عندما تعمل كسارة وتمعن في تشويه الجبال وقضمها، ولا تجد من يتحدث من المتضررين لوسائل الإعلام، فذلك يعني أن ثمة مشكلة في مكانٍ ما، لا بل ثمة فضائح تؤكد أن الدولة مصادرة لصالح قوى نافذة، تحظى بدعم وتغطية بعض أركانها، وبدعم بعض قوى سياسية تدعي العفة جهارا وتمارس نقيضها سرا، هذا باختصار ما هو قائم في منطقة أبو ميزان (قضاء المتن)، إذ رصد “حزب الخضر اللبناني” كسارة ومقلعا يعملان تحت جنح الظلام، ليس خوفا وإنما مراعاة لـ “هيبة الدولة”، بعد ان تبين وجود حلقة كبيرة من المستفيدين، وأن ثمة غطاءً سياسياً واسعا تسلح به مستثمرو الكسارة ومن وراءهم.
وفي سياق التعاون بين “حزب الخضر اللبناني” وموقع greenarea.info لرصد الارتكابات البيئية، حاولنا الإطلال على ما هو قائم، خصوصا وأن هناك مخالفة صريحة للقوانين، إلا أن أحدا من أبناء القرى والبلدات المتضررة أراد التحدث، ما يطرح سؤالا حول دور الناشطين البيئيين وما يتعرضون له من ضغوط، فضلا عن أنه تبين لنا أن هناك توافقا ضمنيا بين سائر المكونات السياسية والسلطات المحلية في المنطقة.
مكافأة مرتكبي الجرائم البيئية
وبعيدا من كسارة أبو ميزان، استنكرت الجمعيات البيئية ما هو قائم على صعيد هذا الملف، وسط مناشدات تتوالى من قبل المواطنين والأهالي لوقف أعمال قضم الجبال وتشويهها في مختلف المناطق اللبنانية، بعد أن عاودت المقالع والكسارات المرخص لها عملها بقرار صادر بتاريخ 11 أيار (مايو) 2017 من وزير الداخلية نهاد المشنوق، أما غير المرخص لها فلديها مهلة لتسوية أوضاعها خلال شهر، مع السماح بنقل مخزون المواد (الستوك) الذي لديها، علما أن فترة السماح هي نوع من تشريع العمل واستخراج كميات أكبر من البحص.
هذا مع الإشارة إلى أن القانون واضح وصريح في هذه الحالات، اذ يعاقب مستثمر كل مقلع دون ترخيص بالغرامة أو السجن او العقوبتين معا، ومصادرة المعدات والآليات مع حق الإدارة بمطالبة المستثمر بإعادة تأهيل المقلع على نفقته، ولكن مجلس الوزراء أرادها انتهاكا فاضحا وواضحا للقانون، وشرعنة ومكافأة لمرتكبي الجرائم البيئية، وتمديدا لبدع المهل التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة سياسة لها.
زعرور: تعتيم ممنهج
رئيسة “حزب الخضر اللبناني” ندى زعرور، وفقا لبلاغ ورد إلى “المرصد الأخضر” الذي أطلقه الحزب مؤخرا عن عمل كسارة في “منطقة أبو ميزان” (قضاء المتن)، أكدت لـ greenarea.info أن “هناك تمويها لعمل هذه الكسارة، إذ تعمل في أسفل الوادي بين جبلين، فلا يتسنى للمارين مشاهدتها إلا من بلدة زبوغا، مع العلم أنه يمنع ترخيص مقالع وكسارات في منطقة أبو ميزان منذ التسعينيات من القرن الماضي، وذلك نظرا لضررها على البيئة المحيطة ولقرب المناطق السكنية منها، ولوجودها جنب المجرى المؤدي إلى نهر الكلب، بينما السيد جان القاعي يستأجر أرضاً من دير مار الياس شويا ويستثمرها كمقلع بطريقة غير شرعية تحت غطاء رخصة مجبل باطون، وبدعم سياسي رفيع المستوى في المنطقة، وكل ذلك تحت أنظار القوى الأمنية والوزارات المعنية والبلديات والمخاتير في القرى المجاورة، وبرعاية الأحزاب المسيطرة”.
وقالت زعرور: “ان الصور الجوية والصور الفوتوغرافية تبين أن العمل في هذا المقلع استمر ليلا ونهارا ما يزيد عن الخمس عشرة سنة، اذ أن أي زيارة ميدانية خلال ساعات الليل تكشف العمل في المقلع، لا سيما إذا تمت مراقبته من قرية كفرعقاب المتنية، كذلك حركة الشاحنات والمعدات ليلا هي دليل آخر على حجم العمل في الداخل”.
وأضافت: “من المعروف أن هذه الأعمال تضر بالبيئة وبالمواطنين، فهي لا تراعي أية شروط بيئية وطبيعية، وهي تعمل برخص معامل تكسير باطون وتقضم ما تبقى من جبال، في تعتيم ممنهج”، وأكدت أن “البعض لا يجرؤ على الكلام إذ أنه من المستفيدين والبعض الآخر يخاف من تهديدات صاحب المشروع، وللأسف هناك من لا يبالون أو لا يثقون بأن هناك إمكانية للتغيير”.
تدخل النافذين والسياسيين
وتساءلت زعرور: “الى متى يستمر الاستهتار بحياة الناس؟ وإلى متى هذه الاستنسابية بالتعاطي واللا مسؤلية من المسؤولين؟”، وختمت: “تتحمل أبو ميزان والمناطق المجاورة (دار شمرا، زبوغا، كفرعقاب، عين التفاحة، الخ) عبئا لسنين طويلة، وهي بدأت ترزح مؤخرا تحت عبء الصناعات الملوثة وغير القانونية، وقد نصل لأن نعتبرها في القريب العاجل منطقة منكوبة”.
تبقى الإشارة إلى أن جميع الحلول التقنية والبيئية التي اقترحت لتنظيم وإدارة المقالع والمرامل والكسارات لم يؤخذ بها، حتى الدراسات لم تعتمدها الحكومة منهجا لمعالجة هذا الملف، وكل ذلك يؤكد أن المشكلة تكمن في تدخل النافذين والسياسيين بهذا الملف، نظرا لما يدر من أرباح عليهم بدون أي اعتبار للمراسيم والقوانين المرعية الاجراء.
معلوف: الاحتيال على القوانين
ويرى الدكتور حبيب معلوف في دراسة شاملة أعدها في هذا المجال، أن “المشكلة ليست في عدم وجود إطار تشريعي ومخطط توجيهي علمي وفني محايد لتنظيم قطاع المقالع (على أنواعها) والكسارات والمرامل فقط، فحتى المراسيم المرعية الإجراء لم يتمّ احترامها”.
ويقول: “هنا لا حاجة إلى الكثير من البراهين عن عدم التزام القوى الأمنية ووحدات الدرك في المناطق اللبنانية كافة بتطبيق المراسيم والقرارات، ولا سيما لناحية التشدّد في ضبط مخالفات المقالع والكسارات والمرامل، والاحتيال على القوانين عبر إعطاء تراخيص (من قبل المحافظين والقائمقامين بالحفر أو نقل مواد مخزنة (ستوكات) أو استصلاح أرض او تأهيل مواقع)… لفتح مقالع وكسارات ومرامل”.
ويؤكد جازما أن “أحداً في لبنان لا يعرف حجم الاستثمار في هذا القطاع في السنوات الأخيرة”.