تتقاطع الحملة لحماية الطيور المهاجرة التي اطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مع المؤتمر الصحفي الذي سيعقده غداً وزير البيئة طارق الخطيب، للاعلان عن خطوات عملية فيما يتعلق بانفاذ قانون الصيد البري في لبنان، وتحديداً لجهة بدء النوادي المخولة اجراء امتحانات الصيد، بدعوة الصيادين للتقدم الى هذه الامتحانات، تمهيداً لحيازتهم على رخص صيد للمرة الأولى والتي هي واحدة من رزمة من الوثائق والمستندات المفترض توفرها لكي يكون اي صياد لبناني مؤهلاً للمارسة الصيد بشكل قانوني في حال قرر المجلس الاعلى للصيد افتتاح الموسم في 15 ايلول 2017.
وكان موقع greenarea.info من السباقين في دعوة الوزير الخطيب الى انجاز خطوة اساسية في هذا الملف، واعتبرت ان عمر الحكومة المفترض ان يكون قصيراً ربطاً بالاستحقاق الانتخابي يجعل الصيد البري الملف الوحيد الذي يمكن لوزير البيئة ان يترك فيه بصمات جدية، وذلك اذا احسن ادارة الملف، وعالج مكمن الخلل الكبير. (راجع https://greenarea.com.lb/ar/194907 ).

توسيع الضابطة العدلية
يكفي ان نشير الى امر بالغ الخطورة حدث قبل فترة، لنعرف ان موضوع انفاذ قانون الصيد البري ليس على جدول وزارة الداخلية والبلديات، وهي الجهة التي اوكل اليها بشكل شبه حصري، مسؤولية تطبيق القانون رقم 580 تاريخ 25/2/2004 (نظام الصيد البري في لبنان)، وهنا مكمل الخلل الاساسي الذي لا يمكن ان يعالج الا من خلال تعديل تشريعي يطال أكثر من عشرة مواد في القانون رقم المذكور، لن يستقيم قطاع الصيد البري دون تعديلها، ابرز هذه التعديلات تطال الضابطة العدلية لتشمل الشرطة البلدية، ومنع بيح لحوم الطيور البرية، وتضييق مساحة الاراضي المسموح الصيد فيها الى مناطق محددة ومراقبة من قبل البلديات.
في اواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وجه المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي ، اللواء ابراهيم بصبوص تعميماً إلى قادة الوحدات والمفتش العام ورئيس هيئة الأركان وأمين سر مجلس الأمن الداخلي المركزي ورئيس شعبة المعلومات ورئيس غرفة عمليات قوى الأمن الداخلي، يشدّد فيه على تطبيق أحكام التعاميم الصادرة عن السلطات ذات الصلاحية في ما يتعلق بمنع الصيد البري في جميع المناطق اللبنانية، بعدما تبين وجود تراخ وعدم جدية في تنفيذ هذه الأوامر.
وكلّف بصبوص، بموجب التعميم، شعبة المعلومات ومفارز الاستقصاء بمراقبة مدى تنفيذ كافة الضباط والرتباء والأفراد لهذا الأمر والتزام كافة القطعات المعنية بضبط المخالفات. لم يصمد هذا التعميم أكثر من اسبوعاً واحداً ، اذ سارعت العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي الى الاعلان بعد فترة وجيزة، ان اللواء بصبوص الغى تعميمه حول التشدد في احكام منع الصيد.
ما هو الدرس الذي يجب ان نتعلمه من هذه الحادثة؟ ببساطة ان مسألة انفاذ قانون الصيد البري سواء فتحت وزارة البيئة موسوم الصيد أو اغلقته، وسواء سمحت البلديات في الصيد ضمن نطاقها، او منعته مولج أولاً واخيراً قرار تنفيذه بالقوى الأمنية، وهي حتى اللحظة غير معنية وغير جدية وبالاحرى غير قادرة على تنفيذ هذا القانون، ولذلك فان اي خطوة تتعلق بفتح موسوم الصيد، دون تعديل في الضابطة العدلية المولجة تنفيذه لتشمل الشرطة البلدية، سيعمم الفوضى ويشرعها، وسيكون كفيلاً باستمرار حملة ابادة الطيور في لبنان.
يشير تقرير منظمة Birdlife الدولية الى حقائق مقلقة حول العدد الهائل من الطيور التي يتم قتلها من خلال الصيد العشوائي وغير الشرعي وغير المنظم، ويقول التقرير ان هناك عشرة دول سجلت النسب الاعلى من قتل الطيور، بينها لبنان حيث يقتل سنوياً ما يزيد عن 2.6 مليون طائر. ويشير التقرير إلى أن حوالي 248 طائر في الكيلومتر المربع يقتل سنوياً في لبنان، وهناك 327 نوعا من انواع الطيور المقيمة والمهاجرة في لبنان، 59 بالمئة من انواع هذه الطيور يتعرض لجميع انواع الصيد الجائر.

