الشكوك حول الطائرة الاوكرانية التي تصل كل يوم ثلاثاء إلى مطار بيروت الدولي ليست جديدة، كما أن المعلومات التي تؤكد حدوث عمليات تهريب حيوانات برية من وإلى المطار هي ايضاً ليست بجديدة. أبلغت وزارات الزراعة والداخلية والمالية بالشبهات حول عمليات تهريب تجري عبر هذه الطائرة قبل فترة على وصول ثلاثة من صغار نمور (“الهِرمَاس” أو “الفرز”) إلى مطار بيروت الدولي، لكن السلطات اللبنانية لا تزال تثبت عجزها في اتخاذ الاجراءات التي تكفلها “اتفاقية التجارة الدولية بالانواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات” (سايتس) CITES، ولم تنجح محاولات انقاذ النمور الثلاثة إلا من خلال دعوى رفعتها جمعية Animals Lebanon امام قاضي العجلة في بعبدا حسن حمدان، الذي اصدر منتصف شهر آذار (مارس) الماضي قراراً قضى بتسليم الجمعية النمور الثلاثة وتعيين الجمعية حارساً قضائياً عليها إلى حين البت بوضعها النهائي.
منذ ان صدر القرار المذكور يتنازع التجار الذين وصلت الشحنة على أسمائهم عبر شركة UM Airlines ومقرها كييف، من أجل استعادة هذه النمور، بذريعة ترحيلها لصالح حديقة الحيوانات بمنطقة ريف دمشق بسوريا يملكها السوري سامر الحسناوي. الوسيط الذي يتولى التفاوض في لبنان هو اللبناني إيلي خطار، اما الوسيط في اوكرانيا فهو السوري يحيى صالح.
ما هو المتوقع صدوره عن قضاء العجلة الذي يفترض ان يبت يوم الجمعة المقبل بهذه القضية؟
يتبين من الوقائع في ما يخص شحن ثلاثة من صغار نمور التي وصلت إلى مطار بيروت بتاريخ 7 آذار ( مارس) عن محاولة متعمدة للغش والتهريب، وعلى أن تصاريح الـ “سايتس” التي قدّمت غير صالحة، وينبغي مصادرة الحيوانات رسميا والتعامل معها بموجب أحكام معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالإنقراض (CITES).
يعرّف الاتجار الغير الشرعي بالحيوانات البرية بالنشاط الاجرامي المنظّم، ويبلغ حجم السوق السوداء مليارات الدولارات. وتشكل هذا الظاهرة العالمية غير الشرعية خطرا مباشرا على مساعي الحفاظ على الحيوانات البرية، خصوصا تلك المهددة بالانقراض، كما وتشكل خرقا واضحا للقوانين والأنظمة.
أدرج لبنان بين البلدان المصنفة على اللائحة السوداء في الاتجار غير المشروع بالأنواع المختلفة للحيوانات البرية، وذلك في تقرير الـ UN Office on Drugs and Crime، وتقرير الـ UN Great Apes Survival Partnership والتحقيقات التي عرضت على هيئة الإذاعة البريطانية BBC وغيرها. وأعلنت وزارة الزراعة في اكثر من مناسبة أن تزايد الاتجار غير الشرعي بالحيوانات البرية على الاراضي اللبنانية مسألة تثير القلق.
وقع لبنان منذ أربعة أعوام على المعاهدة الدولية “سايتس” (CITES)، وكان البلد الـ 178 الذي ينضم رسمياَ إلى هذه الاتفاقية التي دخلت حيّز التنفيذ في لبنان بتاريخ 26 أيار (مايو) 2013. وتعتبر معاهدة ـCITES من أهم المعاهدات الدولية الخاصة بالحفاظ على الحيوانات والنبات البريّة المهددة بالانقراض، وتضع الاتفاقية نظماً فعالة ومتكاملة للتجارة بها عبر أحكام ملزمة بهدف الحفاظ عليها.
تفرض هذه الاتفاقية ضوابط على الاستيراد والتصدير والعبور وإعادة الشحن، وذلك على كل أنواع الحيوانات البريّة المدرجة ضمن لائحتها، وهو ما يتبين عدم حصوله في الشحنة التي وصلت إلى بيروت وتحوي النمور الثلاثة.
