في ظل صمت عربي ودولي مميت، اليمنيون يحتضرون، والحياة باتت شبه مستحيلة في بلد ان لم يخسر مواطنيه بغارات جوية او قصف مدفعي، فهو يودّعهم بسبب حمى الضنك او الكوليرا او لاسباب صحية متعددة.
فمنذ بدء الحصار السعودي في العام 2015، واليمن ينازع بكل قراه ومحافظاته ويحارب التردي الملحوظ للوضع الصحي، في ظل عجز تام للسلطات المحلية والحكومة عن مواجهة التحديات التي يواجهها القطاع الصحي وإيجاد الحلول العاجلة للمشكلة الصحية في تلك المحافظات.
انذارات بالجملة منذ تاريخ ما قبل الحصار، عن كارثة انسانية تلوح في الافق واوّل بوادرها المجاعة وسوء التغذية، وانتشار الاوبئة القاتلة والسريعة الانتشار بسبب تلوّث المياه والغذاء. وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 21 مليون شخص، أي حوالي 82 بالمئة من السكان، هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ويواجه 7 ملايين منهم المجاعة.
أزمة تلوّث المياه ليست جديدة بل فاقمتها الازمة السياسية والامنية المستجدّة، فقد بينت دراسات علمية عديدة جرت منذ العام 2000 ان تلوث المياه الجوفية يعد أحد أكبر المشكلات البيئية التي تواجه اليمن، إلى جانب تلك الاخرى الناتجة عن حالة النمو الاجتماعي والاقتصادي التي شهدتها البلاد خلال الربع الاخير من القرن الماضي.
في العام 2012، حذّر تقرير البرلمان اليمني من ان مناطق عديدة في اليمن تعاني من تلوث المياه، مشيراً الى ان 73 بالمئة من الآبار الجوفية الملوثة تنذر بتلوث حوض صنعاء المائي. وأظهر التقرير أن عدد الآبار الملوثة تصل إلى 11 بئراً، حيث ثبت ذلك من خلال النتائج التحليلية للعينات المأخوذة منها، ولاحظت اللجنة البرلمانية انعكاس التلوث سلبياً على صحة وحياة الساكنين والمزارعين، وعدم كفاءة الحلول والمعالجات التي تبنتها الحكومة لتحسين أداء محطة المعالجة.
وبينما حذرت منظمة “اليونيسف” في آذار (مارس) 2014، من مخاطر تلوح في الأفق بانتشار وباء الكوليرا والإسهال المائي الحاد، والأمراض الأخرى المنقولة عن طريق المياه في اليمن، اشارت منظمة “اوكسفام” الدولية الى هول الازمة في العام 2015، حيث ان الحصار ونقص الوقود منذ بدء الحرب في اليمن أسفر عن قطع المياه الصالحة للشرب عن ثلاثة ملايين شخص، ليرتفع بذلك عدد اليمنيين الذين لا يملكون إمدادات المياه النظيفة والصرف الصحي إلى 16 مليون شخص على الأقل، أي ما يقارب ثلثي عدد السكان.
وأضافت المنظمة الدولية في تقرير لها أنه قد تم إجبار الناس على شرب مياه غير آمنة نتيجة لتفكك شبكات المياه المحلية، وبذلك اصبحت الأمراض خطرا حقيقيا يهدد حياة الناس، مثل الملاريا والكوليرا والإسهال.
وقالت مديرة مكتب أوكسفام في اليمن، غريس أومير: “إذا لم يكن القتال، ونقص الوقود، ونقص الإمدادات الطبية، وقلة النوم بسبب القصف، وتصاعد الأسعار كافياً، فإن أكثر من ثلثي سكان اليمن لا تصلهم حاليا المياه النظيفة أو خدمات الصرف الصحي”.
في الاطار نفسه، حذر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، يوهانس فان در كلاو من “انهيار كامل للأوضاع في اليمن جراء انهيار البنى التحتية الأساسية ونفاد مخزون المحروقات والغذاء”. تماماً كما حذرت المتحدثة باسم الصليب الأحمر الدولي، ماري كلير فغالي، عندما قالت إن “الكارثة الإنسانية باتت واقعاً في اليمن”.
لم يعد هذا التحذير يجدي نفعاً، فالامراض انتشرت ووباء الكوليرا بدأ يفتك باليمنيين على نحو متزايد يوماً بعد يوم، دون إمكانية ردعه او الحد من انتشاره. وبالرغم من ذلك، زاد هول الحرب والحصار من تردي الشروط الصحية والبيئية في المنطقة، في ظل عجز واضح وصريح للوزارات المعنية من تدارك الامر والعمل على الحد منه، فوقعت الواقعة!
فقد أعلنت وزارة الصحة اليمنية حالة الطوارىء بعد تفشي وباء الكوليرا الذي أودى يحياة عشرات الاشخاص، وناشدت منظمات الإغاثة وجهات مانحة أخرى مساعدتها في التصدي للوباء والحيلولة دون وقوع “كارثة غير مسبوقة”.
وبينما اشارت منظمة الصحة العالمية الى إن 7.6 مليون شخص يعيشون في مناطق بها خطر كبير لانتقال عدوى الكوليرا إليهم، قال مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الاحمر دومينيك ستيلهارت إن 115 شخصا توفوا بسبب المرض، فيما يشتبه في إصابة 8500 شخص.
رغم قيام منظمة الصحة العالمية بدورها في تقديم الأدوية والمستلزمات الطبية بشكل عاجل، بما فيها مستلزمات علاج الكوليرا، إضافة إلى توفير الأثاث واللوازم الطبية لدعم توسيع نطاق مراكز علاج حالات الإسهال، الا ان الانقلابيين قد اعلنوا العاصمة اليمنية مدينة منكوبة، وباتوا يمارسون الضغوطات لعدم وصول المساعدات اليها ومنع معالجة المصابين في المستشفيات.
يذكر ان “الكوليرا” تلاشت من اليمن نهاية العام الماضي، لكنها عاد لتتفشى سريعا، وازدادت الأوضاع سوءا بسبب تردي الأنظمة الصحية والصرف الصحي، وهي عدوى حادة تسبب الإسهال وتنجم عن تناول الأطعمة أو شرب المياه الملوثة بضمات بكتيريا الكوليرا. ولا يبدي معظم المصابين بعدوى الكوليرا أية أعراض، أو يبدون أعراضاً خفيفة للإصابة بها، غير أن العدوى قادرة على أن تودي بحياة المُصاب بها في غضون ساعات إن تُركت من دون علاج.