في غمرة القضايا البيئية العالقة، واتساع دائرة استهداف معالمنا الطبيعية والجمالية، يبقى الهمُّ منصباً على النتائج البيئية الكارثية لمشاريع مقترحة، وننسى أمراً لا يقل أهمية، خصوصا ذاك المرتبط بإرثنا الثقافي والحضاري، فالسدود المزمع إنشاؤها وتلك التي بوشر بتنفيذها، لا تهدد النظم الإيكولوجية فحسب، وإنما تهدد إرثا يعتبر جزءاً مهما من الذاكرة الوطنية والإنسانية، لا سيما في “سد جنة” في نهر ابراهيم، أو “النهر المقدس” والمخضب بدماء أدونيس بحسب الميثولوجيا القديمة، ومغارة أفقا التي تشرف على هيكل عشتروت، ربة الحب والجمال، ومنها يتدفق شلال من فضة الى الوادي، بين الربى الخضراء، في ظلال الصنوبر والشربين والدلب والصفصاف، الى الجسر الروماني وقناطر زبيدة، وصولا الى البحر.

أما في سد بسري، فالأمر عينه، فهذه المنطقة تمثل قيمة إنسانية وتاريخية لأبناء القرى والبلدات المحيطة، من تخوم الشوف إلى جزين والجنوب، وتمثل أيضاً إرثا ثقافيا مهددا بأن يقضمه السد، وتطمره الردميات، وهو يفوق بأهميته أي منشأة يمكن أن تقوم على أنقاضه، فهذا الإرث قابل ليكون وجهة سياحية ومحجة للبنانيين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم، مع وجود كنيسة جمعت المؤمنين على مختلف معتقداتهم، وما تزال تعتبر مزارا يؤمه أبناء المنطقة، فضلا عن آثار ترقى لحقبات تاريخية عدة، فينيقية ورومانية وبيزنطية، دون أن ننسى معالمها الطبيعية وهي إرث جمالي لكل اللبنانيين، ومن المفترض أن تكون حاضرة على خارطة السياحة اللبنانية، بدلاً من طمرها وغمرها بمياه بحيرة لن يكون مصيرها أفضل من بحيرة القرعون.

 

مجزرة بيئية

 

وفي هذا المجال، روى لـ greenarea.info ابن بلدة بسابا في قضاء الشوف عامر مشموشي عن هذه المنطقة، مطلقاً صرخة من أجل حماية الإرث التاريخي لمنطقة بسري وجوارها.

وأشار بدايةً إلى “وجود كنيسة تاريخية لراهب يدعى موسى، حضر الى المنطقة وبنى كنيسة بالقرب من دير القديسة صوفيا، كان يجمع اهالي المنطقة من كل الأديان ليتعبدوا ويصلوا معه في كنيسته بالقرب من الدير”. وقال: “بعد موت الراهب موسى أصبح المكان مزارا لجميع الاهالي الذين ما زالوا إلى يومنا هذا يجتمعون فيه كل آخر يوم من شهر أيار (مايو)، متحدين من كل الاديان التي ينتمي اليها سكان المنطقة على الصلاه لله، واليوم جاء مشروع السد الذي نرفضه ليكون حاجزا أمام عيد كنيسة مار موسى، وليحرمنا من موقع محبب الى قلوبنا، خصوصا بعدما توافد بعض رجال الدين الى المنطقة لدراسة نقل الكنيسة بسبب إنشاء السد”.

ورأى مشموشي أن “ما يخطط له هو مجزرة بيئية بكل المقاييس”، لافتاً إلى أن “مشروع سد بسري سيكون مدمرا إذ لن يكون في مقدورنا التواصل الذي اثمر تقاربا بين عائلات وأديان وتكلل بالزواج بين من ينتمون لأديان مختلفة، وسيحرمنا من عادة مقدسة توارثناها من أجدادنا ونورثها الى اولادنا بالاحتفال بعيد مار موسى”، وقال: “هذا المكان له رمزيته وقداسته، وهو راسخ في ذاكرتنا فبأي حق ينقل؟ وكيف نقبل ان يفرق سد نجس أعياد تواصلنا؟”.

الإله أشمون

 

وتابع: “هذا بالاضافة الى ان سد بسري سيقضي على معالم اثرية وتاريخية في هذه المنطقة، وهذه الآثار تعود تاريخيا الى الفترة النيوليتيكية والكالكوليتيكية والفينيقية والرومانية وصولا الى الحقبة العثمانية، أهمها الكنيسة والمعبد الروماني القائم على معبد فينيقي، من المرجح ان يكون بني للإله أشمون”.

ولفت إلى ان “السهل في منطقة بسري هو مكمل لما هو معروف بوادي أشمون المصنف بيئيا وتراثيا وأثريا، إضافة إلى الجسر العثماني، ومطحنة في خربة بسري ومدافن من حقبات مختلفة”.

وأشار إلى أن “هذه المواقع الاثرية لم تنجز الحفريات الاثرية فيها، ومن المؤكد ايضا ان هناك آثارا اخرى طمرت اثر تحرك فالق روم وغيره والارتجاجات الارضية فيها، كما ان النهر جرف قسما منها”.

 

بحيرة ملوثة بين قرانا

 

وقال مشموشي: “إن انشاء سد بسري دون دراسات مسبقة هو جريمة بيئية بامتياز، فإن انشاءه في سهل خصيب سيؤدي الى طمر ستة ملايين متر مربع من الاراضي الزراعية، بالاضافة الى انه سيتم قطع ملايين من الاشجار المعمرة من غابات صنوبر وغيرها، فضلا عن أنه سيقضي على اعشاب نادرة ومهمة، وعلى فرص العمل والمردود المادي الذي يزيد عن مئة وخمسين مليون دولار لكل موسم، وبالتالي سيقضي على البيئة المحيطة، وسيقتل المواطنين في قراهم أو يهجرهم الى مناطق اخرى لتأمين متطلبات حياتهم اليومية”.

وأشار إلى أن “المشروع سيجعل من بحيرة بسري بحيرة ملوثة بمياهها، بالاضافة إلى أنه سيغير من طبيعة المناخ المحيط للسد، ويحوله الى رطب يجلب الروائح الكريهة مع شح الماء صيفا، بالاضافة للحشرات من بعوض وغيرها والامراض والبكتيريا التي ستؤدي الى تلوث البحيرة كما شهدنا في القرعون”.

وختم قوله: لذلك نناشد رئيس الجمهورية والرؤساء والوزراء والنواب وخصوصا النائب وليد جنبلاط الذي يعرف هذا السهل جيدا، ونطالبهم بإيقاف سد بسري، لأننا لا نريد بحيرة ملوثة بين قرانا، ﻻ نريد طمر سهولنا وﻻ نريد تهجيرنا، واقامة هذا السد الذي لا جدوى منه جريمة بحقنا وبحق هذا الوطن”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This