نعيش وقع فضيحة بعد أيام قليلة من إعلان وزير البيئة فتح موسم الصيد في أيلول (سبتمبر)، عنوانها هذه المرة اختفاء طائر “لقلق” فوق الأراضي اللبنانية، يتابع رحلته أكثر من خمسمئة ناشط ومهتم من عدة دول اوروبية، ويرجح أنه قتل قنصا في ظل “الصيد الممنوع” من جهة، فضلا عن أن اللقلق من الطيور المحرم صيدها وفقا لقانون الصيد اللبناني من جهة ثانية.
والفضيحة فضحيتان، وهي استعادة لسيناريوهات سابقة مع لقالق بولونية ومجرية، استدعت منذ نحو ثلاث سنوات تدخل سفير بولونيا في لبنان، حماية لهذا الطائر الذي يعتبر “أيقونة” بيئية في دول أوروبا الشرقية، فضلا عن تدخل جمعيات بيئية ومراكز أبحاث مهمتها تتبع مسارات الهجرة الموسمية لهذه الطيور، حتى وصل الأمر بمجموعة تعنى بالطيور في أوروبا أن تطلق نداء إلى اللبنانيين، تقول فيه: “أوقفوا قتل طيور اللقلق؟”.
في ظل هذه الجريمة وما شهدناه قبل يومين من مجازر بحق الطيور المهاجرة في شمال لبنان، وبعد اعلان فتح موسم الصيد في ايلول (سبتمبر) المقبل، هل كان هذا القرار صائبا؟ ألم يكن الاجدر اشتراط وقف المجازر لفتح الموسم المقبل؟ هل ما رأيناه هو مجرد تغطية لصفقة أخرى على حساب الطيور لتقسيم حصص في موضوع التأمينات التي سيجريها الصيادون وتجار اسلحة الصيد والخرطوش ونوادي التدريب؟ من يقرأ جيدا ما جرى مؤخرا لا بد وان تراوده هذه التساؤلات. ولا بد من تحرك فعلي لضبط موضوع الصيد على الارض قبل افتتاح الموسم، خصوصا وان المجازر فاقت التصور.

لا معلومات ولا تفاصيل

المشكلة الماثلة حتى الآن، أن الغموض ما زال يكتنف مصير “تيسلا” طائر اللقلق الذي انطلق في رحلته في 15 حزيران (يونيو) 2016 وقطع مسافة كلم 11،141 ليسقط في بلدة بزال – قضاء عكار بتاريخ 8 نيسان (أبريل) 2017 خلال عبوره الاراضي اللبنانية، وهي تعتبر ضمن مسار رحلة اللقالق – وغيرها الكثير من أنواع الطيور – من أوروبا الى افريقيا وبالعكس. لم توضح بعد السلطات المحلية التي تابعت القضية، وحصلت على جهاز التتبع GPS الذي كان مثبتا على “تيسلا” أيا من التفاصيل أو المعلومات حول ما آل إليه مصيرها، هل ما تزال حية؟ وإن كانت حية فلماذا لا يعلن جهارا عن مصيرها؟ خصوصا وأن الأمر لا يقتصر على مصير طائر فحسب، وإنما يطاول هيبة الدولة وحضورها، ومدى احترام المواطنين لقراراتها، فضلا عن أن القضية هي إنسانية وأخلاقية ووطنية، دون أن ننسى أن سمعة لبنان حيال الصيد البري في الحضيض!
ومن هنا، تلح الأسئلة أيضا وتتوالى: كيف قضت تيسلا؟ هل قتلت أم هي محتجزة؟ وإن قتلت فمن قتلها؟ وأين الحلقات المرقمة التي كانت بقدميها؟ وما هي التفاصيل؟ وأين الـ “داتا” التي سجلها نظام التتبع الذي كان مرفقا بها؟ ومن ثم، هل سنحصل على اجابات؟
هذا ما ستكشفة الايام المقبلة، وهذا ما سيثبت مدى جدية الدولة في تطبيق القانون وعدم تركه حبرا على ورق، وهذا ايضا أقل ما نقدمه كبيئيين وناشطين ولبنانيين للمجموعات الاوروبية التي كلفها الامر وقتا ومالا ومشاعر غلب عليها الحزن حين انتهى كل شيء بسقوط “تيسلا” في لبنان.

التحالف اللبناني للمحافظة على الطيور

وفي سياق متابعتنا لهذه القضية، ومعرفة مصير “تيسلا”، قال “التحالف اللبناني للمحافظة على الطيور لـ greenarea.info: “تلقينا مناشدة من قبل احدى الاعضاء الـ 550 لمجموعة اصدقاء اللقلق الاوروبيين التي شرحت بأن (تيسلا) هي جزء من مشروع شركة SOS السويسرية لـ “اللقالق” البيضاء Swiss society for white stork، التي عثرت عليها العام الماضي في كرواتيا في Lonjesko polje-european 1st stork village، ويتابعها أكثر من مجموعة اوروبية لمراقبة الطيور في العديد من الدول الاوروبية”، ولفتت الى ان “(تيسلا) تحمل نظام تتبع بهدف البحث العلمي، ووضع خارطة لمسار هجرة هذه الطيور المعرضة للانقراض”، وأضافت بأن “الطيور أنهت هجرتها الشتوية في أفريقيا وخلال عودتها فقدت المجموعات الاتصال بها فوق شمال لبنان، كما طالبتنا كتحالف بالتحرك لمساعدتها في معرفة مصيرها ، وقد زودنا بمعلومات عن ان نظام التتبع بقي لعدة ايام يشير الى نقطة واحدة استطعنا تحديدها، وإعلام السلطات المحلية التي أوقفت شخصا وحققت معه، وحصلت على نظام التتبع”.
وأضاف التحالف: “طالبتنا بمساعدتها على استرجاع جهاز التتبع الذي سيزودهم بكامل المعلومات، وسعينا في هذا المجال لمساعدتها والمجموعات الاوروبية ، فأبلغنا وزارة البيئة بواقع ما حصل والمستجدات، واطلعنا السيدة كلودين عون روكز على تفاصيل المعلومات التي لدينا، ولكن الى الان لم نحصل على اثبات حسي ان (تيسلا) نفقت”.
وطالب التحالف “الاجهزة المعنية التي حققت في الموضوع اطلاعنا على مصيرها وتزويدنا بصور على الاقل للحلقات التي وضعت في ساقي (تيسلا)”، وأضاف: “اننا نشعر بالاسف حيال ما اصاب (تيسلا)، فقد آن الاوان لإتخاذ خطوات جدية لتطبيق القانون، فما يرتكب في لبنان كفيل بتشويه صورة اللبنانيين في اوروبا والعالم، وهذا الامر لا يليق بنا، ولا نستحقه بسبب وجود بعض الناس غير المبالين بالبيئة ولا يحترمون الطبيعة، ولا يكترثون للطيور وغيرها”.

