نادرة هي الاحزاب السياسية في لبنان التي تخصّص كافة أجندتها السنوية لاهداف تنموية بيئية بحتة، الا انها منتشرة بشكل كبير في العالم الغربي، ففي كندا هناك الحزب الأخضر الذي يتبنى المرجعية الإيكولوجية، وهو حزب وقّع على بيان “الخضر العالمي” إلى جانب 800 حزب يعنى بالبيئة في العالم، كما أنه عضو في فدرالية أميركا لأحزاب الخضر. أما في أستراليا، فهناك “حزب الخضر” الأسترالي، تأسس سنة 1992، وهو أحد أهم الأحزاب الداعية إلى الإستدامة من أجل ترك الحياة جميلة للأجيال المقبلة. أما في أوروبا، فكثيرة هي الاحزاب “الخضراء” ومنتشرة في فرنسا، ألمانيا، فلندا وسويسرا وباقي دول أوروبا، وأغلبها يحمل إسم “حزب الخضر”.
مفهوم “الحزب الاخضر” لم يبدأ بالتوسّع في الدول العربية الا أخيراً، وربما يتزامن هذا الموضوع مع توسّع الحديث عن أضرار الاحتباس الحراري والتغير المناخي، فضلاً عن لمس تداعياتهما مباشرة في غالبية البلدان المتضررة، من فيضانات وسيول أو تغيّر في الطقس وانقراض للحيوانات.

greg barber

الحزب الخضر اللبناني
فبرزت أحزاب تعنى بالبيئة في كل من سوريا، المغرب، تونس ولبنان، تدعو إلى الحفاظ على البيئة. ورغم انتشار هذا المفهوم في تلك الدول، الا ان لبنان هو البلد الوحيد في الشرق الاوسط الذي أقدم على خطة انشاء حزب بيئي سياسي “حزب الخضر اللبناني” الذي تأسس في العام 2008، ومن اهم اهدافه: حماية البيئة، التنمية المستدامة وحقوق الإنسان، وهو أول حزب لبناني يركز في المقام الأول على السياسة الخضراء.
رغم انطلاقته عام 2008، الا ان “حزب الخضر اللبناني” قد أعلن حالة طوارىء بيئية في العام 2009، وانتشر سريعاً في الدول الشرق اوسطية والآسيوية. وبعد أن كان ناشطا في تقديم مشاريع القوانين، ومتابعة درسها والتصويت عليها في اللجان النيابية، والنجاح في إقرار البعض منها كقانون النيابة العامة البيئية، نجح في تقديم دعوى الى النائب العام ضد كل المعتدين على الاملاك العامة على طول الشاطئ اللبناني، واتخذ موقفا حازما في موضوع النفايات، رافضا مبدأ الحرق او فكرة التصدير، ومؤيدا خطة الوزير شهيب الاولى التي تقول بالفرز من المصدر ثم التدوير فطمر ما لا يمكن تدويره.
في الشق الاجتماعي، تقدم حزب الخضر بأفكار من أجل تحسين شروط المواطنة وإعطاء اللبناني حقوقه الأولية البديهية قبل حقوق الطائفة والجماعة. كما أنه نادى ببناء دولة القانون والعودة الى نهج المؤسسات الذي قوضته سياسة الزواريب والمصالح الخاصة.
في شباط (فبراير) 2016، دخل حزب الخضر اللبناني الى العالمية، بعد أن أصبح عضوا رسميا مشاركا في إتحاد أحزاب الخضر الآسيوية للمحيط الهادئ، وعضوا في الإتحاد العالمي لأحزاب الخضر في العالم، وهو الاول والوحيد الذي قبلت عضويته من اصل 12 دولة في الاتحاد الآسيوي.

