تستضيف جزيرة مالطا منذ مطلع الاسبوع الجاري، ورشة العمل الرابعة لمبادرة ديلوس التي تهدف الى دراسة المناطق الطبيعية المحمية ذات الطابع الديني في سياق جهود اللجنة العالمية للمناطق المحمية (CMAP)، وهي إحدى اللجان التابعة لـ “الاتحاد العالمي لصون الطبيعة” IUCN من أجل حماية المناطق الطبيعية. وتتمثل مهمة هذه اللجنة في تعزيز إنشاء شبكة عالمية ممثلة للمناطق المحمية البرية منها والبحرية. وتقوم هذه اللجنة بإدارة قاعدة البيانات العالمية للمناطق المحمية وتهتم بتسجيل وتصنيف المناطق المحمية حول العالم، بمساعدة اتحاد قاعدة البيانات العالمية للمناطق المحمية. ويعمل على تنفيذ “مبادرة ديلوس” منذ انطلاقتها عام ٢٠٠٦ ثيميو بابايانس من جمعية MedINA اليونانية وجوزيف ماريا مالاراش من جمعية  Silene الاسبانية.

ويأتي انعقاد ورشة العمل الرابعة لمبادرة ديلوس بعد ثلاث ورش سابقة، الاولى عقدت في اسبانيا عام ٢٠٠٦، والثانية في اليونان عام ٢٠٠٧، والثالثة في فنلندا عام ٢٠١٠. وتساهم في تنظيم ورشة العمل الرابعة “جامعة مالطا”، حيث تسلط الضوء بشكل اساسي على المناطق الطبيعية ذات الطابع الديني الاسلامي أو التي تحمل طابعاً دينياً متعدداً.

ويعتقد المدافعون عن البيئة انه لا يمكن تحقيق اي من الاهداف المتعلقة بالتنوع البيولوجي في المناطق المحمية، إلا عن طريق التكامل والتنسيق في تنفيذ مجموعة من التعهدات الدولية التي برزت في العام 2015، وهي: خطة التنمية المستدامة لعام 2030، و”إطار عمل سينداي” للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015–2030، والخطة الاستراتيجية للتنوع البيولوجي 2011–2020، واتفاق باريس في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

وتعد مالطا نقطة تلاقي افريقيا مع اوروبا، ويوجد فيها آثار إسلامية عديدة، تمثلت في المساجد والقصور ذات الطابع المعماري الإسلامي، ولا تزال في مالطا مساجد عديدة. وهي تحوي على تنوع ثقافي وحضاري، ويوجد فيها مواقع اثرية تعود الى حقبات ما قبل التاريخ. ولقد مر عليها الجلموديون والفينيقيون والقرطاجنيون، وسجن فيها القديس بولس قبل ان يقطع رأسه، وكان مروره بالجزيرة سبباً في تحولها الى المسيحية. وتعاقب على حكم مالطا الرومان والاغريق والبيزنطيون والوندال والقوث والبليساريون والنورمانديون والعرب الأغالبة والفاطميين والبربر والافرنج والعثمانيين وفرسان القديس يوحنا والبريطانيين. لكن الجزيرة بقيت عصية على ان تكون لأحد دون سواه من الذين مروا عليها، ولا تزال كما هي بقعة صغيرة في البحر المتوسط تفتح ذراعيها لكل من يأتيها.

ويتمثل موضوع اليوم الدولي للتنوع البيولوجي لعام ٢٠١٧ في “تعميم التنوع البيولوجي والسياحة المستدامة”. ويعبّر هذا الأمر تعبيراً قوياً وجلياً عن الرؤية المبيّنة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وكذلك في اتفاق باريس بشأن تغير المناخ. وترمي هذه الرؤية إلى وضع برنامج واحد لرسم مسار جديد للناس والسلام والكوكب للسنوات الخمس عشرة المقبلة.

