من منا لم يعش وقع صدمة قاسية في حياته، عاطفية أو عملية أو حتى مادية، فإما نستوعبها ونتجاوزها بسلام، وإما تسيطر على حياتنا لتفقدنا التوازن النفسي، وعندها نهرب الى عدة وسائل علاجية سواء الادوية النفسية أو غيرها من العلاجات، إلا أن الأهم في هذه المسألة، نطرحه كسؤال: كيف يمكن ان نتخطاها دون تداعيات ليس فقط على الحالة النفسية، بل على الصحة الجسدية، خصوصا وانها تنذر بخطر الاصابة بالجرحة القلبية أو السكتة دماغية؟
الطب النفسي العلاجي
في هذا السياق، تحدث الأخصائي في الطب النفسي الدكتور مرام الحكيم عن اهمية الدعم النفسي للمصاب بالصدمة ايا كان نوعها، فقال لـ greenarea.info: “ان الصدمة بحد ذاتها كلمة قاسية عندما تقع على اي شخص، ولها تداعياتها السلبية على الصحة النفسية، انما اذا تحدثنا بالمعنى المجازي عن ما يسمى الصدمة الايجابية، فالمقصود منها التحفيز الايجابي، اي نواجه أمرا معينا بشكل ايجابي، بالمقابل ان كلمة صدمة تعني في الحقيقة أمرا سلبيا، وهي تؤثر على طاقة الانسان نفسيا وجسديا، وفي قدرته على التحمل، ويختلف ذلك حسب شخصية الانسان وتفاعله مع الآخر، إذ ان الصدمة لها انعكاسها السلبي على الجهاز العصبي، منها عدم النوم والقلق والاكتئاب، ولها علاج نفسي خاص في حال عجز الانسان عن ان يخرج من ازمة الصدمة، لان هناك اشخاصا قد مروا بتجارب قاسية، وعندهم القدرة على التحمل ايا كان نوع المصاعب، وآخرون لا يستطيعون التحمل وهم من فئة الاشخاص حساسي المشاعر، والامر ذاته بالنسبة للاطفال حيث يكون وقع الصدمة عليهم اقوى، وهذا ما يتطلب عناية ورعاية اكثر لهم”.
وتابع: “مع الصدمات، خصوصا العاطفية منها، يجب التركيز على العلاج النفسي قبل الدوائي، كون الدواء لا يشفي من تداعيات الازمة النفسية التي يعاني منها المريض، لانه بمجرد أن يتوقف عن العلاج الدوائي يعود الى حالته النفسية السابقة، بينما العلاج النفسي له ادواته للتخلص من الأزمات النفسية دون أن تعاود المريض، وهذا ما نركز عليه اليوم في الطب النفسي العلاجي”.
الصدمة انواع
وشدد الأخصائي في الطب النفسي الدكتور سمير جاموس عبر greenarea.info على أن “الصدمة انواع وكل واحدة منها لها علاجها”، وقال: “الصدمة انواع، منها اجتماعية وعاطفية وعملية حسب الظروف التي يمر بها الانسان، فليس كل انسان يعيش الحدث مثل غيره، وإنما حسب طاقته وقدرته على التحمل، وعلى سبيل المثال، هناك اشخاص يتأثرون بشدة بحادث وفاة، وآخرون يتجاوزونه بسلام، فالصدمة تؤدي إلى قلق واكتئاب، والعلاج يكون اما بالادوية النفسية أو بالعلاج النفسي من خلال التغيير السلوكي لتجاوز الحالة الصادمة بسلام، ومن المؤسف ان الصدمات كثيرة في لبنان، وعلى انواعها، خصوصا ترك العمل والمسائل العاطفية، ولكن قلة منهم يلجأون للعلاج خوفا من ان يقال عنهم مرضى نفسيين، فالصدمة لها علاقة بخلل في التوازن النفسي وعدم القدرة على استيعابها، كل ذلك يتوقف على شخصية الانسان، اما تكون الصدمة ايجابية فمن الممكن ان تعطي ردة فعل ايجابية كربح ورقة (لوتو)، أو سلبية تزيد من الأزمات النفسية، اي الضغط النفسي ما بعد الصدمة فتؤثر على صحة الانسان، وقد تؤدي في ما بعد الى جرحة قلبية، ووقعها السلبي لا يميز بين رجل وامرأة وحتى الطفل، ولكي نتخطاها بسلام علينا تكثيف عامل التوعية لمعرفة التعامل معها ولتجنب الردات السلبية”.