شهد لبنان السنة الماضية زيادة غير مسبوقة للإتجار غير الشرعي بالحيوانات البريّة المهددة بالانقراض من أسود ونمور وفهود وغيرها من القطط الكبيرة. ويسجل أنه يتم تهريب العديد من هذه الحيوانات المهددة بالانقراض عبر الحدود مع سوريا، أو عبر مطار بيروت الدولي.
وفقاً لاتفاقية الـ CITES، ووفقاً لما هو مدرج على كل تصاريح هذه الاتفاقية بما في ذلك تلك التي أرفقت بشحنة النمور الثلاثة، ما يلي “فيما يخص الحيوانات، لا يعتبر هذا الترخيص – أو هذه الشهادة – صالحة إلا في حال كانت شروط النقل مطابقة لأحكام وإرشادات وتعليمات الـ CITES الخاصة بنقل الحيوانات البرية، وفي حالة النقل الجوي، على شروط النقل أن تكون مطابقة لأحكام الاتحاد الدولي للنقل الجوي IATA المتعلقة بنقل الحيوانات الحيّة.
وفي 21 آذار (مارس)، أصدرت نقطة الاتصال الوطني لإتفاقية CITES في لبنان كتاباً خطياً موقعاً من الموظف المسؤول في وزارة الزراعة اللبنانية جورج افرام، جاء فيه: “فيما يتعلق بالقفص الذي عاينته والذي تمّ من خلاله نقل النمور الثلاثة، وبعد مشاهدة صغار النمور الثلاثة (…) أفيد بأنّ الصندوق الخشبي الذي نقلت فيه النمور هو مخالف للشروط المنصوص عليها في اتفاقية الـ CITES والـIATA على النحو التالي:
-لصق ووضع العلامات والتعريف: (التسمية الخضراء، وضع التعريف، المعلومات الخاصة بالحيوانات المنقولة، معلومات المرسل، معلومات المرسل له).
-القياس والحجم: (الارتفاع الداخلي للقفص، عرض القفص، طول القفص).
-التصميم (التغذية والاطعام، والتهوئة …) والكثافة (عدد الحيوانات في القفص).
يتبين مما تقدّم ان الشحنة تتعارض بصورة فاضحة مع المعايير المنصوص عليها في اتفاقيتي الـCITES والـIATA العالميتين، واللتين تنصّان على الشروط الواجب اتباعها عند نقل الحيوانات الحية، والحيوانات المهدّدة بالانقراض.
ولقد تم تحديد المخلافات المرتكبة في الصندوق الخشبي الذي نقلت فيه النمور للمعايير والأحكام المنصوص عليها في اتفاقية الـCITES والـIATA على الشكل التالي:
الحجم الخارجي للصندوق 90 سم × 70 سم × 50 سم، والحجم الداخلي هو 86 سم × 68 سم بنسبة 42 سم، ما يثبت عدم احترام معيار وجوب أن يكون هناك 10 سم ما بين رأس الحيوان عندما يكون واقفاً وسقف الصندوق. ما يبرهن إن علو الصندوق غير كافٍ إطلاقا لكي تتمكن النمور من الوقوف، ولا تبلغ سماكة الخشب الرقائقي المستخدم الـ 1.3 المفروضة، ولا يوجد سوى ملصق واحد على الصندوق الخشبي وهو بوليصة الشحن الجوي، كما انه لا يوجد أي من الاسم الكامل أو العنوان أو رقم الهاتف الخاص بالشاحن أو المرسل إليه، أو رقم الاتصال 24/24 ساعة على القفص. ولم يتم لصق المعلومات التي تشير إلى الاسم العلمي أو نوع الحيوانات الموجودة في القفص، ولا حتى عدد الحيوانات الموجودة في القفص، اضافة إلى عدم الإشارة على أنّها حيوانات حيّة (Live Animals) غير ملصق على القفص، وعدم الإشارة إلى الجانب العلوي من الصندوق (This side up)، ولا وجود للتعليمات في ما يتعلّق بالمواد الغذائية والمياه الموجودة في القفص، وتعليمات الشاحنين لرعاية الحيوانات ليست ملصقة على القفص. أما مساحة الصندوق الداخلية فهي ضيّقة جدا وبالكاد تسمح لنمر واحد بالتواجد بداخلها، وعدم وجود أيّة قاعدة لتصريف الأوساخ، ولم يتم تغطية أي من فتحات التهوئة بالشباك المعدنية، يمكن لأي شخص ادخال أصابعه داخل القفص كما ويمكن لمخالب الحيوان الوصول بسهولة إلى خارج، عدم وجود مواد غذائية أو مياه متصلة داخل الصندوق أو يمكن الوصول اليها من خارجه، تبين