greg barber 2

رغم ذلك، لا يكتفي الحزب بما قدّمه لاجل البلد، فلبنان الوحيد الذي لا تمثيل نيابي او وزاري فيه لحزب يعتمد السياسة الخضراء، خلافا للدول الغربية التي بات لها عدد من المشرّعين في المجالس النيابية يتبنون سياسة خضراء ويبحثون عن بيئة افضل للمواطنين.
في الدول العربية، وخصوصاً في لبنان، لم تشهد اي وزارة على مدى عقود سابقة تسلّم اي ناشط او خبير بيئي وزارة البيئة، ولم تشهد مقاعد المجلس النيابي اي يد خضراء تقطع ايادي السياسة والاطماع والمصالح الشخصية والمناطقية عن ثروات لبنان. بل ان كل ما جناه لبنان جراء سياسات خاطئة ترجمت بتكدّس النفايات على الطرقات، انتشار الاوبئة والامراض، انقراض بعض الانواع من الطيور وتشريع قتل النوارس، تلوّث البحر بالنفط والنفايات والقضاء على الابنية التراثية وآخر المساحات الخضراء التي ما زالت تسجّل على انها واجهة لبنان الاخضر!
العلاقة مترابطة بين الانسان والبيئة، وبالتالي فإن خدمة البيئة تعني حكماً خدمة الانسان في كل القطاعات، الاقتصادية، التجارية والسياحية، من هنا فإن مشاركة اصحاب الخبرات البيئية في صنع القرار يساهم بشكل او بآخر بصنع خيارات بيئية صحية تؤدّي الى بلد أفضل.

رئيس حزب الخضر الأسترالي في لبنان

بات هذا الإمتداد الدولي لـ “حزب الخضر اللبناني” محطّ انظار كافة الخبراء البيئيين من مختلف دول العالم، وضمن سياسة الانفتاح المعتمدة، استضاف الحزب على فترة ثلاثة ايام النائب في البرلمان الاسترالي، رئيس حزب الخضر غريغ باربر الذي اشاد في حديثه عن مضيفيه، منوها بخبرات وحكمة رئيسة الحزب ندى زعرور، متمنياً لها النجاح في الانتخابات النيابية المقبلة. ومؤمناً بما يمكن ان تقدّمه انطلاقاً من كونها امرأة اولاً ورئيسة حزب دخل العالمية بسرعة كبيرة بالدرجة الثانية.
لم تكن استضافة الحزب مقتصرة على باربر فحسب، ففتح ابوابه لموقع greenarea.info الذي استفاد من خبرات الحزبين اللبناني والاسترالي، وكان له مقابلة خاصة مع باربر الذي وضعنا بصورة عامة في أجواء مشاكل البيئة في استراليا، فضلاً عن اهمية دخول البيئيين اللبنانيين معترك السياسة وقدرتهم على احراز التغيير، منوّهاً “بقدرات الرئيسة ندى زعرور”.
في البداية، أكد باربر أن “معضلة تغيّر المناخ عالمية لا تستثني بلداً او قرية، لا من ناحية التأثيرات ولا من ناحية مشاركة الجميع في التسبب بها”، فأشار الى أن” استراليا لا يمكن ان تنأى بنفسها عن تلك القضية كونها تعتمد على الفحم كمصدر اساسي للطاقة، ولديها الكثير من المواد الملوّثة للبيئة، وبالتالي فهي عاجزة لان ليس هناك الكثير لتفعله في هذا المجال”.
مظاهر التغير المناخي في هذا البلد تظهر جليّة وتتمثّل بتضرر أراضٍ زراعية واشجار وانواع نباتات كثيرة، وربّما اكبر دليل حسّي على تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة تتمثّل، بحسب باربر، بـ “الخطر الذي يحدق بالشعب المرجانية وتهديد الحاجز المرجاني العظيم التي اشتهرت به استراليا منذ آلاف السنين”.