حسب شخصية الانسان
وقال الأخصائي في الطب النفسي الدكتور انطوان سعد لـ greenarea.info: “لا تصبح صدمة في الواقع الا عندما يقرأها الدماغ انها صدمة فعليا، كمثل ترك العمل، فمن المحتمل ان يتأثر الانسان أو لا يهتم، كل ذلك يتوقف على مدى تعلق الانسان بعمله، وعدا الشعور بالخوف والقلق على المصير، أو قد يشعر الانسان ايضا بصدمة في حال خسارة شخص عزيز على قلبه، كل ذلك يتوقف حسب كل شخص، كيف يفسر الحدث الذي يعيشه، فالدماغ يصور الحدث، إما يقدمه بحجم صغير أو كبير، فاذا كان حجمه كبيرا وسلبيا تكون هناك صدمة، واذا كان الحدث صغيرا وسلبيا تكون تجربة تمر مرور الكرام، اما اذا كان نوع الصدمة ايجابيا بحجم كبير وجيد فتنعكس عند الانسان فرحا كبيرا، واذا كانت الصدمة صغيرة في وقعها عندما تترجم في تجربة جيدة، ما يعني ان الحياة هي مجموعة من المتغيرات فيها الافضل والاسوأ، انما في النهاية نحن الذين نقرر كيف نتعامل مع اي حدث طارىء”.
تداعيات الحروب
من جهة اخرى، قال الأخصائي في علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري لـ greenarea.info: “لا شك ان الصدمة انواع منها العاطفية كترك الحبيب، وقد تؤدي الى الانتحار، عدا الصدمة المادية كخسارة مبالغ مالية مهمة وكل ما يملك، أو الحزينة جدا كوفاة قريب أو صدمة ترك العمل، الا ان الصدمة الكبيرة التي نواجهها بكثرة من اشخاص يعانون تداعيات الحرب، خصوصا من العراق وليبيا بكثرة وسوريا، اي عندما يتعرض الانسان خلال الحرب الى مشاهد مؤلمة كأن يرى حواليه جثثا وموتى فيتعرض لصدمة نفسية الكبيرة، عدا كوابيس ليلية وتوتر وغضب متواصلين، دون ان ننسى ان هناك نوعا من الصدمة في حال شهد الطفل أمه مع غير أبيه بفعل الخيانة، عندها تنعكس سلبا عليه في تراجعه في المدرسة واصابته بتأتأة وحالات حزن شديدة، كما وانه ليس هناك من فرق بين وقع الصدمة على الرجل والمرأة، لانه تبين لنا ان قدرة التحمل هي نفسها عند الاثنين، حتى ولو بدا الرجل انه اقوى جسديا من المرأة، الا ان الاهم هو تخطي كل ذلك بالعلاج النفسي السلوكي الادراكي، حيث نزود المريض النفسي ببعض التعابير المشجعة لكي يتقبل قدره بسلام، بهدف اعادة احياء التفاؤل لديه، اما الاضطرابات النفسية الكبرى فتحتاج الى علاج دوائي عند الطبيب النفسي المختص”.
الصدمة وسرعة نبضات القلب
وقال الأخصائي في امراض القلب الدكتور زيدان كرم لـ greenarea.info: “ان الصدمة النفسية تؤدي ليس فقط الى كآبة وانعزال، بل ايضا الى سرعة نبضات القلب التي تزيد من ارتفاع في ضغط، الدم فتتعب عضلة القلب، ما يؤثر بالتالي على الدماغ، كما وان المصاب بالصدمة يلجأ الى الانعزال، ويكره من هم حوله حتى المقربين منه متحدثا معهم بصوت حاد، لذا تجنبا لاي ردات فعل صحية معاكسة عليه، فلا بد من ان يخضع لعلاج نفسي”.