فقط وجود حاوية معدنية صغيرة مرمية رأسا على عقب على أرضية القفص، وعدم وضع فواصل رافعة تحت القفص، ولا يوجد إطار لمنع سدّ فتحات التهوئة بالرغم من وجوب وجود اطار 2.5 سم، وليس هناك آلية معتمدة لفتح الأبواب، ولم يتم وضع باب معدني، فقط قطعة معدنية، اما القفص فكان ممتلئا عند فتحة بكمية كبيرة من البراز والبول، وكانت هناك العشرات من اليرقات الحية داخل القفص. وتبين وفق هذه المعطيات أن حجم القفص الخشبي أصغر من الحد الأدنى للحجم المسموح به لصغير النمر الواحد، ما يتعارض بصورة فاضحة مع المعايير المنصوص عليها في اتفاقية الـCITES والـIATA العالميتين، واللتين تنصّان على الشروط الواجب اتباعها عند نقل الحيوانات الحية، والحيوانات المهدّدة بالانقراض.
كما يتبين انه لا يمكن الاتجار بهذا النوع من الحيوانات، ويسمح التبادل ولكن فقط غير التجاري، وينص الملحق رقم 1 من معاهدة الـ CITES بمنع الاتجار بهذا النوع من النمور، ويتبين من الاوراق التي قدمت إلى السلطات الجمركية ان مصدر الشحنة كما هو مدرج في كل من تصاريح سايتس، هو رجل الأعمال يحيى صالح، وان المالك، كما هو مدرج في الشهادة البيطرية الدولية، هو ايضاً صاحب المشروع يحيى صالح. وتذكر الوثائق مرارا وتكرارا أن المالك والمصدر والشاحن هم جميعا نفس الشخص، وهو رجل أعمال. هذه الحيوانات مملوكة ومصدرة ومشحونة من قبل رجل أعمال خاص، وليس من قبل حديقة حيوان معترف بها، الامر الذي يثير شكوكا حول الوجهة النهائية لهذه الشحنة، وما اذا كان سينتهي الامر بالنمور الثلاثة ان تباع للاقتناء الشخصي سواء في لبنان او في سوريا.
ومن جملة المخالفات المرتكبة، عدم تقديم المعلومات الأساسية المطلوبة لشحن هذه الحيوانات، حيث ذكر على بوليصة الشحن الجوي فقط “حيوانات حية” بدلا من “ثلاثة نمور حية – Panthera Tigris”. وقد أدرجت حيوانات أخرى على نفس الرحلة على وجه التحديد مع التسمية المفروضة كالقطط والكلاب وكانت الكميات دقيقة، ولم تكن هناك أي علامات على القفص غير رقم بوليصة الشحن الجوي. وينبغي بالاستناد إلى (ملحق 10) من الاتفاقية أن يوضع على القفص الاسم والعنوان الكامل ورقم الهاتف للشاحن، الاسم والعنوان الكامل ورقم الهاتف المرسل إليه، رقم متوفر للاتصال على مدار 24 ساعة في حالات الطوارئ، الاسم العلمي والاسم الشائع وعدد الحيوانات، وضع علامة “حيوانات حية”، على الأقل لصق اشارة إلى الجانب العلوي من الصندوق (This side up)، التعليمات الخاصة بالغذاء والمياه، تعليمات الشاحنين لرعاية الحيوانات الامر الذي لم يتم في حالة النمور الثلاثة. اضافة إلى انه لا يوجد أي دليل أن الشحن كما يزعم المستوردان كان سيتم عير الجو إلى سوريا، ففي حال نقل حيوانات برية جوا، من البديهي تحضير معاملات الشحن بالكامل من المنشأ إلى وجهة الوصول النهائية. لقد وصلت النمور إلى لبنان بتاريخ 7/3/2017، دون أن يتم حجز أي رحلة لها متّجهة نحو دمشق. والسؤال لماذا انتظر المالك/المستورد وصول النمور الثلاثة إلى بيروت كي يحجز الرحلة التالية إلى دمشق؟ علماً انه تبين ان اياً من الرحلات بين بيروت ودمشق وبيروت واللاذقية غير مؤهلة لنقل حيوانات برية حية. كما أن الشهادة البيطرية الدولية لديها مساحة لإدراج “رقم وسيلة النقل أو السفينة، أو رحلة الطائرة، أو سيارات الشحن، “ويتبين أنه لم يتم تحديد أي من ذلك، وبدلا من ذكر فقط “كييف – بيروت – دمشق”. وكان ينبغي تحديد رقم الرحلة من أوكرانيا إلى لبنان، ورقم الرحلة من لبنان إلى سوريا، ولكن لم يتم تحديد أي من هذه الأرقام للرحلات.
