“سد الفرات مهدد بالانهيار” موضوع تصدّر عناوين الاخبار والصحف وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي منذ آذار (مارس) من العام الجاري 2017، وأرفق الحديث في حينه بإنذارات من تنظيم “داعش” الذي سيطر على السد من جهة، وبصرخة مدير “المؤسسة العامة لسد الفرات” نجم صالح من جهة ثانية، وقد نقل عنه قوله إن السد “تعرض لضرر كبير نتيجة غارات التحالف الدولي، الأمر الذي يهدد الحياة بشكل كامل في محافظتي الرقة ودير الزور، وصولاً إلى الداخل العراقي”، كما حذرت الأمم المتحدة في شباط (فبراير) من فيضان كارثي في سوريا في حال انهار سد الفرات.
يبدو ان الجهات المسؤولة لم تتحرّك منذ ذلك الحين وحتى الآن، وبات خطر الانهيار يشكّل تهديداً أكبر في الايام القليلة المقبلة. ففي التقرير السابع حول وضع السد الذي تضعه دورياً مجموعة مهندسي سد الفرات، تم اختصار واقع الحال بالعنوان المرصود للتقرير، وهو “سد الفرات… ايام معدودة تفصلنا عن الكارثة”.
في تفاصيل التقرير، وضع المهندسون العالم والجهات المسؤولة – كما المنظمات الدولية – امام مسؤولياتهم اللحفاظ على السد ومنع وقوع الكارثة التي سبق وأن حذروا منها لانقاذ ملايين الارواح المهددة. فمنذ احتراق غرفة العمليات والتحكم في سد الفرات بتاريخ 26 آذار(مارس) 2017، وخروج تجهيزات السد عن الخدمة وارتفاع منسوب المياه في بحيرة الفرات، أصبح خطر الكارثة يزداد يوماً بعد يوم.
وأكد مهندسو الفرات أن المعلومات المائية الواردة من “سد تشرين”، خلال يومي 24-25 نيسان (أبريل) تشير إلى أن الوارد المائي من تركيا 420 – 468 مترا مکعبا/ثانية، وأنه نظراً لعدم ثبات الوارد المائي من “سد تشرين”، فقد تطور الوضع ليصبح معدل الزيادة في منسوب سد الفرات بين 3 إلى 4 سم يومياً.
واشاروا الى أن المنسوب الحالي لبحيرة سد الفرات حتى تاريخ إعداد البيان (28 نيسان/ابريل) هو 303.30 م عن مستوى سطح البحر، بزيادة قدرها حوالي 86 سم خلال الشهر الماضي، أي بزيادة تقريبية قدرها 3 سم يومياً.
أما أحدث المعلومات التي حصلوا علیها، فتشیر إلی أن منسوب المياه في بحيرة سد الفرات يوم 27 نيسان (أبريل) هو 303,30 م، بزيادة 4 سم عن اليوم السابق، وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه “سنصل إلى المنسوب الأعظمي للتخزين في البحيرة 304 م عن سطح البحر خلال أقل من عشرين يوما.
في هذا الاطار، يقول الباحث والخبير بشؤون المياه في الشرق الاوسط صاحب الربيعي لـ greenarea.info: “إن العمر الافتراضي لسد الطبقة السوري (اي الفرات) نحو 80 عاماً ـ وقد دخل السد الخدمة الفعلية عام 1975 ـ أي مضى على إنشائه نحو 42 عاماً، بما يزيد قليلاً على نصف عمره الافتراضي، وبذلك يتطلب صيانة أكبر وعلى نحو مستمر. وكما هو معلوم، فإن المجموعات الارهابية تسيطر على السد منذ ما يزيد على الثلاث سنوات وجرى تخريب معظم منشآته، ولم تجر الصيانة المطلوبة خلال هذه الفترة، وبحساب رياضي بسيط: السد تجاوز نصف عمره الافتراضي مع عدم وجود الصيانة مدة ثلاث سنوات، وبالتالي فإن الافتراض بأن كل سنة من عدم الصيانة يقلل من عمر السد ثلاث سنوات يعني أن عمر السد أصبح افتراضياً يزيد على خمسين سنة، أي بما يزيد على نصف عمر السد”.
