فرضت القهوة العربية حضورها منذ القرن الخامس عشر في مناطق الإمبراطورية العثمانية، ولما تزل حاضرة في سائر أنحاء العالم، بعد أن غزت حضارات شعوب عديدة، وباتت بعضا من تراثها وثقافتها، فضلا عن أنها تمثل قيمة وأهمية على مستوى اقتصادات بعض الدول، خصوصا تلك التي اعتمدت زراعتها في مراحل مختلفة من القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ولا سيما في أفريقيا وأميركا الجنوبية.

لقد عرف العرب القهوة منذ القدم، وليس ثمة تاريخ محدد في هذا المجال، إلا أن ما هو ثابت أن القهوة انتقلت من اليمن إلى أنحاء الجزيرة العربية، وفي القرن الخامس عشر، في عهد السلطان سليمان القانوني، وصلت القهوة إلى تركيا ومن هناك أخذت طريقها إلى البندقية (إيطاليا) في العام 1645، ومنها إلى إنكلترا في العام 1650 عن طريق تركي يدعى باسكا روسي الذي فتح أول محل قهوة في “شارع لومبارد” في مدينة لندن، بحسب “وايكيبيديا”، واتخذت أسماء عدة بحسب الدول التي انتشرت فيها، ومنها: القهوة التركية والقهوة الإيطالية …الخ.

 

شرب البنَّ وألقى هواه

 

وزينت القهوة الثقافة العربية، شعرا وأدبا، وثمة من يؤكد أن العرب قديما كانوا يقولون “شرب البن”، وليس من يعلم كيف اشتق اسم “قهوة” بالرغم من أن هناك تفسيرات عدة، ومن بينها أن العرب كانوا يحتسون القهوة للتخلص من أعباء الحياة، وأخذ قسط من الراحة، حتى أن من اشتد بهم العشق كانوا يحتسونها لهذا السبب، وساد قول في عصر ما قبل الاسلام “شرب البنَّ وألقى هواه”، أي أنه ألقى عذاب الحب الذي تملك به، وعلى مر الزمن، تحولت “ألقى هواه” إلى القهوة.

وبغض النظر عن تسمية القهوة، فإن الطبيب العربي أبو بكر الرازي كان أول مَن ذكر البن في كتابه الشهير “الحاوي”، وفي كتابه “القانون في الطّب” يذكر ابن سينا الذّي عاش في القرن الحادي عشر، البن في لائحة أدويةٍ تضم 760 دواء.

 

الخريطة الجينية للقهوة العربية

 

وللقهوة عادات وتقاليد وطقوس كثيرة تختلف من بلد لآخر، لكن ما يهمنا في هذا المجال، هو أن عددا من الباحثين قرروا رسم الخريطة الجينية للقهوة العربية، في محاولة لمعرفة أسرار مذاقها المميز، وتاليا، حمايتها من الأمراض وتأثيرات تغير المناخ.

فعلى الرغم من أنها أحد أهم السلع الزراعية في العالم، لا يعرف العلماء إلا القليل عن أسرار فنجان القهوة العربية.

وبحسب أستاذ علم الوراثة الحيوانية في جامعة كاليفورنيا خوان ميدرانو “عندما بدأنا في إجراء أبحاث على البن أدركنا أنه لا يحظى بأي اهتمام، لم تجر أبحاث تذكر لتطبيق تكنولوجيا الهندسة الوراثية لتحسين محصول البن”.

ورسم علماء من كاليفورنيا الخريطة الجينية للبن العربي وهي النوع التي يمثل 70 بالمئة من الاستهلاك العالمي، بحسب “رويترز”.

 

الحمض النووي كتاب الحياة

 

وتتقصى الدراسة المعرفة التي من شأنها أن تساعد في حماية محصول البن من تأثيرات تغير المناخ والأمراض.

وأوضح ميدرانو أن “الحمض النووي DNA هو كتاب الحياة، فإذا استطعنا فهم الجينات المرتبطة بالسمات المختلفة وبالإنتاج وبالنوعية والتكيف (مع ظروف المناخ) فإن ذلك قيمة مضافة لمعارفنا”.

ويعتبر فك شفرة الخريطة الجينية للبن أكثر أهمية بالنسبة للمزارعين في المناطق المدارية التي تشكل فيها الأمراض والآفات خطرا كبيرا. ويقول العلماء أنه بقدر ما نعرف أكثر عن الصفات الوراثية للبن بقدر ما تكون لدينا فرصة أفضل لحمايته من تغير المناخ والأمراض بما يعني استمتاعنا بكوب مثالي من القهوة لأعوام كثيرة مقبلة.

وكان كما توقع “معهد المناخ” بأن ارتفاع درجات الحرارة سوف يؤدي إلى تدمير الأراضي المستخدمة في زراعة البن، مما سيجعلها غير صالحة تماماً لإنتاج المحصول.

 

أكثر من ملياري فنجان قهوة يوميا

 

وأكد التقرير أن ارتفاع درجة الحرارة يزيد من مستويات انتشار الآفات والفطريات، وبالتالي ستتوقف الأراضي عن إنتاج القهوة عام 2050، وستختفي أنواع بعينها من القهوة بحلول عام 2080.

لكن يبقى سؤال: هل تبوح القهوة العربية بكامل أسرارها للعلماء؟ خصوصا إذا علمنا أن القهوة تتكون من أكثر من 1800 مركب كيمائي، وتعتبر من من أكثر المشروبات استهلاكا في العالم، إذ تشير تقديرات إلى أن عدد فناجين القهوة المستهلكة في شتى أرجاء العالم يصل إلى أكثر من ملياري فنجان يوميا.

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This