ناقش الطبيب الأخصائي في الغدد الصماء والسكري عند الأطفال روبرت لوستيغ Robert Lustig، توجه إدارة البيت الأبيض والرئيس الأميركي دونالد ترامب لحرمان ملايين الأميركيين المصابين بداء السكري من التأمين الطبي، بحجة أن أسلوب حياة هؤلاء الأشخاص، وتناولهم وجبات فقيرة بالمغذيات وعالية السعرات الحرارية أدت إلى إصابتهم بهذا الداء.
وكان موقع greenarea.info قد نشر مقالا تناول فيه ما تبناه لوستيغ عن مساهمة السكريات في وباء البدانة في الولايات المتحدة الأميركية، ما ساهم بأمراض، منها داء السكري وأمراض القلب والشرايين خصوصا لدى الأطفال، وهي حرب شنها لوستيغ على السكري كسبب رئيسي للبدانة المتفشية خصوصا لدى الأطفال والناشئة، بالإستناد إلى ملاحظاته السريرية الخاصة والإحصاءات والملاحظات والأبحاث المتطورة لمجموعة كبيرة من العلماء، بهدف اعتبار الإدمان على السكر من قبل العموم يوازي خطورة التبغ والكوكايين وربما أكثر.
وأشار لوستيغ في تحديث لمنشور له على موقع التواصل الإجتماعي Facebook أن “سياسة تجارة الأعمال روجت لاستعمال السكريات في الطعام، ثم يلومون الضحايا؟”، وأضاف “ألقوا القبض على المروجين لهذه التجارة (التي شبهها بتجارة المخدرات) بدلا من القبض على الزبائن”.
استهلاك أكثر
وكان لوستيغ قد فسر الأمر في مجلة “الأتلانتيك” The Atlantic أن “مركز المتعة في الدماغ الذي يسمى نواة أكومبنز Nucleus accumbens، ضروري لبقائنا، إلا أنه عندما تُستهلك أي مادة بشكل يقارب الإدمان، بما في ذلك السكر، فإن نواة أكومبنز تتلقى إشارة من مادة الدوبامين، وهي تحقق نوعا من المتعة، وهكذا نتجه للاستهلاك أكثر، والمشكلة هي أنه استهلاك السكر لفترات طويلة، فإن الإشارة تضعف، لذلك عليك أن تستهلك أكثر للحصول على نفس التأثير، أو ما يسمى بقدرة أو جرعة التحمل أو Tolerance، وإذا أردت التراجع عن المادة، تذهب إلى حالة الإمتناع عن المادة الإدمانية Withdrawal وتشكل عمليتا التحمل والإمتناع حالة الإدمان”.
وقد يلعب هرمون “الليبتين” Leptin دورا في حالة الإدمان، وهو هرمون تفرزه الخلايا الدهنية الموجودة في الأنسجة الدهنية، يرسل إشارات إلى الدماغ، هذا الهرمون يساعد على تنظيم وتغيير طريقة تناول الطعام على المدى الطويل وتوزيعه بهدف إنتاج الطاقة، وليس فقط من وجبة واحدة إلى أخرى، فالتصميم الأساسي لـ “اللببتين” هو مساعدة الجسم على الحفاظ على الوزن.
و… إدمان
أشارت الإحصاءات في الولايات المتحدة إلى أن الوفيات نتيجة الإدمان على الهيرويين Heroin ما دون 12 ألف شخص، والكوكايين Cocaine ما بين 5 و6 آلاف شخص، إلا أن حالات الوفاة نتيجة الإدمان على المشروبات التي تحتوي على السكريات فقط، فاقت الـ 25 ألف شخصا، وقدر معدل ما يستهلكه الأميركي العادي من السكر بـ 19 ملعقة شاي يوميا.
دراسة
وفسرت دراسة في المكتبة العامة للعلوم the Public Library of Science مدى الإدمان على السكر، وفيها عرّضت مجموعة من الجرذان للإدمان على الكوكايين، ثم خُيرت بينه وبين السكر، ووجدت الدراسة أن 94 بالمئة من الجرذان اختارت السكر، لأن للسكر تأثيرا يفوق الكوكايين على الدماغ، وهذا ما يُلاحظ لدى البشر أيضا!
