضع منها بيوضه.
يوجد حوالي مئتي نوع من قناديل البحر، سبعون منها سامة، فيكفي أن تحتك بجسم الإنسان، أو أي كائن حيّ، لتقذف فيه سموماً قادرة على قتله خلال ثلاث دقائق، ذلك لان هذه السموم تتجه الى القلب مباشرة. ويعتبر بألوانه المختلفة (الأبيض، الأحمر، الأخضر والأصفر) من الحيوانات التي تستطيع تجديد نفسها فهي عصية على الموت.
تتراوح اطوال القناديل بين 15 ميليمتر وثلاثة أمتار، ويعتبر من الوجبات الشهية جداً لدى سلاحف البحر، إلا ان غالبية القناديل تشبه أكياس النايلون الشفّافة، لذلك كثيراً ما تقع تلك السلاحف ضحية التهامها للأكياس، ظناً منها أنها قنديل بحري، وهو أحد الأسباب الرئيسية لنفوق آلاف السلاحف سنوياً.
وفي الوقت الذي تشير فيه تقارير الأمم المتحدة إلى أن الصيد الجائر للحيوانات البحرية المفترسة يساعد على تهيئة الظروف لتكاثر قناديل البحر، ما سبب زيادة مفاجأة في أعدادها، يرى علماء البحار أن ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات والبحار، بشكل ملحوظ، هو السبب الذي أدى الى تنشيط هجرة بعض الحيوانات البحرية، ومن ضمنها “قنديل البحر”، باتجاه الشواطىء.
المهندسة وفاء زيدان من مديرية سياحة طرطوس قالت لــ greenarea.info: “لقد هاجمت قناديل البحر الشاطىء في طرطوس العام الفائت فتسببت بعدة اصابات، بعضها كان خطيراً نوعاً ما، وقد تفادينا ذلك بتحديد المناطق التي تتواجد فيها قناديل البحر بكثافة، وذلك عبر وضع علامات ولوحات تشير الى قناديل البحر، ولكن القضية عالمية، فارتفاع درجة حرارة المحيطات أمر تعاني منه كل بحار الأرض وليس فقط سوريا”.
الدكتور وائل عبدالله الاخصائي بأمراض الجلد قال لــ greenarea.info: “تبدأ أعراض لسعة قنديل البحر بمجرد احتكاك أهدابه ومجساته بجسم الانسان، فيظهر مباشرةً طفح جلدى خفيف، ثم يزداد شدةً وحرقةً، يصاحب ذلك ألماً شديداً مع إنتشار بعض الانتفاخات على الجلد، ويستمر هذا الألم لمدة نصف ساعة، وأهم ما يجب القيام به في هذه الحالة هو عدم حك الجلد بتاتاً، وغسل المنطقة المصابة بماء البحر أو الخل، ريثما ينقل المريض الى المستشفى”.
أما عن الأعراض الأخرى، فيقول عبدلله: “قد تسبب بعض اللسعات القوية تقلصا في العضلات ومنها عضلة القلب، ولكن هذه حالات قليلة جداً”.
تشكل ظاهرة هجرة قناديل البحر، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتغير المناخي وارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات، قلقاً عند علماء المناخ، والناشطين البيئيين، وأكثر منهم السياح، فهي اضافة الى انها تشكل خطراً على صحة الانسان، فهي تهدد أيضاً العديد من أنواع السمك، والذي يحاذر الإقتراب منها وخصوصا تلك ذات الحجم الكبير.
فهل سيأتي يوم تصبح شواطىء المتوسط بلونها الزمردي الجميل مهجورة نتيجة للهجرة الكثيفة والمستمرة لتلك الكائنات؟ من يدري؟ ربما.