بعد أن كانت الدراسات والأبحاث تشترط على العلماء والخبراء تواجدهم على الارض لمعاينة ومتابعة أي ظاهرة، أصبح في مقدورهم اليوم إجراء دراسات تشاركية مع عامة الناس، فالتطور التكنولوجي أتاح للمواطنين دون اسثناء المشاركة في خدمة العلم والابحاث من خلال المراقبة، الخبرة، تسجيل المشاهدات ورصد الظواهر ومشاركتها مع أصحاب العلم وأهل الإختصاص.
إن كل انسان في عصرنا اليوم، ومع ثورة الاتصالات ومنصات التواصل، يستطيع أن يشارك العالم بمعلوماته، صورا وفيديوهات ونقاشات وملاحظات، وفي ذلك هذا إثراء لأي دراسة وبحث.
المعرفة البيئية
وفي هذا المجال، زود خبير علوم الأحياء البحرية في الجامعة الاميركية في بيروت البروفسور ميشال باريش موقعنا greenarea.info بدراسة حديثة، صدرت في 30 آذار (مارس) 2017 الماضي عن “معهد حماية البيئة والبحوث” Institute for Environmental Protection and Research ((ISPRA، عمل على إعدادها مع العلم الإيطالي إرنستو آزورو Ernesto Azzurro.
حملت الدراسة عنوانا لافتاً للانتباه، ومميزا في موضوع البحث العلمي، هو “دراسة المعرفة البيئية – (ميشال باريش – ارنستو ازورو ) 30 آذار (مارس) 2017″، وقدمت نماذج ومقاربات علمية حية.
انطلقت الدراسة من تحديد مفهوم “المعرفة البيئية المحلية” Local Ecological Knowledge (LEK)، وهي المعرفة المكتسبة من خلال الخبرة والمراقبة عند التفاعل مع البيئة المحيطة، عادة ما يتم الحصول عليها من خلال الخبرة وعلى مدى حياة واحدة أو على مدى أجيال عديدة.
استخدام هذه المعرفة البيئية LEK في الإدارة والعلوم أمر مثير للجدل، لأن طرق الحصول على المعلومات وتراكمها تختلف عن تلك التي كان يستخدمها العلماء في جميع أنحاء العالم تقليديا.
تقييم وعي الناس
وفي الواقع، فإن البحوث في مجال العلوم غالبا ما تشمل المراقبة والتجريب، كما استخدمها البروفسور باريش وفريقه في دراسة أجريت مؤخرا في لبنان في الجامعة الأميركية في بيروت، لكسب معلومات قيمة في البحوث الإيكولوجية ومصائد الأسماك، ورأى باريش أن هذا الأمر “يعتبر جانبا استراتيجيا في مراقبة وإدارة الأنواع الغازية”.
كما يعرف الجميع، ظهرت سمكة الفراشة Lionfish مؤخرا في البحر الأبيض المتوسط وغزوه له حاليا، وبعد أن وجدت في لبنان من قبل باريش في عام 2012، فقد استعمرت بسرعة ساحل سوريا وقبرص وتركيا واليونان، إلى أن وصلت مؤخرا إلى تونس وإيطاليا.
في دراسة حديثة نشرت في آذار (مارس) 2017، جمعت معلومات عن انتشار سمكة الفراشة في لبنان في مراحل مبكرة جدا، من خلال الحصول على البيانات مباشرة من الصيادين وغيرهم من مستخدمي البحر.
استخدم العالمان المسح العام للحصول بسرعة على معلومات عن المراحل الأولى من استعمار أسماك الأسد الغازية في لبنان، وذلك قبل وصولها إلى بقية مناطق البحر الأبيض المتوسط.
وقاما أيضا بتقييم وعي الناس بهذه القضية البيئية الناشئة، واستعدادهم للمشاركة في مبادرات الحفظ.
وقدمت نتائج الدراسة أدلة على انتشار وانتشار سريع للفراشة قبل أن تصبح هذه الأسماك الغازي الحقيقي، وأظهرت النتائج أيضا إمكانات المجتمعات المحلية لتوفير المعرفة الهامة عن البحر والأنواع الغازية التي لا تتوفر للعلماء العاملين وحدهم.
التوصل إلى حلول أفضل
يظهر هذا النهج التشارکي أیضا، وبحسب الدراسة، أنه یمکن بناء حوار وشراکة متينتين بین الباحثین وأصحاب المصلحة، من أجل تحسین الاستجابة المدنیة لقضایا الصیانة الحساسة زمنیا.
وتم التعريف بمجموعة الفيسبوك المسماة “بحر لبنان – Sea Lebanon” في لبنان، وهي مجموعة مخصصة للعلوم البحرية في لبنان والبحر الأبيض المتوسط. ضمن هذه المجموعة، يمكن لأعضاء تبادل الصور وأشرطة الفيديو وأيضا الأخبار والأفكار، فضلا عن وضع وصلات وروابط على الإنترنت حول أي شيء يتعلق الكائنات البحرية وبيئتها في لبنان.
ما يقرب من 1000 شخص موجودون في المجموعة الآن، يوفرون الكثير من المعلومات التي يمكن استخدامها علميا من فريق من 3 إلى 4 علماء من الذين يذهبون في البحر. وتستخدم هذه المعلومات من أجل فهم أفضل للبيئة البحرية في لبنان والتغيرات التي تحدث فيها، مثل التلوث وتدهور السواحل والأنواع الغازية، من أجل التوصل إلى حلول أفضل، مع مراعاة حياة الصيادين وأسرهم أيضا، كما كل الناس الذين يستخدمون البحر للسباحة والصيد وركوب القوارب أو ببساطة عشاق البحر.
يأمل البروفسور باريش وفريقه بأن ينضم المزيد من الناس الذين يحبون البحر، لنشر الصور الخاصة بهم، وإضافة أفكارهم القيمة واقتراحاتهم لمستقبل أفضل للبحر لدينا.