ويعتقد الباحثون أن المستقبلات للمواد السكرية في الدماغ البشري تطورت في وقت لم تحتوي فيه الوجبات الغذائية على كل هذه الكمية من السكر، كما أنها لم تتكيف بعد مع مستوياتنا الحديثة من استهلاكه، ونتيجة لذلك، فإن هذه المستقبلات بعد الحصول على ما فوق الإشباع من طاقتها من الأغذية المصنعة المحتوية على السكريات، تطلق كميات غير طبيعية من “الاندورفين” أو المواد الكيميائية التي تشعرنا بالسعادة، لذا فعندما يحاول شخص الحد من إدمانه على السكر، فإن الأمر يمكن أن يكون صعبا، يشبه الإقلاع عن المخدرات.
ويدرك مصنعو المواد الغذائية بذكاء كيفية عمل الدماغ، وبالتالي يشبعون منتجاتهم بالسكر المكرر وأشكال السكر المخفية بهدف الربح، فمثلا، أرباح شركة كوكا كولا الضخمة تقدر بالمليارات وغيرها الكثير.
فيديو الإدمان على السكر
https://www.youtube.com/watch?v=aCUbvOwwfWM&feature=youtu.be
التأمين الصحي
بالعودة إلى التأمين الصحي في الولايات المتحدة، فقد كشف رئيس “مكتب الإدارة والميزانية” Office of Management and Budget في البيت الأبيض ميك مولفاني Mick Mulvaney مرة أخرى عن نهج الجمهوريين لجهة الرعاية الصحية، بحجة أن بعض مرضى السكري ببساطة لا يستحقون التأمين الصحي، بسبب الكيفية التي تكوّن بها المرض في أجسامهم.
وجاء ذلك بعد فشل مولفاني في اختبار اقترحه المقدم الكوميدي والمنتج جيمي كيميل Jimmy Kimmel في ما يعرف بـ”اختبار جيمي كيميل” Jimmy Kimmel test حول قضية إبن كيميل الذي عانى من حالة خلقية في القلب، واحتاج إلى مبالغ كبيرة لعلاجه، وهو القادر باعتباره مليونيرا، فماذا حول حرمان العائلات التي غير القادرة على دفع مصاريف التأمين الطبي من الخدمات الصحية؟ وقال كيميل حينها جملته التي انتشرت وتبادلتها مواقع على الإنترنت “لا ينبغي للوالدين اختيار ما إذا كان بإمكانهم إنقاذ حياة طفلهم!”.
وفي هذا المجال، أشار مولفاني في “منتدى الضوء” في “جامعة ستانفورد” Stanford University، إلى انه يعتقد بضرورة “المساعدة على توفير (شبكة أمان) بحيث إذا كنت تعاني من مرض السرطان لا ينتهي بك الأمر في نهاية المطاف مفلسا”، ولكن ميز تلك الحالات من الحالات الأخرى ووصفها بـ “الرعاية الصحية العادية”، وبأن هذا هو “صلب النقاش”، وأضاف: “إن هذا لا يعني أننا يجب أن نحرص على الشخص الذي يجلس في المنزل، يأكل بطريقة سيئة ويعاني نتيجة ذلك من داء السكري، هل هذا هو نفس الشيء الذي يختاره جيمي كيميل؟ لا اعتقد ذلك”.
وجاء رد “الجمعية الأميركية لداء السكري” سريعا وذكرت في بيان: “إن تعليقات مولفاني تكرس صفة وصمة العار التي تبناها مولفاني وأن مرضى داء السكري يختارونها على أساس أسلوب حياتهم”، وأضاف البيان: “كل الأدلة العلمية تشير إلى أن داء السكري يتطور من مجموعة متنوعة من عوامل الخطر، وأهمها الوراثة باعتبارها السبب الرئيسي”.
وبموجب معيار مولفاني، يجب إجراء فحص لعادات المريض الغذائية وكيفية بداية إصابتهم بالمرض قبل أن يتسنى تحديد ما إذا كانوا يستحقون التأمين الصحي أم لا، وفي هذا الوقت، فعلى الناس أن يعانوا أو يموتوا من مرضهم.
وينص قانون الرعاية أيام أوباما على ضرورة تغطية الأشخاص الذين يعانون من ظروف موجودة مسبقا مثل مرض السكري بأسعار معقولة، دون أن يلقى باللوم عليهم أو يطبقون نوعا من اختبار تحقيقي لمعرفة ما إذا كانوا يستحقون العلاج.
أما النظام الذي يدافع عنه ترامب، ورئيس مجلس النواب بول رايان، والحزب الجمهوري من شأنه أن يعمق شبكة الأمان ويسهم في سوء الصحة والموت، من أجل تبرير مواقفهم المنافقة والتظاهر بالورع، بينما يقترحون في الحقيقة أن إصابة الناس بالمرض تقع على عاتقهم وعليهم لوم أنفسهم فقط!