يبدو أن “ممالك” النمل لا تختلف عن المجتمعات الإنسانية حين يدهمها خطر ويهددها خصوم من بني جنسها، فقد توصلت دراسة حديثة إلى حقائق لم نكن نعرفها من قبل عن عالم النمل الذي اقترن دائما بالتنظيم والجد والمثابرة في سبيل تأمين وتخزين غذائه، وتاليا ديمومة بقائه واستمراره.
ويشبه النمل سلوك النمل إلى حد بعيد سلوك جنود البشر في المعارك، فهو ينتظم في نسق قتالي، وتبدأ “المعارك” بين فصائل كبيرة وسوداء من النمل تتغذى على النمل الأبيض، وتعيش في أفريقيا جنوبي الصحراء في تشكيلات قتالية، وبعد “المعارك” تقوم بعد باستعادة رفاقها الجرحى ونقلهم إلى موطنها للتعافي.
وقدم علماء يوم الأربعاء 12 نيسان (أبريل) وصفا لسلوك الإنقاذ الفريد للنمل الأفريقي الذي يحمل اسم “ميغابونيرا أناليس” Megaponera analis بعد مراقبة النمل في “متنزه كوموي الوطني” Comoé National Park في ساحل العاج.
وبحسب “رويترز”، قال عالم الحشرات إريك فرانك Erik Frank من “جامعة فورسبورغ” في ألمانيا الذي قاد هذا البحث، ونشر في مطبوعة “سايس أدفانسز” journal Science Advances أن “هذا ليس سلوكا ينم عن إيثار”.
فرق استطلاع
وأشار فرانك إلى أن “النمل لا يساعد المصابين بدافع من طيبة قلبه”، لافتا إلى أن “هناك منفعة واضحة للمستعمرة”، وقال: “النمل المصاب يمكنه المشاركة مرة أخرى في هجمات مستقبلية ويظل جزءا فعالا في المستعمرة”.
ويتخصص النمل، الذي يصل طوله إلى حوالي سنتيمترين، في اصطياد النمل الأبيض ويستخدم استراتيجية مميزة للهجوم.
وتغادر فرق استطلاع المستعمرة بحثا عن مواقع النمل الأبيض، ثم تجند ما يقرب من 500 من رفاقها وتقودهم إلى النمل الأبيض في تشكيل يشبه الطابور.
ويقوم النمل الذي يصاب أثناء المعركة مع النمل الأبيض، ويفقد في بعض الأحيان أطرافا أو يصبح عاجزا عندما يتشبث به النمل الأبيض، بإفراز فرمونات كيميائية من جسده ليعلم رفاقه بأنه يحتاج للمساعدة.
وعندئذ يقوم النمل غير المصاب بحمل المصابين ونقلهم كما يحمل النمل الأبيض الذي هلك أثناء المعركة، ويعود إلى المستعمرة في نفس التشكيل الذي يشبه الطابور، ويسير إلى مسافات تصل إلى 50 مترا.
مصلحة المستعمرة
وبمجرد العودة للمستعمرة يقوم نمل آخر بإزالة النمل الأبيض الذي يكون متشبثا بالنمل المصاب. وبإمكان النمل الذي يفقد رجلا أو اثنتين من أرجله الستة أن يعدل حركته وكثيرا ما يستعيد القدرة على الجري مثل النمل الصحيح خلال 24 ساعة.
وشارك كل النمل الذي جرى إنقاذه تقريبا في هجمات لاحقة، وأحيانا بعد أقل من ساعة على الإصابة. وقال فرانك إنه مندهش لرصد هذا السلوك في سلالة لافقارية.
وقال: “بدا السؤال بشأن لماذا يطور (النمل) هذا النوع من المسلك التعاوني غير منطقي بالنسبة لي في البداية. بعد نظرة أكثر إمعانا أدركنا أن مصلحة الفرد، المتمثلة في إنقاذ المصاب، قد تصب أيضا في مصلحة المستعمرة، وأن الأفراد يمكن أن تكون لهم قيمة كبيرة بين النمل”.
وذكر فرانك أنه إلى جانب اكتشاف سلوك الإنقاذ بين أجناس من الرئيسيات مثل القرود، فقد تم رصد هذا السلوك أيضا في أنواع أخرى من الثدييات بينها الفيلة والفئران والدلافين.