في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، فاجأ علماء في مجالي البيئة والصحة العالم أجمع، عندما أكدوا أن الخطر الأكبر الذي يتهدد البشرية ليس السلاح النووي، وإنما من البكتيريا والفيروسات، وإذا ما عدنا إلى التاريخ نجد كم حصدت الفيروسات نتيجة أمراض ملايين البشر في أربع جهات الأرض، وإذا ما واكبنا الجهود التي يبذلها العلماء في التصدي للفيروسات والبكتيريا، لجهة قدرتها عن تطوير مناعتها تجاه الأدوية والمضادات الحيوية، فضلا عن إمكانية ظهور أنواع جديدة من الفيروسات قد لا يتمكن العالم من احتوائها، فقد تبدو هذه المخاوف مشروعة، وربما يصبح الكوكب بأسره في “حجر صحي”.
ومن ينسى حقائق مرعبة عن الطاعون والجدري والسل وغيرها من الأمراض المعدية، خصوصا وأن هذه الأمراض قد تعاود مهاجمة الإنسان بطرق مختلفة، وقد نكون في مواجهة أمراض لا عهد لنا بها من قبل أيضا، فضلا عن أن قدرة المضادات الحيوية على منع نمو البكتيريا والفيروسات محدودة إلى حد كبير، إذ أصبحت أعداد متزايدة من سلالات بكتيرية مقاومة للعلاج بالمضادات الحيوية.

مخاوف مبررة

في سياق متصل، طرح علماء فرنسيون فرضية تعرضنا لهجوم من البكتيريا والفيروسات القاتلة المخبأة منذ آلاف السنين أو تلك التي لم تصادفنا من قبل، وذلك فى سياق تحذيرهم من الآثار المحتملة للتغيرات المناخية التي ستؤدي إلى ذوبان الجليد المتجمد منذ آلاف السنين، ويحوي فيروسات وبكتيريا قديمة، ستستيقظ من سباتها، وتعود إلى الحياة من جديد، بحسب تقرير نشرته شبكة “بي بي سي” البريطانية، يوم الخميس 4 أيار (مايو) الجاري.
تبدو هذه المخاوف مبررة، ففي العام 2016 كشفت الحالات المسجلة حديثاً لـ “الجمرة الخبيثة” في أقصى الشمال الروسي حجم التهديد الصحي المتصل بذوبان التربة الصقيعية، وهي أراض جليدية تضم فيروسات قاتلة بعضها متجمد منذ آلاف السنين، وسط تساؤلات عن إمكان ظهور أمراض خطرة مثل الجدري مجدداً بفعل الاحترار المناخي.
ويعرف العلماء منذ زمن بعيد الأثر المأساوي الذي يحمله ذوبان الجليد في التربة الصقيعية – وهي في الغالب أراض متجمدة في شكل دائم في العمق – في أنماط الحياة والأنظمة البيئية.
وعانى سكان شبه جزيرة يامال (على بعد 2500 كيلومتر شمال شرقي موسكو)، وبحسب “وكالة الصحافة الفرنسية” في تقرير نشرته في آب (أغسطس) الكاضي، فإن إحدى التبعات الملموسة للغاية لهذا الذوبان، وفاة طفل وإصابة 23 شخصاً بسبب ظهور مرض “الجمرة الخبيثة” في نهاية تموز (يوليو) الماضي، بعد 75 عاماً على تسجيل آخر الحالات من هذا المرض في المنطقة.
ويعزو العلماء سبب ظهور هذه الحالات مجدداً إلى ذوبان الجليد عن جيفة غزال “رنة” قضى بسبب الجمرة الخبيثة قبل عقود عدة. وبعد إطلاق هذه البكتيريا القاتلة، وهي عامل مسبب للأمراض وينتشر بسهولة على شكل خلايا تكاثر “لا جنسي” معروفة بـ “الأبواغ”، أصابت قطعاناً من غزلان الرنة المنتشرة في المنطقة.

