تُعالج مدينة طرطوس نفاياتها الصلبة بطريقة فنية متطورة، بعيدة كل البُعد عن المحارق (ينجم عنها تلوث كيميائي يتمثل في انبعاث غازات سامة CH4 وCO2 التي تشكل أمطارا حامضية مدمرة للبيئة)، أو المطامر، والمقالب المفتوحة (بيئة مثالية لنمو الحشرات والقوارض)، وغيرها من الطرق التقليدية.
فماهي النفايات الصلبة؟ وماذا عن التجربة الرائدة لمحافظة طرطوس في هذا المجال؟
تُعرف النفايات الصلبة على أنها مخلفّات صلبة وشبه صلبة تنتج عن مختلف النشاطات البشرية، الصناعية، الزراعية والمنزلية، وتتكون من: المواد البلاستيكية (ملونة وشفافة)، الأوراق، الزجاج، الأخشاب، الأقمشة، المخلفات المعدنية وفضلات الطعام …إلخ.
وتعد النفايات الصلبة الصناعية من أخطر الأنواع، لأنّها تحتوي على مواد سامة وخطيرة، مثل البطاريات. فيما تضر النفايات الصلبة الزراعية بالوسط البيئي (معظمها سام)، غير أن نفايات المنازل تعتبر صديقة للبيئة، لانها تقوم بعملية التنقية الذاتية بواسطة البكتيريا الموجودة فيها والتي تقوم بتحليلها لتعيدها الى مادتها الأولية.
تنتج محافظة طرطوس من النفايات المنزلية الصلبة ما يقارب 250 طن يومياً، أنشئ لمعالجتها مركز متطور بالتعاون مع شركة “انتاج” المصرية، وكان لديها طموح في إغلاق جميع المكبات العشوائية وعددها نحو 62 مكبا إنتشرت في بقاع المحافظة وأريافها.
حول هذه التجربة تحدث لـ greenarea.info المهندس وسام عيسى مدير إدارة النفايات الصلبة في محافظة طرطوس قائلاً: “بعد تحديد مكان في (منطقة وادي الهدة) مناسب لانشاء المركز المتكامل لمعالجة النفايات الصلبة، والذي تم فيه مراعاة أن يكون بعيداً عن مناطق السكن، مصادر مياه الشرب والينابيع، وأن لا يلوث المياه الجوفية”.
وفي شهر آذار (مارس) عام 2014، وضع المركز قيد التشغيل التجريبي، بطاقة لا تتجاوز الـ 100 طن يومياً، حيث لم يكن الانشاء قد انتهى تماماً بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت على سوريا، والتي حالت دون استكمال تركيب التجهيزات الميكانيكية والكهربائية كلها دفعة واحدة (معظمها أميركية وبلجيكية الصنع)، ولم يتم تجهيز المركز حتى شهر شباط (فبراير) 2017 (أي منذ شهرين)، عندها بدأ المركز يعمل بطاقته التصميمية القصوى والتي تبلغ /630/ طن/يوم، وتتبع للمركز تسع محطات لنقل النفايات، موزعة على المناطق والارياف، تقوم سياراتها يومياً بنقل ما يقارب /250/ طن يومياً الى المركز الذي يعمل على ثلاثة خطوط انتاج، وهي:
1-الفرز الميكانيكي واليدوي: يتم فيه فرز الالمينوم – الحديد – الكرتون – البلاستيك (ملون وشفاف) يدوياً، دون إصدار أي شكل من أشكال التلوث البيئي، حتى دون أدنى ضجيج، وبعد عملية الفر ،تقوم الآلات بكبس كل صنف على حدة في بالات، تباع الى المصانع ليعاد تصنيعها مجدداً.
2-انتاج السماد: يوجد في المركز ساحات إنضاج خاصة، تجرى فيها عمليات ترطيب وتخمير المواد العضوية، الناتجة عن فرز النفايات لمدة ستين يوماً، لتتحول في النهاية الى مادة التورب (سماد عضوي ذو نوعية جيدة).
3-مطمر سطحي: يستخدم لتجميع النفايات قبل فرزها، وتجميع البالات المرصوصة بعد الفرز.
أما النفايات الصلبة التي لا تصنف ضمن ما سبق ذكره، فتسمى “مرفوضات”، وهي عادةً تشكل حوالي 30 بالمئة من النفايات الصلبة التي ترد للمركز، ويجري العمل على تدوير هذه المرفوضات، لانتاج مادة RDF التي تسخدم كوقود بديل في معامل الاسمنت، ويقول عيسى “نحد بذلك من تلوث البيئة، ونوفر على الدولة شراء (الفيول) اللازم للحراقات وأفران الكلنكر، علماً أن دولاً كثيرة قد سبقتنا الى استخدامه كوقود بديل، كالنروج ومصر، أضف الى ذلك أنه لدينا آلة لتفتيت اغصان الاشجار الناتجة عن التقليم والذي تنتج منه ارياف طرطوس آلاف الاطنان، نقوم بتحويله الى مادة اولية صالحة لصناعة الورق”.
ويضيف عيسى: “اليوم نستطيع القول أن المركز يمكنه حالياً استقبال كامل نفايات المحافظة، علماً أن كمية النفايات قد ازدادت بنسبة 50 بالمئة نتيجة النزوح الكثيف لسكان المناطق المنكوبة بالحرب، كما ساعد انشاء المركز على اغلاق مطامر عديدة أهمها (مطمر حصين البحر، مطمر دريكيش ومطمر طرطوس)، وما زال العمل جارياً للانتهاء من كافة المكبات العشوائية على مساحة المحافظة أهمها: مكب الدريكيش- مكب طرطوس- مكب الشيخ بدر – مكب بعشتر)، كما أننا بصدد إجراء دراسة علمية لإعادة تأهيل تلك المكبات واحدا تلو الاخر، بالتعاون مع خبراء البيئة في جامعة تشرين”.
تشغل قضية معالجة النفايات بال الكثير من حكومات بلدان العالم الثالث، (لبنان مثالاً)، وترصد ميزانيات كبيرة وترسم خطط للخروج من مصيدة المحارق والمطامر، كل ذلك بهدف الوصول الى بيئة نظيفة، ولم تفلح الكثير منها بتحقيق هذا الهدف، لذلك تعتبر تجربة محافظة طرطوس من التجارب الرائدة كونها تحاكي أسلوب تعامل الدول المتقدمة مع النفايات الصلبة.