من هذا المنطلق، وبحيث ان السياسة تلعب دوراً كبيراً في تلك الازمة، يشير الربيعي الى ان “تركيا لها خبرة كبيرة في بناء السدود وصيانتها، وتدرك جيداً أن عدم الصيانة الدائمة والمستمرة لأي منشأة مائية، خصوصا السدود يقلل عمرها الافتراضي، ويؤثر سلباً في حجم خزينها المائي، وبالتالي العمر الافتراضي للسدود، وكلما تقدم السد بالعمر تقل جدواه الاقتصادية، لذلك يتطلب مزيداً من الصيانة للحفاظ على جدواه الاقتصادية، وفي مراحل متأخرة من العمر الافتراضي – لبعض السدود – تصبح كلفة الصيانة أعلى من الجدوى الاقتصادية فيجري إعدام السد كما هو الحال في حملة الاعدامات المستمرة لبعض السدود في الولايات المتحدة الأميركية”.
ويشدد في هذا الاطار على ان “التوصيفات العامة لسد الفرات تعرفها تركيا التي دعمت المجموعات الإرهابية ووجهتها لتخريب المنشآت الحيوية في سوريا، وتدرك كل من سوريا والعراق أن تركيا تستخدم سلاح المياه على نحو خفي ضدهما، وحالما تستكمل منظومة سدودها على النهرين ستشهر سلاحها علناً ضدهما”.
أما الخلاصة، فسياسية بامتياز بحسب الربيعي الذي اشار الى ان “المجموعات الارهابية لو طلبت تركيا منها تفجير سد الفرات ستفجره، حينها ستتحمل تركيا دولياً تبعات ذلك كونها الراعية والداعمة للمجموعات الإرهابية في سوريا، لذلك تعد لهذا السيناريو – انهيار السد – على نحو يبدو أنه كارثة طبيعية جراء عدم الصيانة وتدمير منظومات السد وبواباته من قبل المجموعات الإرهابية لأنه من ضمن أجندتها بعيدة المدى”.
في محصّلة الحديث، ومهما اختلفت الاسباب الكامنة وراء الاهمال المستمر لسنوات لسد الفرات، استغرب الربيعي “الصمت الدولي – خصوصا منظمات حقوق الإنسان – على احتمال انهيار السد والتسبب بأضرار كبيرة للمنشآت والسكان في سوريا والعراق”.
واستند الى اتفاقية جنيف لحقوق الإنسان المادة 54 ـ البروتوكول الأول، البند 1، 2 ـ والمادة 14 من البروتوكول الثاني والتي نصّت على: “حظر اتخاذ تجويع المدنيين أسلوباً من أساليب الحرب وحظر مهاجمة مخازن الأغذية، والمناطق الزلزالية، ومرافق مياه الشرب، وشبكات الري ومنشآتها والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين أو تدميرها أو نقلها أو تخريبها”.
وجاء في البرتوكول الثاني المادة 15: “لا تكون الأشغال الهندسية أو المنشآت ذات الأخطار المحتملة – السدود، والجسور، والمحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية – عرضة للهجوم حتى لو كانت أهدافاً عسكرية، إذ من شأن هذا الهجوم التسبب بانطلاق قوى ذات مخاطر كبيرة تؤدي لخسائر فادحة بالسكان المدنيين”.
وخلص الربيعي الى اننا ربما نحتاج أن نكون أكثر صراحة لنقول أن “الصمت الدولي ليس صمتاً عن عجز وإنما هو صمت عن مؤامرة دولية ضد سوريا والعراق، ومن المؤسف أن تكون دول عربية مشتركة بهذه المؤامرة الدنيئة ضد شعبي البلدين المذكورين”.
للاسف، بتنا في زمن تدفع فيه البيئة اثماناً باهظة لسياسات استراتيجية، امنية، إقليمية ودولية، ويبدو ان استعمال البيئة وما يرافقها من كوارث اقتصادية بات السلاح الأقوى، وثمة من لا يتوانى عن توظيفها في الصراعات الاقليمية والدولية!