وفي وقت لاحق، وبعد رفض الجمارك اللبنانية تسليم المستورد / المالك النمور الثلاث، ابلغت وزارة الزراعة انه سيتم نقل النمور جوا إلى دمشق عبر Cham Wings Airlines. ولكن لم يتم ابدا نقل النمور عبر الطائرة ولم يقدم أي دليل على الحجز الأصلي أو حتى الحجز اللاحق. وذكرت Cham Wings أنها لا تنقل الحيوانات الحية لأن طائراتها ليست مجهزة لنقل الحيوانات الحية. كما وذكرت Cham Wings Airlines بكتاب بتاريخ 9 آذار (مارس) أنه نظرا لقضايا تقنية لم يتمكنوا من شحن النمور، مع العلم من أنه تم الاعلان ان النمور كانت ستغادر في 7 آذار (مارس) ومرة أخرى في 8 آذار ( مارس).
كما ولم يتضمن الملف المقدم من قبل المالك / المستورد أي بوليصة شحن جوي، وتبين ان الملصق الوحيد الذي تم وضعه على الصندوق يشير إلى الوجهة النهائية “بيروت”، وذكرت بوليصة الشحن الجوي والشهادة البيطرية الدولية أن الشحن متوجه إلى دمشق عبر بيروت، ولكن لم تدرج قط أي معلومات عن كيفية الشحن (برا، جوا) أو أي رقم رحلة. كلّ ذلك يؤكّد بما لا يقبل الشك أن النمور الثلاثة لم تكن متوجّهة إلى سوريا، بل تم استيرادها للاحتفاظ بها واعادة بيعها في لبنان.
سلسلة المخالفات لم تنته عند هذا الحد، اذ تبين عدم صحة المعلومات المُشار إليها في التراخيص، التي تشير أن النمور ولدت في Nikolaev zoo – اوكرانيا، كما وتُفيد بأن هذه النمور هي إناث، وأنّ هذه النمور الثلاثة هي معرّفة الكترونياً (microchipped)، إلاّ أنّه وبعد الكشف على هذه النمور – من قبل الطبيب البيطري المختصّ الدكتور Jean-François Gérard والذي حضر من فرنسا إلى لبنان خصيصا لمعاينة النمور، تبيّن أنّ اثنين منها إناث والثالث ذكر، وأنّ واحدا فقط من النمور الثلاثة هو معرّف الكترونياً (microchipped)، الأمر الذي يؤكّد عدم صحّة المستندات والتصاريح المُبرزة.
ان موقع greenarea.info اذ يضع هذه المعلومات امام الرأي العام، يدعو وزارة الزراعة إلى اصدار امر فوري بمصادرة هذه الحيوانات وضمان نقلها إلى محمية طبيعية تراعي بيئة العيش الملائمة لهذا النوع من النمور، الامر الذي سيشكل سابقة ايجابية تردع التجار عن تكرار محاولات ادخال حيوانات برية اخرى إلى لبنان، سواء عبر الحدود البرية او البحرية أو الجوية.