يعتمد الناس بشكل كبير على الأبقار كمصدر اساسي للالبان والحليب والاجبان وكافة مشتقاتها الغنية بالبروتيين والكالسيوم والضرورية في نظام الغذاء الخاص بكل فرد، الا انه في الآونة الاخيرة، وفي ظل اكتشافات متعددة ونتائج ايجابية لنوع آخر من الحليب، فضلاً عن الابتعاد عن امراض تصيب البقر وقد تنتقل الى الانسان، صوّب الخبراء سهام ابحاثهم نحو مصدر آخر يحمل في مكوناته نفس القيمة الغذائية المتوافرة في حليب البقر او ربما أكثر.
وفي العام 1962، خدّر الباحثون زرافة بغية حلبها ودراسة محتويات حليبها، فاكتشفوا احتواءه على 12.5 بالمئة من الدهون، مقارنة بـ 3.5 بالمئة في حليب البقر كامل الدسم. فضلاً عن كميات مماثلة من الريبوفلافين والثيامين وفيتامين “بي 6” لتلك الموجودة في حليب البقر، بينما ترتفع فيه نسب فيتامينات “بي 12″ و”أي”. فيكون بذلك حليب الزرافة مشبعاً بالدهون أكثر بأربع مرات من حليب البقر كامل الدسم ، وبـ 12 مرة أكثر من قليل الدسم.
وردت نتائج الدراسة في تقرير اشارت اليه صحيفة “مترو” metro البريطانية، معلنة ان حليب الزرافة ربما سيكون “الغذاء الخارق” الجديد للعام 2017.
رغم الدسامة التي يتمتع بها حليب الزرافة، الا ان دراسة تابعت 3333 شخصاً على مدى عقدين من الزمن، نشرتها جامعة “تافتس” عام 2016، توصّلت الى ان الاشخاص الذين يستهلكون منتجات البان مشبّعة بالدهون خفّت نسبة اصابتهم بالسكري عن الذين يعتمدون نظاماً أقل دسامة بنسبة 46 بالمئة.
نظراً لتلك المميزات، أسف الباحثون لعدم انحياز التجار للتعامل مع حليب الزرافة كتجارة يمكن ان تدرّ المال لهم والصحة للمواطنين. الامر بديهي بنظرهم مرتبط بالتكلفة من جهة والكفاءة العلمية من جهة أخرى، فضلاً عن وسائل الحلب المتوفّرة.
استطراداً، يشير التقرير الى ان الناس اعتادوا على استهلاك حليب البقر وتلذذوا بطعمه، فمن البديهي ان لا يستهويهم اي حليب جديد بطعم مغاير حتى لو كان أكثر صحة.
فحليب أسد البحر خالٍ من اللاكتوز ويحتوي على نسبة 40 بالمئة من الدهون، ويقال أن حليب الدلفين يحتوي على خواص زيوت سمكية. في المقابل دعا الباحثون الى ضرورة توسيع مصادر انواع الحليب المستهلكة، الا ان القيود المفروضة على الانتاج هي التي تحد من استهلاك الانسان لانواع دون اخرى.
ربما تكون الدول الكبرى قد سبقت العالم في هذا المجال، ففي المملكة المتحدة، هناك سوق لحليب الماعز وآخر صغير لحليب الجاموس. كذلك الامر بالنسبة الى حليب الابل الذي تحدث التقرير عن انتشاره في الشرق الاوسط، فضلاً عن حليب الياك (حيوان يشبه الثور ولكنه اكبر بالحجم) المنتشر في آسيا الوسطى كالصين، الهند ومنغوليا والنيبال والتيبت، واخيراً حليب الجاموس في جنوب آسيا وايطاليا.
الا أن هذه التجارة تبقى خجولة امام سهولة الامر بالنسبة الى الابقار، لان الاحتفاظ بها أسهل من غيرها، فضلاً عن العناية بها وطريقة حلبها، فالثدييات الاخرى كالاغنام والماعز، قد تنتج ما يكفي من الحليب الا ان الاحتفاظ بها يتطلب مساحة أكبر للرعي. أما الجمال فطريقة حلبها دقيقة جداً لانها لا تحبّذ ان يتم لمسها، كما انها تتطلب الكثير من الجهد وآلات حلب شامل، الامر الذي يجعل الإنتاج الضخم غير عملي.
لا يختلف وضع تلك الحيوانات عن الزرافة، فهي الاخرى لا يمكن حلبها بشكل سريع الا عندما تكون مخدّرة وتحت اشراف مختصّين، وبالتالي رغم ان حليبها يمكن ان يشكّل “الغذاء الخارق” للبشرية، الا ان تقنية حلبها تلزمها دراسات عديدة.
دراسات واختبارات عديدة في هذا المجال تصدر دورياً، الا ان العبرة تكمن في الاستفادة منها، فكم من مرة تخوّف الناس من مرض جنون البقر، وكم من طفل عانى من حساسية “اللاكتوز” فعانى الامرّين، قبل ان يعتاد اما على حليب الصويا او الحليب النباتي.