تشهد أجواء لبنان مجازر تطاول الطيور المهاجرة وبصورة غير مسبوقة، وتابعنا في موقعنا greenarea.info العديد من التحقيقات في هذا المجال، ولوحظ أن هذه الحالات تزداد شمالا وبشكل كبير، وفي هذا السياق لبى الناشط البيئي البولوني إيريك كالوغا Irek Kaługa والناشطة البيئية Magdalena Zynda من منظمة Grupa ekologiczna البولونية دعوة “جمعيّة الأرض – لبنان” في منطقة بعبدا – جبل لبنان، بهدف التوعية في هذا المجال.
وكان موقعنا greenarea.info قد نشر مقالات عدة حول هذا الموضوع، آخرها رسالة مؤثرة كتبها المواطن الكرواتي Stjepan Vokić بريشة ذكر طائر اللقلق “كليبتان” Klepetan إلى رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، مناشدا إياه انفاذ القوانين المحلية والدولية بهدف منع قتل واحد من “أفراد” عائلته، وهو كليبتان الذي يهاجر سنويا دون أنثاه مالينا Malena المصابة في جانحها ولا تستطيع الطيران وقطع رحلة الهجرة السنوية نحو جنوب أفريقيا، وتبقى لدى Stjepan Vokić ليعتني بها خلال فترة الشتاء إلى حين عودة وليفها.
مؤتمر علمي في البلمند
وقال كالوغا: “تعتبر مسافة الـمئتي كيلومترا فوق لبنان الأخطر على طول المسافة التي تقطعها الطيور المهاجرة”، وقد استوقفت هذه العبارة التي علق بها على الفيلم الكرتوني القديم الذي يبث في بولونيا منذ عشرات السنين.
واشتمل برنامج زيارة الفريق البولوني المكون من كالوغا والناشطة البيئية Magdalena Zynda في يومه الأول على زيارة إلى مدارس في زغرتا والضنية مع الناشط البيئي ميشال صوان، وعرض هذا الفيلم الكرتوني على أكثر من 500 طالب في الشمال بهدف التوعية وتثقيف الجيل الجديد على ضرورة المحافظة على هذا الطائر الجميل الذي يحاول الناشطون في شرق أوروبا المحافظة عليه، تبعها لقاء مع الناشطين البيئيين في مركز الجمعية في بعبدا حيث تم عرض الفيلم الكرتوني وتوزيع نسخ منه على الناشطين.
أما في اليوم الثاني فتم عرض الفيلم على طلاب المعهد الأنطوني في بعبدا، تبعه مداخلة في المؤتمر العلمي البيئي في “جامعة البلمند” في سوق الغرب، ومن ثم زيارة إلى محمية أرز الشوف، فورشة تدريب لأساتذة المدارس في مقر الجمعية في بعبدا، ومن بعدها كانت زيارة إلى مركز التعرف على الحيوانات البرية The Animal Encounter في مدينة عاليه، تبعها لقاء وداعي مع السفير البولوني في بيروت.
الحفاظ على هذه الطيور الجميلة
وأشار كالوغا لـ greenarea.info إلى أن ” البولونيين يعتبرون اللقالق فأل خير ورمزا للربيع ومصدرا للرزق للمنزل الذي يعششون فيه، حيث يستقبلهم المواطنون والناشطون في شهر آذار (مارس) من كل عام بعد عودتهم من هجرتهم السنوية إلى أفريقيا، ويجهز العديد منهم إطارات السيارات والأعشاش، ويعيدون تنظيفها لحماية الصغار من السقوط من العش الذي عادة ما يكون على أسطح المنازل والأشجار والمداخن وحتى على أعمدة الكهرباء، كونهم يمثلون الحياة الجديدة، وفي الفولكلور الأوروبي فهم يجلبون الأطفال للعائلات”، وناشد “اللبنانيين حماية هذه الطيور خلال مرورها فوق لبنان”، لافتا إلى أنه “يعشش في بولونيا حوالي 45 ألف زوج منها من أصل 140 ألف حول العالم”.