فيروسات لم تكن معروفة سابقا

وحذر العلماء أنه مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض، سوف يذوب المزيد من الجليد التجمد، وبحسب “وكالة الأناضول”، قال عالم البيولوجيا التطورية، جان ميشيل كلافيري في جامعة “إكس مارسيليا” في فرنسا: “إن الجليد يشكل بيئة مناسبة جدا لحفظ الميكروبات والفيروسات”.
وأضاف: “تبقى الفيروسات المسببة للأمراض التي يمكن أن تصيب البشر أو الحيوانات في الطبقات الصخرية القديمة، بما في ذلك بعض الأمراض التي تسببت فى أوبئة عالمية في الماضي”.
وأشار إلى أنه في أوائل القرن العشرين وحده، توفي أكثر من مليون رأس بسبب الجمرة الخبيثة، ولم يكن سهلا حفر مدافن عميقة، لذلك تم دفن معظم هذه الحيوانات بالقرب من السطح، ويبلغ عددها حوالى 7000 مدفن شمال روسيا، لذلك فالخطر الكبير يكمن تحت التربة المجمدة.
وفي مشروع بدأ تسعينيات القرن الماضي، اختبر علماء من مركز أبحاث علم الفيروسات والتكنولوجيا الحيوية في “جامعة نوفوسيبيرسك الروسية”، عينات من جثث الرجال الذين لقوا حتفهم خلال الأوبئة الفيروسية في القرن التاسع عشر ودفنوا في التربة الصقيعية الروسية.
ووجد الباحثون قروحا مميزة للعلامات التي تركها الجدري فى الجثث، ورغم أنهم لم يجدوا فيروس الجدري نفسه، لكنهم اكتشفوا شظايا من الحمض النووي للفيروس.
وفي شباط (فبراير) 2017، أعلن علماء وكالة “ناسا” أنهم وجدوا حوالي 14 نوعا مختلفا من الجراثيم والكائنات الدقيقة والفيروسات التي لم تكن معروفة سابقا في مجال العلوم.
كما وجدوا أن هذه الكائنات عاشت في بيئة معزولة لمدة أكثر من 60 ألف سنة، وقد عثروا على هذه الكائنات في بلورات من الكريستال في كهف بالمكسيك.

فيروس عملاق

وفى دراسة أجريت عام 2005، نجح علماء وكالة الفضاء والطيران الأميركية “ناسا” في إحياء بكتيريا كانت مغطاة في بركة مجمدة في آلاسكا لمدة 32 ألف سنة.
وفى 2014، تمكن باحثون فرنسيون من جامعة “إكس مارسيليا” من إعادة فيروس عملاق مجهول للحياة بعد أن ظل متجمدا في الجليد على مدى نحو 30 ألف سنة.
وشرح الفريق البحثي أن الفيروس الذي أطلقوا عليه اسم “بيثو فيروس سايبركوم” يصيب أنواعا معينة من الأميبيا، التي تعيش داخل الأمعاء بشكل طفيلي أو متعايش.
والفيروسات العملاقة هي فيروسات كبيرة مثل البكتيريا، ويمكن رؤيتها باستخدام ميكروسكوب ضوئي.
وكان العلماء يعرفون حتى الآن مجموعتين مختلفتين جدا من الفيروسات العملاقة، وهي مجموعة “ميغا فيروس” التي يندرج تحتها نوع واحد من الفيروسات وهو “ميجا فيروس شيلينسس”، والثانية مجموعة “فيروسات باندورا”، ولم يتم الكشف عن هاتين المجموعتين سوى قبل نحو 10 سنوات.
وبحسب عالم البيولوجيا التطورية، جان ميشيل كلافيري، يظل الخطر الكامن حول التهديدات بذوبات الجليد غير معروف بشكل كبير، لكنه يظل موجودا، خصوصا فى ظل ظهور أنواع من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
وأضاف كلافيري أن هناك خطرا آخر للتغيرات المناخية لا بد من الالتفات إليه، وهو عندما تزداد حرارة الأرض، ستنتشر أمراض مثل الملاريا والكوليرا وحمى الضنك، بشكل كبير، حيث تزدهر هذه الأمراض في درجات حرارة أكثر دفئا.
وفى كانون الثاني (يناير) 2017، أصدرت وكالات أرصاد دولية عدة، تقارير تفيد بأن عام 2016 شهد أعلى متوسط درجات حرارة بالنسبة لكوكب الأرض منذ عام 1880، عندما بدأ تسجيل الأحوال المناخية للأرض.
وبدأ تسجيل الارتفاعات القياسية لدرجات حرارة الأرض عام 2005، ثم 2010، و2014، و2015، و2016.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This