ما تزال القرى والبلدات الحدودية تواجه تكاثر الخنازير البرية على نحو غير مسبوق، لأسباب عدة، أهمها غياب أعدائها الطبيعيين كالذئاب والضباع، فضلا عن خصوصية هذه المنطقة من الناحية الأمنية، ذلك أن ثمة قرارا بمنع الصيد في المنطقة الحدودية بالتنسيق بين الجيش اللبناني واليونفيل منذ العام 2006، ما فاقم المشكلة أكثر، ويبدو أن الأمن الذي تنعم به هذه المنطقة شكل فسحة أمان للخنازير وساهم في تكاثرها ، فهي تتواجد بكثافة وفي قطعان، تقضي على سائر المزروعات، وما عاد في إمكان المزارعين التوجه إلى أراضيهم بعد أن أصبحت مرتعا للخنازير البرية، التي تقضي على الخضار وتخرب الأرض المحروثة، أما الأشجار وما إن تبدأ ثمارها بالنضوج حتى تقوم الخنازير بهز جذوعها فتسقط الثمار وتلتهمها.
حيال هذه المشكلة، لم يجد بعض المزارعين إلا استخدام نوع من السم، هو عبارة عن مبيد حشري، إلا أن هذا الأمر الممنوع وفقا للقوانين المرعية الإجراء، لم يجدِ مع الخنازير البرية، إذ استهدف استهدف الثدييات الصغيرة، كالنيص (القنفذ) والغرير، ما يعني أن تبعاته أشد خطورة من الخنزير البري، كونه يطاول سائر النظم البيئية.
سيف الدين: خطر على جميع الحيوانات
وفي هذا المجال، أشار نائب رئيس “جمعية اللقاء البيئي” وليد سيف الدين لـ greenarea.info إلى أن “بعض المناطق الزراعية شهدت مؤخرا انتشارا للخنازير البرية، وقد أفسدت المحاصيل الزراعية، وأضحت تشكل خطرا على أرزاق المزارعين”، وقال: “بعض المناطق تعاملت مع هذه الظاهرة بالصيد المسموح به بالنسبة للخنازير البرية، والبعض تعامل معها بتسييج المساحات الزراعية، وهذا حل مكلف ماديا وفوق طاقة المزارع، وكانت هناك محاولات لحل المشكلة بتسييج الأراضي الزراعية بأسلاك كهربائية أو اي طريقة اخرى، بحكم ان الخنازير من الطرائد المسموح صيدها على مدار السنة، الا ان بعض المناطق المحاذية للحدود والتي يمنع فيها استخدام البنادق والصيد، اصبحت الخنازير فيها تشكل ازمة كبيرة للمزارعين الذين لم يتبقَّ لهم شيئا مما زرعوه بسبب انتشارها وإفساد محاصيلهم”.
وأضاف سيف الدين: “لذلك عمد بعد المزارعين في قضاء راشيا الى تسميم الخضار وتركها طعما للخنازير، ولكن لم يقع اي من الخنازير في فخ السم، على العكس كانت الضحية أنثى غرير نفقت بعد تناولها السم، واستمر البحث عن صغارها اياما دون جدوى”، وشدد سيف الدين على أن “استعمال السموم بهذه الطريقة يعتبر خطرا على جميع الحيوانات كالهررة والكلاب والغرير وكل من يقتات أو يقترب من السم، بالاضافة الى انه خطر على الطيور والحيوانات التي تقتات ايضا على الجيف التي قد تتسمم وتنفق”.
وأشار سيف الدين إلى أن “(جمعية اللقاء البيئي) تعد دراسة في هذا السياق وتعميمها على بلديات راشيا، وتشمل الدراسة تفصيل السموم ودواعي الاستعمال والوقاية مع طريقة المعالجة في حال حدثت اصابات بشرية وحيوانية بغير قصد”.
وزارة الزراعة
وبحسب مصدر في وزارة الزراعة، فإن “السم المستعمل هو (اللانيت)، وهو بمتناول المزارعين نظرا لاستعماله لرش المزروعات بهدف القضاء على بعض الحشرات، وهذا النوع متواجد في التعاونيات الزراعية ومراكز بيع البذور”، ولفت المصدر إلى أن “مدة فاعلية السم تدوم لست ساعات، ويستخدم من قبل المزارعين كمبيد حشري للمزروعات”.
