تواجه بلدة تربل البقاعية مشروعاً يهدِّدُ بيئتها وطبيعتها الزراعية، دون مراعاة لصحة ومستقبل أبنائها ولمعايير السلامة العامة، مع إنشاء مسلخ للدجاج مخالف تماماً لتصنيف المنطقة، ويتعارض مع ما تنص عليه القوانين، ما يفضي إلى تساؤلات تبقى إلى الآن دون إجابات واضحة، مع بدء العمل بالإنشاءات من قبل (إ. ج).
فمن أعطى الترخيص؟ ومن تحايل على القانون؟ وكيف انطلق العمل فيما لا تزال القضية عالقة بين الوزارات المعنية والإدارات الرسمية؟
قبل محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد من الإشارة إلى أننا نعيش في ظل الفساد المستشري، ونواجه تبعاته أبعد من تربل، وأبعد من البقاع، وسط مشاريع يُسوقُ لها برعاية بعض من هم في مواقع القرار والمسؤولية، وإن اقتضى الأمر التزوير ودفع الرشى، والأمثلة كثيرة، من الكسارات والمرامل إلى ومصادرة الشواطىء وردم البحر لصالح مكبات النفايات، مرورا بفضيحة ملف الصيد البري، وصولاً إلى ما يخطط له على مستوى السدود والترويج لمحارق النفايات وغيرها الكثير من مشاريع تهدد مستقبل اللبنانيين، وتشوه بيئتهم وتستهدف صحتهم.
وبحسب ما توافر من معلومات لـ greenarea.info، فقد تم تمرير الملف إلى بلدية تربل ليحظى بالموافقة، إلا أن ثلاثة من أعضاء فضحوا ما كان يخطط له، ورفعوا كتابا إلى الجهات المعنية يصرحون فيه انهم تعرضوا للغش، مؤكدين أنه لم ترد في الاوراق التي قدمت لهم كلمة (مسلخ)، فضلا عن أن ليس ثمة ما هو واضح في مجال الترخيص للمسلخ من قبل وزارة الصحة، خصوصا وأن لا شبكات للصرف الصحي في البلدة، ما يعني أن أي دراسة للأثر البيئي من المفترض أن تلحظ هذا الأمر، فالملوثات السائلة التي ستنجم عن مسلخ الدجاج، ستلوث مياه الينابيع والآبار الجوفية، وستهدد ليس صحة المواطنين فحسب، وإنما مصدر رزقهم الأساس، أي الزراعة التي تشكل مصدر الدخل الأول لأبناء البلدة.
الرامي: دراسة الأثر البيئي غير موثوق بها
وفي هذا الإطار، أشار إبراهيم الرامي لـ greenarea.info إلى “اننا كأبناء بلدة تربل عارضنا البدء بإنشاء المصنع وتحويل المنطقة الى صناعية خلافا للقوانين”، لافتا إلى “اننا تقدما بشكوى ونواجه وحدنا وزارة الصحة”، ولفت إلى أن “رخصة البناء الصادرة من المحافظ تشترط وجود صرف صحي، ومن المعروف ان القرى بمجملها بدون تنظيم لوضع الصرف الصحي فلا مجاري ولا قنوات، وهذا يعني ان ما سينتج من المسلخ من مياه ودماء ومخلفات ستذهب في الارض وتلوث مياهنا”.
وأكد الرامي أن “المنطقة تصنيفها زراعي، وهناك دراسة اجرتها الامم المتحدة جاء فيها أنه من الممكن تحوليها للصناعات الى فئة ثالثة وما دون، ولا يمكن تحويلها لصناعات فئة ثانية وأولى، ولدينا كتاب واضح من وزارة الصناعة بهذا الخصوص، فيما المصنع مصنف فئة ثانية”.
وإذ أشار إلى أن “وزارة البيئة لم تعط ترخيصا”، أكد الرامي أن “دراسة الأثر البيئي غير موثوق بها، وتحمل الكثير من الغش التقني والقانوني”.
