تشدد الدراسات المتعاقبة على ان عملية الاحترار المناخي يسببها البشر، فيما يعارض بعض الحكام وعلى رأسهم الرئيس الاميركي دونالد ترامب هذه المقولة، الا ان خبراً جديداً قد يبدّد آمال المعارضين ويجعلهم فعلاً تحت أمر واقع بأن الانشطة البشرية هي المسبب الرئيسي للتغيرات المناخية.

فبعد الـ 4.5 مليار عام الماضية التي كانت فيها للعوامل الفلكية والجيوفيزيائية تأثيرات مهيمنة على النظام الأرضي، نشر موقع “نيو ساينتس” أحدث الدراسات التي تشير الى تطوير الباحثين معادلة رياضية تؤكد أن تأثير النشاط البشري على الارض مسؤول عن التسبب في التغير المناخي بنسبة 170 مرة أسرع من القوى الطبيعية، مشددة على ان الانشطة البشرية الآن تنافس قوى الطبيعة العظمى في الدفع باتجاه تغييرات في نظام الارض.

للانطلاق في اساسيات هذه المعادلة، اشار الخبراء الى انه على مدى العقود الستة الماضية، دفعت القوى البشرية بمعدلات سريعة الى تغيير في نظام الارض، الامر الذي أدى الى الفترة المتعارف عليها باسم “الانتروبوسين”.

فكان التحدي الكبير يتمثل في امكانية ترجمة هذا الواقع الى معادلة رياضية تبسّط آلية فهم الحقيقة، فاعتبر القيّمون على الدراسة أن القيام بذلك يخلق بيانا لا لبس فيه للمخاطر التي تواجهها المجتمعات الصناعية في الوقت الذي يكون فيه العمل حيويا. خبير تغير المناخ، الباحث في الجامعة الوطنية الاسترالية البروفسور ويل ستيفن، وشريكه بالبحث أوين جافني من مركز ستوكهولم درسا تلك المعادلة التي سميت بـ “معادلة الانتثروبوسين” لتحديد أثر هذه الفترة من النشاط البشري المكثف على الأرض. وتم الاعتماد على معدل التغير في نظام أسس الحياة على الأرض، مثل: الغلاف الجوي والمحيطات والغابات والأراضي الرطبة والممرات المائية والصفائح الجليدية والتنوع البيولوجي. ولمدة 4 مليارات سنة كان معدل تغير نظام الأرض وظيفة معقدة من القوات الفلكية والجيوفيزيائية بالإضافة إلى الديناميات الداخلية: مدار الأرض حول الشمس، والتفاعلات الجاذبية مع كواكب أخرى، خروج حرارة الشمس، واصطدام القارات والبراكين والتطور.

فاشار ستيفن الى ان القوى الفلكية والجيوفيزيائية، في المعادلة، تميل إلى الصفر بسبب طبيعتها البطيئة أو النادرة، كما تفعل الديناميات الداخلية في الوقت الراهن. كل هذه القوى لا تزال تمارس الضغط، والى الآن تبدو تلك الطبيعة أقل من تأثير الإنسان، وأكّد ستيفن أن هذه القوات دفعت معدل التغير من 0.01 درجة مئوية في القرن، إلى 1.7 درجة مئوية في القرن.

وفي حين بدأ العالم يسجّل أشد السنوات حرارة منذ بدء السجلات عام 1998، فإن الامر تعدى الطبيعي جراء انبعاثات الغازات المسببة لـ”الاحتباس الحراري” التي تسبب فيها الإنسان على مدى السنوات الـ 45 الماضية. فتوصّل الى ان هذا الامر يمثل تغييرا في المناخ 170 مرة أسرع من القوى الطبيعية.

وفسّر ذلك بالقول: “إن معدل انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي هو الأعلى في 66 مليون سنة، عندما تراجعت الديناصورات (غير الطيرية)”.

وقد دفع الفقدان المذهل للتنوع البيولوجي في العقود الأخيرة الباحثين في عام 2015 إلى القول بأن الأنثروبوسين يمثل المرحلة الثالثة في تطور الغلاف الحيوي للأرض، وذلك انطلاقا من المرحلة الميكروبية قبل 3.5 بليون سنة والانفجار الكمبري قبل 650 مليون سنة.

ورغم عدم انكفاء فعالية القوات الفلكية من نظامنا الشمسي أو العمليات الجيولوجية، الا ان تأثيرها بات أخف بكثير مقارنة مع تأثير البشر على الارض بفترة زمنية قصيرة، فكان الاستنتاج العام التوصّل الى ان أن معدل التغير في نظام الأرض على مدى السنوات الأربعين إلى الخمسين الماضية هو مجرد وظيفة من المجتمعات الصناعية.

كدليل حسّي، تحدث جافني عن ان “ظاهرة النينيو الضخمة التي شهدها العالم عام 2016 حدّت من شدّتها ظاهرة النينيا”، الامر الذي يعني برأيه ان التوازن الذي حققته الظاهرة الطبيعية يجعل من صافي معدّل التغيير في نظام الارض الناتج عن العوامل الطبيعية أمرا محدودا على مدى عقد من الزمن.

تطرّق جافني في هذا المجال الى تداخل العصور في بعضها البعض، متخوّفاً من عدم توضيح الامر في المستقبل، وشدد على انه: في حين أن معدل التغير في نظام الأرض يحتاج إلى الانخفاض إلى الصفر في أقرب وقت ممكن، فإن السنوات القليلة المقبلة قد تحدد مسارا لآلاف السنين.

وبينما اعتبر جافني، ان الكرة الارضية، لضمان استمرارية الحياة فيها تحتاج الى “تنمية اقتصادية تعمل على تخزين الكربون وليس نشره، تعزيز التنوع البيولوجي بدل تدميره، وتنقية المياه والتربة بدل تلويثها”، رد بشكل غير مباشر على الرئيس الاميركي ترامب، واسف بأن تظهر كافة تلك الادلة التي تشير الى مخاطر جذرية في وقت جيوسياسي صعب يتم التشكيك خلاله في وجهات النظر العالمية القائمة على الحقائق.

واشار في النهاية الى ان “الحرب اليوم على الوقائع المعروضة ليست مقبولة، وبالتالي، فإن الجهل وعدم اليقين لم تعد أعذاراً عقلانية للتقاعس عن العمل لاجل غد أفضل”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This