وذكر المصدر ان “استعماله راج في الفترة الاخيرة في صيد السمك، وهذه الطريقة غير مسموح بها ويغرم كل من يثبت استعماله لهذا النوع من المبيدات في الصيد”.
أما عن تسميم الحبوب لقتل الخنازير وغيرها، فأشار المصدر عينه إلى أن “هذا الأمر غير مقبول ايضا لانه قد يقضي على حيوانات اخرى وعلى الطيور، ما قد يسبب خللا في الطبيعة حتى انه قد يؤثر على الحيوانات التي من الممكن ان تقتات على الجيف المسممة”.
د. قديح: تنظيم صرف الادوية الزراعية
أما عن تداول هذا السم ووضعه بمتناول الجميع، فإن هذا الأمر يثير القلق حيال استعماله دون ضوابط قانونية، وثمة سؤال: هل من الممكن منع بيعه؟ ومن هي الوزارة المسؤولة؟
وفي هذا المجال، أشار الخبير البيئي في مجال علوم الكيمياء والسموم ومستشار موقع greenarea.info الدكتور ناجي قديح إلى أن “هذا السم يعرف باسمه العلمي Methomil، وهو من فصيلة الكاربامات Carbamates”، وقال: “الـ Methomil سام عن طريق التنفس وعن طريق الفم، ويعتبر ساما علة نحو كبير للاسماك، فضلا عن أنه سام للانسان والحيوان”، وأضاف: “يستعمل هذا السم في الحماية النباتية وكمبيد للحشرات، تأثيره السمي تأثير عصبي، غير معروف انه يسبب السرطان، اما عمليا فكل المبيدات الزراعية هي سموم وينبغي تفادي التعرض لها أو تعريض الحيوانات الاليفة والمواشي لها، بالاضافة الى انه مبيد حشري بالدرجة الاولى يثبط انزيمات نقل النبضة العصبية، وبالتالي هو يشبه المبيدات الفوسفورية من حيث آلية تأثيرة السمي العصبي”.
وتابع قديح: “هذه المبيدات تباع في محال الأدوية الزراعية وموجودة في بيوت كل المزارعين”، ورأى أنه “من الضروري تنظيم صرف الادوية الزراعية وفق وصفة تصدر عن خبير زراعي اختصاصي بالحماية النباتية، وتستعمل تحت اشرافه”، وأكد أن “تنظيم هذه القضية يقع على عاتق ومسؤولية وزارة الزراعة بالاضافة الى اصدارها المراسيم المنظمة لها”.
أبي سعيد:
أما رئيس “مركز التعرف على الحيوانات البرية” الدكتور منير أبو سعيد فأشار إلى أن “المشكلة ناجمة عن انقراض العدو الطبيعي للخنزير البري أي الذئب والضبع، فضلاً عن عدم وجود قطعان الماعز في الاحراج التي تقلق الخنزير وتثير لديه الخوف فينأى بعيدا، إضافة الى عدم اهتمام المزارعين بتنظيف الاحراج التي تحولت مرتعا للخنازير تبني فيها مخابئها، كما أن صيد الخنزير ليس سهلا وهو محفوف بالمخاطر لان صيده لا يتم الا ليلا”.
وقال: “نحن الآن بصدد الانتهاء من أبحاث لمعالجة هذه المشكلة، ووجدنا أنها قائمة ايضا ليس في لبنان وحسب، وانما في الدول المتطورة، لكن يمكننا التأكيد أن الحل الانسب يبدأ بالحفاظ على الحياة البرية، ولا خيار آخر أمامنا، هناك حلول توصلنا اليها ولكنها مؤقتة، وحتى لو كانت الضباع والذئاب موجودة الآن فهي لن تكون قادرة على القضاء على الخنازير البرية في فترة زمنية قصيرة، فكيف بالحري اذا لم تكن موجودة”.