وتعتبر السياحة الدينية على رأس قائمة السياحات التي تتداخل مع السياحة البيئية ذات الطابع المستدام، لكون المواقع الطبيعية ذات البعد الديني المرتبط بديانة محددة أو بعدد متنوع من الديانات غالباً ما تكون مناطق محمية وذات غنى ايكولوجي فريد.

ناقشت ورشة عمل مالطا مروحة واسعة من هذه المواقع ذات الطابع الاسلامي بشكل خاص وأبرزها، الموقع المقدس لدائرة الكرامات في كايب تاون في جنوب افريقيا. وتعد المساجد والكرامات جزءا هاما من ارث جنوب أفريقيا. كذلك عرضت تجربة البكْتاشيَّة وهي طريقةٌ صوفيَّة تُرْكيَّة تُنْسَب إلى الحاج بِكْتَاش وَلِيّ، في منطقة كبادوكيا وهي ابرز المناطق التاريخية في الاناضول، ومدرجة على مواقع اليونيسكو للتراث العالمي.

ومن قيرغيزستان Kyrgyzstan البلاد التي تحضن كل روائع آسيا الوسطى، عرضت تجربة “جبل سليمان”، وهو من مواقع التراث العالمي ويقع في مدينة أوش، وهو مقصد الزوار المسلمين من قيرغيزستان وخارجها. وينسب المزار الموجود فيه الى النبي سليمان حيث يقال إنه مدفون في هذا الجبل. ومن الأساطير الشائعة بين أهالي قيرغيزستان، أن النساء إذا ما صعدن الى الجبل للزيارة ينجبن أطفالاً أصحاء. ووفقا لمنظمة اليونسكو، يعتبر جبل سليمان مثالاً متكاملاً لـ “الجبل المقدس” في وسط آسيا حيث احتفظ هذا الجبل بمكانته لبضعة آلاف من السنين. ويقع على قمة الجبل مسجد بُني على يد بابر عام 1510، وأُعيد ترميمه أواخر القرن العشرين.

كذلك عرضت تجربة منطقة جبل Rumija في جنوب مونتينيغرو. الدولة الفتية التي أعلنت استقلالها عن صربيا عام 2006، يبلع فيها عدد المسلمين نسبة خمس العدد الإجمالي للسكان. ويقوم اتباع القديس يوڤان ڤلاديمير بزيارة سنوية الى هذا الجبل حيث يعد المزج الحضاري والثقافي والديني من ابرز خصائص هذه البلاد.

وتمثل بحيرة لارنكا ثاني أكبر بحيرة مالحة في قبرص حيث تبلغ مساحتها 2.2 كلم2، وفي عام 1997 تم إعلانها كإحدى المناطق المحمية بمقتضى القانون القبرصي لحماية وإدارة الطبيعة والحياة البرية بموجب توجيه الموائل الأوروبية، فضلا عن كونها أحد أهم البيئات الحيوية والموائل الأوربية للطيور المائية إضافة الى اهميتها البيئية. وتبين وفق المداخلة التي قدمت عن هذا الموقع خلال ورشة ديلوس انها تحوي ايضاً قيماً دينية حيث يوجد فيها موقع للقديس Lazarus اضافة الى تكية هالة سلطان التي تعتبر مزاراً اسلامياً من حقبة الاسلام الوسيط، وتقع الى جانب مسجد أم حرام في الجزيرة المتوسطية.

ومن مالطا عرضت تجربة موقع الفريد للمقابر التي تعود الى الحقبة المتأخرة للعصر الحجري الحديث (9000 – 4500 قبل الميلاد) أو العصر النيوليثي، وهي من ضمن قائمة أفضل ستة مواقع مصنفة من قبل منظمة اليونيسكو. ومن السعودية عرضت تجربة الحمى والحرمين والدور الذي لعبته منذ بدايات العصر الاسلامي الى اليوم.