بيان التحالف

وفي هذا الصدد أصدر التحالف بيانا جاء فيه أن “اللقلق الأبيض هو طائر مهاجر، وهو يتواجد في كافة أنحاء شمال أفريقيا وأوروبا، ويهاجر جنوبا عبر أفريقيا للإحتماء من شتاء الشمال، وتعتبر الهجرة رحلة خطيرة، ولكن من خلالها يمكن للقلق ان يجد وفرة في الغذاء، مكون في الغالب من الحيوانات الصغيرة والفئران والسحالي والثعابين والضفادع والحشرات”.
وأضاف: “أعطيت اللقالق أهمية ثقافية خاصة في العديد من البلدان حيث تولد، وأحد الأسباب هو أن الطيور بيضاء تماما، وهو لون مرتبط بالنقاء، وثانيا كونها تساعد المزارعين بالقضاء على الحيوانات التي تضر المحاصيل. فضلا عن أن السبب الرئيسي لأهمية اللقلق هو أنه يصل إلى أراضي التكاثر بداية الربيع ووقت عيد الفصح، ويرمز إلى ولادة جديدة، وفي العديد من البلدان في أوروبا يعرف اللقلق الأبيض بأنه رمز للحياة، ويظهر في العديد من الصور بجلب طفلا لأسرة. هذا الرابط قوي لدرجة أن العديد من مدارس الحضانة في إيطاليا وكرواتيا وصربيا تظهر اللقلق باسمها أو صورة على شعارها”.
في بلغاريا ينظر إلى اللقالق باعتبارها رمز الحظ الجيد الذي يجلب صحة جيدة، ويُمنع تدمير أعشاشها او إيذائها, وينظر إلى اللقلق أيضا رمزا للإخلاص والأسرة القوية. وفي العديد من البلدان الجرمانية وأماكن أخرى يعشش اللقلق على أسطح المنازل، وهو رمز للحظ السعيد، ويقوم المواطنون بالترحيب بالطيور لدى وصولها. في لبنان، وخلال القرن التاسع عشر كان قتل طيور اللقلق جريمة يعاقب عليها القانون، وفي إيران يتم تبجيل الطيور، وفي اليونان والمغرب كانت هناك مستشفيات لمعالجة اللقلق وإطعامه حتى يستعيد عافيته بما يكفي لإطلاق سراحه.

برسم الوزارات المعنية

وفي الثامن من نيسان (أبريل)، اتصلت احدى المجموعات المحبة للطيور بـ “التحالف اللبناني للحفاظ على الطيور” يبلغونهم بأن أحد اللقالق البيضاء قد فقدت في لبنان، أو بالأحرى الإشارة التي تظهر حركة الطائر قد توقفت في مكان ما، بين بلدتي برقايل وفنيدق، ما يثبت أن الطائر قد أصيب أو قتل، واسم الطائر تيسلا تيمنا بالعالم الشهير نيكولا تيسلا، وكان قد تم تثبيت جهاز تعقب بالطائر لمتابعة أخباره في رحلاته ودراسته من قبل مجموعات اوروبية”.
من خلال تتبع تقدم تيسلا يمكن للعلماء أن يعلموا أساليب حياة الطير وطرق عيشه (الطيور الأكثر شهرة في كرواتيا)، ويمكن للعلماء أيضا أن يتعلموا المزيد عن أماكن توقف هذه الطيور للتزود بالغذاء لإكمال هجرتها.
وبحسب البيان “في 10 نيسان (أبريل) 2017 علمنا أن اللقلق قد قتل من قبل أشخاص غير مسؤولين، كما أن العلماء الاوروبيون يشعرون بالضيق لأن الطائر قد فقد، فقد استثمروا الوقت والعاطفة في طيورهم, وبالنسبة إلى هذه المجموعات فإن اللقلق الأبيض هو رمز قوي، والجريمة توازي في لبنان قطع إحد شجرات الأرز الرمز الوطني”.
بالإضافة للاستثمار العلمي في الطيور، فهي أيضا عملية مكلفة جدا، ومن المرجح أن تتبع الطيور قد كلف العلماء في المنطقة 20 ألف دولار، وهذا في بلد لا يختلف كثيرا عن لبنان، ولكنه يولي أهمية لبيئته وطيوره.
تبقى الكثير من الأسئلة عالقة حتى الآن، وبدورنا نضعها برسم الوزارات المعنية لإجراء المقتضى والاقتصاص من الجاني، هذا إذا أردنا فعلا تنظيم ملف الصيد البري، أبعد من مجرد حملات وصخب إعلامي!

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This