وأضاف كالوغا: “تطورت وسائل المتابعة لهذه اللقالق من التوعية والتثقيف عبر افلام مثل ما عرضناه اليوم، إلى المتابعة على وسائل التواصل الإجتماعي باعتماد كاميرات الهواتف النقالة، ونتابع كناشطين حاليا حوالي 9 آلاف زوج، وقد وضعنا في أرجلها علامة عبارة عن سوار أو سوارين أحدهما صناعة ألمانية، والآخر منتج محليا بهدف تجربته، ويساهم حوالي ألفي طالب من مدارس بولندا بمصروفهم خلال العام لتوفير السوار المعرف لكل من هذه اللقالق”.
وقال: “اللقالق في بولونيا موجودة في كل مكان، في الأفلام والقصص والتماثيل الدينية، خصوصا تمثال للقديس فرنسيس الذي يعتبر قديس الطبيعة، ونعمل في بولندا على قص العشب والسهول ليتمكن من اصطياد وتناول الحشرات والزواحف والبرمائيات، ويتواجد قرب المسطحات المائية ليتناول الأسماك، ويعبر مسافة 9000 كيلومترا عبر بلاد عدة، منها مصر والسودان وسوريا وفلسطين المحتلة ولبنان ويعتبر مروره بلبنان والـ 200 كيلومترا التي يقطعها فيه الأخطر في في طريقه إلى أفريقيا، وقد يقطع 600 كيلومترا في اليوم خصوصا في أجواء أفريقيا، ولا يمكننا تمييز الذكر عن الأنثى إلا خلال التزاوج، وعادة ما تكون الأنثى أصغر”، وطلب من اللبنانينن في الختام “الحفاظ على هذه الطيور الجميلة لتعود إلى أعشاشها بخير بعد مرورها في الأجواء اللبنانية”.
أبي راشد: اللقالق وسد بسري
وفي هذا السياق، أشار رئيس “جمعية الأرض” بول أبي راشد إلى أن “المجازر تطاول هذه الطيور الجميلة في كافة مناطق لبنان، لذا شملت زيارة الفريق البولوني محطات عدة في منطقة الضنية وعكار، فضلا عن منطقة بعبدا، وتوجه إلى طلاب المدارس بفيلم الكرتون للتوعية في مجال الحفاظ على هذه الطيور التي تعتبر جزءا من التراث البولوني، وينتظرها البولونيون كل ربيع، ويجهزون لها الأعشاش ويحافظون عليها، ويشجعون طلاب المدارس للمشاركة في عملية الإحصاء بالتبرع بجزء من مصروفهم لوضع (أساور) لها”.
وقال: “ولكن في لبنان ثمة تعديات عديدة وآخرها لجهة إنشاء السدود، خصوصا سد بسري، حيث ترتاح هذه الطيور من سفرها الطويل قرب المكان المزمع فيه إنشاء هذا السد في المنطقة التي تسمى المرج”، وأضاف: “الجمعيات اليئيية ضد هذا السد وغيره لأسباب علمية عدة وبناء على آراء الخبراء والباحثين في هذا المجال، منها: الخطر على السلامة العامة كون هذه المنطقة نشطة زلزاليا، خصوصا فالق روم، وطبيعة الأرض الكارستية التي لا تجمع المياه، والقضاء على الأراضي الزراعية وهي المنتجة لـ 80 بالمئة من محصول الفريز (فراولة) في لبنان، فضلا عن القضاء على الإرث الثقافي في هذه المنطقة الغنية بالآثارات، وضرر هذا السد البيئي، والتهجير القسري لمئات العائلات من المنطقة”.
ولفت أبي راشد إلى أن “الفريق البولوني وقف إلى جانبنا في قضية (لا للسدود)، بعد أن تأكدوا من الأضرار المحدقة التي تطاول المنطقة لجهة البيئة والتراث والخطر الزلزالي، لا سيما أن مرج بسري يعتبر من المناطق ذات التنوع البيولوجي الفريد من نوعه، ومن الموائل القليلة الباقية لراحة هذه الطيور المهاجرة الجميلة وغيرها والباقية في لبنان، وقد نفقد عددا كبيرا من هذه الطيور بسبب الجهد وعدم راحتها وتزودها بالغذاء في المنطقة التي تعد من أجمل المناطق في لبنان، خصوصا أن هناك بدائل عدة لتوفير المياه منها الآبار العديدة حول العاصمة”.