وقال: “لم تحصل اي دعوة عامة للاهالي حول المشروع، واقتصرت الدعوة على نشرها في ثلاث صحف، واهل البلدة طبعا لن يتلقوا دعوة من صحيفة، وذكرت الدراسة الاجتماع عقد في بلدية تربل، بينما الصور واضحة بأن الاجتماع عقد في شركة احد المنتفعين من هذا المشروع وهو رئيس بلدية سابق، وقد حصل على توقيع 6 اشخاص من اصل 15، هم موظفون في شركته و3 غرباء عن البلدة وباقي التواقيع من عائلته”.
كارثة بيئية
وأضاف الرامي: “وكان لافتا للانتباه في هذا الاجتماع غياب مندوب وزارة البيئة، مع ان هذا الشرط الزامي، كما ان الدراسة وكالعادة تبدو رائعة، ولكن فعليا وعلى الارض لا يمكن تطبيقها، فالفلاتر مثلا التي تحدثت عنها الدراسة اذا طبقت بنفس المواصفات المذكورة ستشكل خسارة للمستثمر، وهذا رأي بعض المهندسين الذين استشرناهم في موضوع الدراسة، وكذلك الامر بالنسبة لخزانات الدماء والتخلص من النفايات الصلبة باستعمالها سمادا للارض وهذا مخالف للقوانين، ووزارة الصحة اعطت تصريحا بناء على كشف اجراه الدكتور محمد الحاج حسن مع انه غير مكلف بعمليات الكشف، وهو طبيب قضاء بعلبك، وحصل ذلك لأسباب نجهلها، لأن المكلف عادة يكون رئيس مصلحة الوقاية أو على الاقل طبيب قضاء زحلة”.
وطالب “وزير الصناعة الدكتور حسين الحاج حسن التعامل مع ملفنا من موقع أنه يحق لنا الاعتراض، ويحق لنا المشاركة التي حرمنا منها”، وطالب أيضا “بإعادة دراسة المشروع والنظر لقضيتنا فالمنطقة زراعية تنتج اهم البطاطا الوطنية، بالاضافة الى الخضار وايضا هناك كروم العنب التي تستعمل في صناعة النبيذ المحلي”.
وأردف الرامي: “تعتمد هذه الزراعات في الري على الآبار الجوفية، والمسلخ لا يبعد عن أهم آبار البلدة مسافة 12 مترا، اي انه بجوارها مباشرة، وانشاء هذا المعمل في هذه المنطقة كارثة بيئية، وسيلوث مياهنا ويقضي على زراعاتنا ولن يفيدنا المعمل حتى بتشغيل اليد العاملة فكلنا يعلم انه سيتم استقدام عمال اجانب، وهذا ما نراه في مختلف المجالات”، وأكد أن “قضيتنا ليست شخصية مع أحد أو ضد أحد، كل ما يهمنا ان نحافظ على بلدتنا وبيئتنا”.
مساعد: تلويث الآبار الجوفية
من جهته، عرض عضو المجلس البلدي طوني مساعد لـ “عمليات التزوير والاحتيال على القانون”، لافتا إلى “اننا نحن ثلاثة أعضاء لم نكن موجودين في الجلسة وزورت تواقيعنا، فضلا عن أن هناك تواقيع لأعضاء سجلوا غائبين، دون إغفال أنه كانت هناك رشوة”.
وقال مساعد: “كنا بصدد العمل تصنيف منطقة صناعية فئة ثالثة وما دون، ووزارة البيئة تستمهلهم سنة أشهر حتى استيفاء الشروط، وأول بند عدم وجود صرف صحي فأين سيذهبون بالمياه؟ لافتا إلى أن “محطة التكرير ستلوث آبارنا الجوفية، وهناك 50 بئرا تشكل عصب الزراعة في البلدة، فضلا عن وجود بئر يرفد أبناء تربل بمياه الشفة وسيكون أيضا عرضة للتلوث”، وأشار إلى “اننا نصدر إنتاجنا الزراعي إلى كل لبنان، ومع هذا المشروع لا يعود بإمكاننا تسويق إنتاجنا”.
ولفت مساعد إلى “اننا تقدما بطعن لدى المراجع المختصة حول تواقيعنا المزورة”، وقال: “إن الآبار الموجودة لعشرة آلاف نسمة، ومصب المياه يقدر بنحو 200 ألف ليتر ستصب يوميا في الأرض وستلوث مياه الشفة ومياه الري”.