أبرم لبنان انضمامه إلى اتفاقية “ميناماتا” بشأن الزئبق بالقانون رقم 2 تاريخ 3 شباط (فبراير) 2017. تتوالى الدول لإبرام هذه الإتفاقية، حيث أبرمتها كندا مؤخرا، في 7 نيسان (أبريل)، وهي الدولة رقم 41 التي تصدق عليها. من المعروف أن الإتفاقية تحتاج إلى إبرام 50 دولة كي تدخل حيز التنفيذ، والجميع يتطلع إلى أن يكتمل هذا العدد قبل شهر أيلول (سبتمبر) المقبل، الذي حدد فيه موعد انعقاد مؤتمرها الأول من 24 حتى 29 أيلول (سبتمبر) 2017 في جنيف، سويسرا.
إتفاقية “ميناماتا” هي إتفاقية دولية تهدف إلى تخفيف إنبعاثات الزئبق من مصادر الأنشطة البشرية وتحققها في مختلف أوساط البيئة، الهواء والمياه والتربة.
إن التعرض للزئبق يسبب آثارا صحية سلبية جدا على الفئات الأكثر هشاشة وتحسسا، وخصوصا الأجنة في الأرحام في طور النمو قبل الولادة، وحديثي الولادة والأطفال. وتتعرض معظم الشعوب لآثار الزئبق كونه يتراكم في أنسجة الأسماك وثمار البحر، وبالتالي يدخل إلى السلسلة الغذائية لمئات ملايين البشر، ويهدد أمانهم الصحي بأكبر المخاطر.
إن الإتفاقية هي ملزمة قانونا، وتم التفاوض على نصوصها في ظل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهي تضمن بأن الزئبق، هذا المعدن السام بكل أشكال وجوده وبمركباته العضوية وغير العضوية، قد تمت إدارته بشكل فعال، وأن المتاجرة به بين الدول تتم بشكل مسؤول، وأن استعماله محصور فقط في حالات عدم وجود بدائل ذات جدوى له. تعنى الإتفاقية بكل أشكال وجود الزئبق على طول دورة حياته الكاملة، منذ استخراجه حتى تحوله إلى نفاية تتطلب عناية خاصة للتعامل معها والتخلص منها، بما في ذلك متطلبات المراقبة والتخفيف في عدد كبير من المنتجات والعمليات والصناعات التي يدخل فيها أو يضاف إليها.
في لبنان، من المهم متابعة ما كنا قد بدأناه من جهود للحد من استعمال بعض الأجهزة الطبية التي تحتوي على الزئبق، مثل موازين الحرارة، وموازين ضغط الدم وغيرها، وفي العديد من المنتجات التي يدخل فيها الزئبق، وكذلك للتخفيف التدريجي من استعمال الزئبق في ملغم حشوة الأسنان، وصولا للتخلي الكامل عن استعمال هذه المنتجات، ولتحل مكانها البدائل الخالية من الزئبق المتوافرة بيسر وبأسعار معقولة.
نحن أطلقنا حملة منذ سنوات، وقبل أن يبرم لبنان الإتفاقية، تهدف إلى تعريف الأطراف المعنية بتطبيقها وببنودها، وخصوصا منها ما يتعلق بالمواد الإلزامية، التي يرتبط تطبيقها بمهل زمنية محددة، وهي على علاقة بمصالح فئات واسعة من اللبنانيين من إقتصاديين ومستوردين ومستعملين ومستهلكين.
ففي العام 2020، وهو ليس بعيدا من الآن، سوف لن يكون مسموحا بحسب الإتفاقية تصنيع واستيراد وتصدير مجموعة من المنتجات المحتوية على الزئبق مثل البطاريات، والقواطع والمرحلات اللاسلكية، ومصابيح التوفير، ومواد التجميل، والمبيدات ومواد التطهير، والعديد من أجهزة القياس مثل الباروميترات وأجهزة قياس الرطوبة والضغط والحرارة وضغط الدم. وكذلك وقف استخدام الزئبق كمحفز في العديد من عمليات إنتاج بعض المركبات الكيميائية.
نرى من المفيد تذكير كل من يسعون لاعتماد المحارق بكل أشكالها وأنواعها في إدارة النفايات، أن اتفاقية “ميناماتا” تذكر في ملحقها “د” قائمة بالمصادر الثابتة لانبعاثات الزئبق ومركباته في الغلاف الجوي، وأن مرافق ترميد النفايات (المحارق) تأتي في عداد تلك المصادر، التي تشمل أيضا محطات توليد الطاقة التي تعمل على الفحم الحجري ومرافق إنتاج خبث الإسمنت.
إن إبرام الإتفاقية سوف يساعد على تقديم مساهمتنا والتزامنا بحماية البيئة وصحة الشعب اللبناني وشعوب العالم من مخاطر انبعاثات الزئبق. وهذا ما سينعكس تخفيفا لخطر التعرض للزئبق ومركباته الموجودة في المنتجات ومواد التجميل والعناية الشخصية ومنتجات الأطفال وكثير من السلع واسعة الإستعمال.