طوال السنوات الاخيرة، اعتبرت مادة البلاستيك العدو الاساسي للبيئة، للحيوانات البحرية وكذلك البرية، وبالتالي، فإن الدراسات حول أضرارها لا تعد ولا تحصى، والوسائل المقترحة على مستوى الدول لمعالجة هذه المشكلة، تُعلق عليها الآمال للتخفيف من نتائجها السلبية.
أكثر المشكلات وأخطرها، انتشار القطع البلاستيكية في مياه البحار، وتسببها باختناق عدد كبير من السلاحف والأسماك، الامر الذي يجعل من هذه المادة سبباً من الأسباب التي قد تؤدي إلى انقراض أنواع عدة من الكائنات البحرية.
ورغم صغر مساحة المحيط المتجمد الشمالي، وسيطرت الجليد على القسم الاكبر منه، الا ان دراسة صدرت مؤخراً دقت ناقوس الخطر حول اضرار البلاستيك، فقد نشرت مجلة advanced sciences دراسة جمعت 12 باحثاً من جامعات منتشرة في مختلف دول العالم، من الدانمارك، فرنسا، اليابان، هولندا، المملكة العربية السعودية، إسبانيا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الاميركية، وكشفت أن مئات الأطنان من البلاستيك تدمر المحيط المتجمد الشمالي، وتلحق ضررا كبيرا بالكوكب.
في التفاصيل، انه في عام 2013، وكجزء من رحلة مدتها سبعة أشهر حول المحيط المتجمد الشمالي، وثق العلماء على متن السفينة البحثية “تارا” انتشار قطع صغيرة من البلاستيك في بحر غرينلاند وبارنتس.
ووصف الباحثون القطب الشمالي بـ “الطريق المسدود” للنفايات البلاستيكية العائمة الملقاة في المحيط الأطلسي قبالة أوروبا والولايات المتحدة، قائلين إن هذه النفايات قد اجتاحت تيارات المحيط إلى “المقبرة القطبية”، وهي مجرد بداية الهجرة البلاستيكية إلى المياه في القطب الشمالي.
وجدت الدراسة الاستقصائية التي أجرتها بعثة Tara Oceans circumpolar، والتي أخذت عينات من 42 موقعا في القطب الشمالي، أن هناك مئات الآلاف من القطع البلاستيكية الصغيرة في كل كلم مربع في منطقة شمال شرق المحيط الأطلسي، وكان الكثير من البلاستيك على ما يبدو قديما جدا، وقد كان عائما شمالا من أوروبا وأميركا الشمالية.
أحد الباحثين المشاركين في الدراسة ومدير مركز أبحاث البحر الأحمر في جامعة العلوم والتكنولوجيا في المملكة العربية السعودية، كارلوس دوارتي علّق على هذا الامر، قائلاً: “لقد مضى حوالي 60 عاما منذ أن بدأنا باستخدام البلاستيك الصناعي، والاستخدام والإنتاج آخذ في الازدياد منذ ذلك الحين. لذلك، فإن معظم البلاستيك الذي تم التخلص منه في المحيط لا يزال الآن في طور العبور نحو القطب الشمالي”.
في هذا الاطار، قدّم الباحثون خريطة تظهر تنقّل البلاستيك بين المحيطات وتمركزها في اماكن معينة (الصورة مرفقة مع الموضوع).
الدراسة التي قادها أندريس كوزار من “جامعة كاديز” في إسبانيا، توصّلت الى ان إجمالي البلاستيك العائم في المياه الخالية من الجليد في المحيط المتجمد الشمالي، يتراوح بين 100 و 1200 طن تقريبا، من بينها 400 طن تتكون من 300 مليار منتج بلاستيكي كتقدير متوسط المدى، بحسب ما ذكره معدو الدراسة، فضلاً عن توقعاتهم بأن يكون هناك عدد هائل من تلك القطع البلاستيكية في قعر البحار.
وأشار كوزار إلى أن “99 بالمئة من البلاستيك العائم في القطب الشمالي كان محصورا في بحر غرينلاند وبيرينغ، وكان التلوث البلاستيكي في بقية الدائرة القطبية الشمالية منخفضا أو غائبا”.
اما الدليل الحسي على ان هذه النفايات البلاستيكية قد انتقلت بفعل التيارات البحرية، فهو، اولاً وجود عدد صغير جداً من السكان في القطب الشمالي، الامر الذي يستبعد فكرة تلوث المحيط من قبل السكان، فضلاً عن ان حالة البلاستيك التي عثر عليها وحجمها المتناهي الصغر يدلّ على انها سافرت عبر البحار ولعقود طويلة تعرّضت فيها للتكسّر.
وقال دوارتي: “إن القطع البلاستيكية تعرضت للشمس وتجزّأت إلى جسيمات أصغر حجما، وأدت في نهاية المطاف إلى هذا البلاستيك الصغير، وهذه العملية تستغرق فترة لا تقل عن سنوات وقد تصل الى العقود.
وأظهرت الدراسة أن التلوث قرب غرينلاد وفي بحر بيرينغ شمال النرويج وغرب روسيا، كان أعلى بكثير مما كان متوقعا في المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة، وكشفت عن كيفية امتداد التلوث الذي يسببه الإنسان حتى إلى أجزاء نائية من العالم. وخلصت الدراسة الى إن هناك “قلقا خاصا” حول تأثير البلاستيك على الحياة البرية القطبية الهشة، فضلا عن تسرب النفايات إلى قاع البحر حيث يمكن أن تبقى هناك إلى الأبد.