أستراليا… والتخفيف من التلوّث البيئي

رغم ذلك، اعتبر باربر ان” أسوأ المشاكل البيئية التي تعاني منها استراليا هو الضرر اللاحق بالنظام البيئي منذ عقود، والذي يؤثّر بشكل كبير على التنوّع البيولوجي، ويؤدي الى تدميره، وقد صنّفت استراليا من اسوأ البلاد التي يتأثّر فيها التنوّع البيولوجي، بحيث ان الاحتباس الحراري يحوّل الطقس من بارد الى دافىء، ويؤثر على بيئة حياة انواع عديدة من الحيوانات والحشرات التي لا تعيش في جو دافىء، الامر الذي يؤدي الى انقراضها”.
لا يقتصر التمثيل البيئي في استراليا على البرلمان فقط، فهناك ممثلون عن احزاب الخضر في مختلف المواقع الحكومية، ومختلف المناطق، الامر الذي يجعل حل الامور البيئية اسهل على مستوى المناطق وبالتالي، فإن كافة المرافق معنية تماماً بمعالجة اسباب التلوّث والتخفيف منها على مستوى البلد بشكل عام.
وجود ممثلين عن احزاب خضراء بيئية في البرلمان الاسترالي يجعل دق ناقوس الخطر اسهل من كونهم خارجها، وبالتالي، فإن استراليا تحاول قدر المستطاع التخفيف من التلوّث البيئي، وقد اعتمدت السلطة اساليب تحفيزية تساهم في نشر الوعي بين الناس، وكمثال بسيط على ذلك، اشار باربر الى “ضرورة التشجيع على اعتماد مبدأ اعادة التدوير، عبر اعادة استهلاك القوارير بدل رميها واستبدالها بالمال، وفي شق النفايات العضوية، فإن كافة مخلفات الطعام والخضروات والحدائق يتم تحويلها الى سماد ويعاد استخدامها، الامر الذي يمكن ان يؤدي برأيه الى التخفيف من كمية النفايات”.
ورغم انه تم وضع ضرائب للتخفيف من حجم النفايات المتراكمة، الا ان المشكلة بحسبب باربر لم “تحلّ بع،د وبالتالي فإن تلك الضرائب تدرّ بالمال للسلطة السياسية ولكنها في المقابل لا تخفف من كمية النفايات في البلد”.
في المقابل، وفي تعليقه على ازمة النفايات في لبنان، قارن ما يمكن القيام به بما حصل في استراليا البلد الكبير، واشار الى ان مشاركة السلطة بتحفيز اللبنانيين بوسائل معينة يمكن ان تكون مادية على فرز النفايات من جهة واعتماد مبدأ اعادة التدوير من جهة اخرى، تشكّل خطوة تشجيعية للبنانيين للقيام بما هو أفضل لهم ولبلدهم.
الا ان لبنان برأي باربر” لا يحتاج فقط لحلول تقنية، بقدر ما هو بحاجة الى جهود مشتركة للسياسيين والمواطنين معا”، وشدد على ان “تطهير الطرقات، المياه، والهواء يتطلّب تطهيراً سياسياً ايضاً، وبالتالي فإن امكانية دخول متخصصين بيئيين الى مواقع القرار يمكن ان يشكّل بداية الطريق نحو حلول تنموية ومستدامة”.

دعم حزب الخضر اللبناني

في هذا السياق، شدّد على دعمه “حزب الخضر اللبناني بدخوله معترك السياسة في الانتخابات النيابية المقبلة، بكل الوسائل المتاحة”، معتبراً ان” انتشار هذا الحزب على نطاق واسع في الشرق الاوسط وآسيا يمكن ان يساهم في رسم سياسات بيئية لمصلحة البلد من مختلف الجهات، ويمكن ان يقدّم فرص عديدة للشعب اللبناني”، ورأى ان “الايجابيات لا تقتصر فقط على لبنان، بل ان دخول حزب بيئي سياسي الى نظام الحكم في لبنان له نتائج ايجابية على الشرق الاوسط والعالم ايضاً”.
وتجدر الإشار في هذا المجال، إلى أن حزب “الخضر اللبناني” يستكمل مساهمته في تقديم الدراسات والحلول البيئية، خصوصا بعد أن شارك في مؤتمرات المناخ العالمية، وهو يسعى من خلال ذلك الى تقديم الحلول لكل المشاكل البيئية في لبنان، وبعد انضمامه الى قافلة الاحزاب العالمية بسرعة قياسية، رغم غياب الدعم السياسي الحقيقي وحتى الشعبي الكامل لهذا الحزب، فإنخ يمثل طموحات الشعب اللبناني الباحث عن مصلحة البلد سياسياً، انمائياً وبيئياً، بانتظار وصول أعضاء الحزب الى موقع القرار، علّ المشاكل البيئية تبدأ بالحلحلة بالسرعة التي انطلق فيها حزب “الخضر اللبناني” فوصل الى العالمية!

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This