امتحانات الصيد … النوادي غير كافية
بموجب قرار وزير البيئة رقم 197/1 الصادر بتاريخ 3 تشرين الأول 2012 اعتمد فقط ستة نوادي لاجراء الامتحان الذي يخضع له لزاماً كل طالب رخصة صيد للمرة الأولى وهي: نادي الصفرا للرماية والصيد (الصفرا -كسروان)، نادي طوني وزان للرماية (فتقا -كسروان)، نادي ليبانون كانتري كلوب (عيتات -عاليه)، نادي الرماية اللبناني (حزرتا- زحلة) ، نادي البقاع للرماية والصيد (الدلهمية – زحلة)، نادي الصخور(ذوق الخراب – المتن). يلاحظ ان هذه النوادي متمركز في غالبيتها في جبل لبنان والبقاع، في حين يغيب الجنوب والشمال. ويمكن لنا ان نتخيل مشهد الصيادين الذي سيتقدمون الى الامتحانات في هذه النوادي والذين سيقفون في طوابير طويلة لاجراء الامتحانات الخطية والعملية، تشبه طوابير المعاينة الميكانيكية الإلزامية. اما لماذا لم يتشجع نوادي أخرى لتقديم طلبات اعتماد؟ ببساطة لان اياً من نوادي الرامية لم يكن مقتنعاً ان الامتحانات ستحصل، والسؤال الأهم هل وضعت الدوائر المختصة في وزارة البيئة تقريراً حول القدرة اللوجستية لهذه النوادي فيما لو قرر مئة الف صياد التقدم للامتحانات قبل حلول الموسوم في ١٥ ايلول؟ وأي كارثة ستحصل !
الامر نفسه ينطبق على شركات التأمين، التي ماطلت طويلاً في قبول أو رفض موضوع البولصية ضد حوادث الصيد، اذ ينص ينص القانون رقم 580 لا سيما المادة السادسة منه بانه على كل من يرغب الاستحصال على رخصة صيد من وزارة البيئة أن يرفق طلبه ببوليصة تأمين ضد الأخطار التي قد تلحق بالغير من جراء ممارسة الصيد البري، صادرة عن إحدى شركات الضمان المرخص لها بممارسة عمليات ضمان الفرع الرابع في لبنان.
تلزم الشركة الضامنة بتغطية المسؤولية المدنية التي قد تترتب على الصياد المضمون بفعل الأضرار الجسدية والمادية التي قد تلحق بالغير والناتجة حصراً جراء ممارسة الصيد البري في أماكن ومواسم وأوقات الصيد المسموح بها ومن خلال استعمال سلاح صيد مرخص.
وبتاريخ 24 أيار 2014 صدر المرسوم رقم 11987 الذي ينظم عقد الضمان ضد الأخطار التي قد تلحق بالغير من جراء ممارسة الصيد البري، لكن حتى اللحظة لم تبادر اي شركة تأمين الى اصدار هذه البولصية، وهذا الامر يستدعي تحركاً وتنسيقاً جدياً بين وزارتي البيئة والاقتصاد بالتعاون مع اتحاد شركات الضمان، وهو أمر لم يحصل رغم مرور ثلاث سنوات على صدور المرسوم.

الحل بمناطق للصيد المسؤول
يتوجب على جميع السلطات المعنية بانفاذ قانون الصيد، ان تعترف ان القوى الامنية اللبنانية في وزارة الداخلية، وحراس الغابات في وزارة الزراعة، لن يستطيعوا تغطية جميع المناطق اللبنانية للتأكد من حسن انفاذ قانون الصيد، خصوصاً لجهة ضبط اعداد الطرائد المسموح بصيدها في كل رحلة، والتأكد من أنها لا تخالف قائمة الطرائد المسموح بصيدها.
ما الحل اذا؟ وفقاً لتعريف “الاستخدام المستدام” الوارد في المادة الثانية من معاهدة التنوع البيولوجي، يعرف الصيد المسؤول والمستدام بانه استخدام لأنواع الحيوانات البرية والطيور وموائلها بطريقة مستدامة وبمعدل لا يؤدي إلى انخفاض التنوع الحيوي على المدى الطويل، وبالتالي المحافظة على ابقاء قدرتها لتقابل احتياجات وطموحات الأجيال الحالية والقادمة، فضلاً عن الحفاظ على الصيد نفسه كنشاط مقبول اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً.
وللمساهمة في حسن تنظيم الصيد البري في لبنان، تم اقتراح فكرة الصيد المسؤول، من قبل عدد من الجمعيات المعنية بتنظيم الصيد، في مناطق محددة للصيد هي “مناطق الصيد المسؤول”. تدار هذه المناطق عن طريق ايجاد التوازن بين احتياجات الطيور وحاجات الإنسان باستخدام أفضل للعلوم حيث مساحة المكان تؤمن السلامة والصيد ضمن إطار قدرة تحمل المكان ووجود أكبر عدد من أنواع طرائد الصيد.
وبذلك تكون مناطق الصيد المسؤول هي مناطق يمارس فيها الصيد كل شخص حاصل على رخصة صيد من المراجع المختصة، ويحترم فيها الصياد قانون الصيد وقراراته التطبيقية، ويلتزم فيه قرارات وزارة البيئة المتعلقة بالصيد البري وأوقات صيده وأنواع طرائده. وهي مناطق تدار وتراقب لأهداف الحماية واستدامة الإستخدام، وتعتمد في إنشائها شروطاً ومعايير محددة مبنية على أسس علمية.
وبحسب دراسة اجرتها جامعة البلمند لصالح جمعية حماية الطبيعة في لبنان، فان المناطق المرشحة لتدخل في عداد “مناطق الصيد المسؤول” هي: عنجر – قضاء زحلة،الشربين – قضاء الهرمل، الرويمة وأكروم – قضاء عكار، منجز – قضاء عكار،القرعون – قضاء البقاع الغربي، قيتولي وروم – قضاء جزين، عندقت – قضاء عكار، والفاكهة – قضاء بعلبك. هل تتبنى وزارة البيئة خيار مناطق محددة للصيد المسؤول بدل القانون الحالي غير القابل للتطبيق، والذي يسمح بالصيد في جميع الاراضي اللبنانية؟ هذا ما يفترض ان يكون معني بالاجابة عليه الوزير طارق الخطيب.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This