تجربة حمى عنجر- كفرزبد في البقاع شرق لبنان، عرضت ايضاً في الورشة. وتعد هذه الحمى واحدة من ١٨ موقعاً عملت جمعية حماية الطبيعة في لبنان على اعلانها حمى بالتعاون مع البلديات والمجتمعات المحلية. وتتميز عنجر باحتضانها السكان الأرمن الذين قدموا اليها في اعقاب الحرب العالمية الثانية وسكنوا بالقرب من الموقع الاثري الشهير الذي بناه الامييون والمعروف بقلعة عنجر. كما تمتاز حمى عنجر – كفرزبد بتنوع فريد على مستوى التنوع البيولوجي حيث تضم مناطق رطبة فريدة، ويجري فيها نهر الغزيّل الذي يعد احد اهم روافد الليطاني والذي لا يعاني من التلوث بسبب نظام ادارة المياه.

ويركز قرار صادر عن مؤتمر الاتحاد العالمي لصون الطبيعة في العام ٢٠١٢ اعلى أهمية تعزيز ودعم إدارة الموارد المحلية والمحافظة عليها من خلال مشاركة المجتمع كأساس للتنمية المستدامة، والمعروفة بنظام الحمى. ويتضمن القرار أسماء مختلفة عن مساهمة المجتمع في الحفاظ على الموارد الطبيعية. على سبيل المثال: الحمى، المهجر، أكدال، كوروك، وآدات. وتشمل المواقع التي تدخل في نظام الحمى العديد من المواقع ذات الطابع الديني المقدس بالنسبة لديانة واحدة او لعدد من الديانات.

ومن المغرب عرضت تجربة المزارات ومن ضمنها موقع جبل الريف، فضلا عن نظام الاغدال في جبال الاطلس. اضافة الى تجربة الزوايا والتكيات الصوفية في صربيا التي تتميز بتنوع ثقافي وديني فريد. وثمة إقرار بأن التنوع اللغوي يرتبط بطريقة أو بأخرى بالتنوع البيولوجي.

ويؤدي فقدان التنوع البيولوجي إلى زعزعة أسس الثقافات المحلية ويخل بتطورها وبما لديها من شعور بالانتماء إلى مكان محدد. وتقوم مجتمعات أصلية ومحلية عديدة برسم ملامح التنوع البيولوجي وبإدارته من خلال أنشطتها وتنظيمها الاجتماعي. وتؤدي نظم حيازة الأراضي وإدارتها، وكذلك المعارف والدراية، دوراً مهماً جداً في الحفاظ على النظم الإيكولوجية الطبيعية.

كما عرضت في الورشة طرق تصنيف الاتحاد العالمي لصون الطبيعة للمحميات، حيث هناك محمية طبيعية متكاملة وهي منطقة محمية لأغراض علمية أو من أجل حماية الموارد البرية، ومنطقة برية محمية من أجل حماية الموارد البرية، وحديقة او منتزه وطني وهي منطقة محمية تهدف لحماية النظام البيئي أساسا إضافة إلى أغراض ترفيهية، ومنطقة تراث طبيعي وهي محمية خُصصت لحماية المعالم الطبيعية الخاصة، ومنطقة لإدارة الموائل أو الأصناف مخصصة أساسا للحماية مع التدخل في إدارة شؤونها، ومنظر طبيعي أو بحري محمي وتهدف بشكل رئيسي لضمان الحفاظ على المناظر الطبيعية أو المناظر البحرية، وهي أيضا ذات أغراض ترفيهية، ومناطق محمية لإدارة الموارد البشرية وتهدف أساسا لغرض الاستعمال المُستدام للنظم البيئية الطبيعية.

وتشمل مواقع التراث العالمي بموجب قرارات اليونسكو 197 موقعاً طبيعياً و31 موقعاً مختلطاً تُعد أمثلة استثنائية على تطور الحياة، وتاريخ كوكب الأرض، وأساليب صون التنوع البيولوجي البري والمائي والبحري. ويُضاف إلى هذه المواقع 631 معزلاً من معازل المحيط الحيوي في 119 بلداً، تشمل جميع أنواع النظم الإيكولوجية الرئيسية تقريباً.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This