بعد صدور نتائج دورة التأهيل المسبق الثانية لشركات النفط والغاز للإشتراك في دورة التراخيص الأولى للمزايدة على الرقع 1 و4 و8 و9 و10، ارتفع النقاش مجدداً من قبل المنظمات غير الحكومية حول موضوع الشفافية والمساءلة والمراقبة، وعادة تعمل هذه المنظمات بتمويل من جهات حكومية وغير حكومية فاعلة في قطاع النفط والغاز بهدف الضغط على الحكومات ومراقبة أدائها.
ومن المقرر أن تبدأ جولة التراخيص الأولى في 15 أيلول 2017، على أن يتمّ تقويم العروض وتوقيع العروض تباعًا ابتداءً من 15 تشرين الثاني 2017. تزامناً مع هذه الروزنامة الزاخرة بالأحداث على الصعيد اللبناني، نظم الأسبوع الفائت ورشة عمل لمدة يومين بدعوة من المبادرة اللبنانية للنفط والغاز بالتعاون مع منظمة “أنشر ما تدفع الدولية” و مؤسسة “فريدريش إيبيرت” الألمانية بعنوان: “تعزيز مشاركة المجتمع المدني لتدارك الآثار البيئية الناتجة عن قطاع الصناعات الاستخراجية في لبنان”.
وتهدف المبادرة اللبنانية للنفط والغاز الى “دعم الشفافية والإدارة السليمة لقطاع الصناعات الاستخراجية في لبنان. وهي منظمة غير حكومية مستقلة عضو في إئتلاف “أنشر ما تدفع العالمي”.
وتقول منظمة “أنشر ما تدفع” إن نظم التعدين وقوانين النفط لها تأثيراً هائلاً في كيفية إدارة الموارد الطبيعية. يسعى أعضاء ائتلاف أنشر ما تدفع إلى التأثير في هذه الأطر وتعديلها بحيث تتغير القواعد وتدخل الشفافية والمساءلة في عملية إدارة الموارد الطبيعية منذ البداية. ولا يقتصر الأمر على النظم والقوانين فحسب بل يمكن لدستور البلد أن يكرّس مبادئ الموارد الطبيعية. ومن الأمور التي يمكن أن يحددها الإطار القانوني للموارد الطبيعية: إذا ما كان لحكومة ما أن تقرر نشر عقودها وتراخيصها الاستخراجية. إذا ما كان ينبغي للمجتمعات المحلية أن تتلقى مباشرة حصة من الإيرادات الاستخراجية وما يجب أن تكون عليه هذه الحصة. كم يجب أن يدّخر من الإيرادات من أجل الأجيال القادمة بدلاً من أن ينفق مباشرة. إضافة الى المعيار الذي يجب أن تمتثل به الشركات بالنسبة إلى البيئة وسواه من الالتزامات.
وتهدف هذه الورشة بحسب المنظمين الى تدريب المشاركين من منظمات المجتمع المدني والمنظمات المحلية بالإضافة الى الشبكات البيئية الفاعلة على دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي التي قامت بتنفيذها الدولة اللبنانية بموجب قانون الأنشطة البترولية.
تشير ديانا القيسي المنسقة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال افريقيا في منظمة “أنشر ما تدفع” إلى أن هذه الورشة تهدف الى تفادي الثغرات التي واجهتها بلدان عديدة أخرى والتي أدّت إلى تحوّل مواردها الطبيعيّة من نعمة إلى لعنة، لذا يتعيّن علينا، نحن أفراد المجتمع المدني اللجوء إلى الممارسات الحكيمة عند معالجة الجوانب المتنوعة لهذا القطاع الناشيء. ومن بين القضايا الأوليّة التي يعمل عليها لبنان حاليًا هي وضع سياسة بيئيّة سليمة وشاملة يمكن استخدامها لتطبيق الحوكمة البيئية وممارستها.
وقامت الحكومة اللبنانية عام 2011 بتكليف استشاري دولي بإعداد دراسة التقويم البيئي الاستراتيجي لقطاع البترول في المياه البحرية اللبنانية وفقا لمتطلبات القانون 132/2010 (قانون الموارد البترولية في المياه البحرية).
“ولا زال الحديث عن “دراسة الأثر البيئي” لخيار التنقيب عن النفط والغاز واستخراجه غير واضح المقاصد. فما المقصود بدراسة الأثر البيئي، وأين تبدأ هذه الدراسة، وأين تنتهي؟ بعد تبني الخيار أم قبله؟ وماذا تشمل؟ ولعل أول مأخذ على هذا الخيار انه لم يأت من ضمن استراتيجية وطنية للتنمية تندرج تحتها استراتيجيات للطاقة والمياه ولباقي القطاعات”. بحسب دراسة بعنوان “الآثار البيئية والاقتصادية لخيار التنقيب عن النفط والغاز في لبنان” أعدها الزميل حبيب معلوف.
وتقول الدراسة انه “لو أخذ معيار الاستدامة، كمعيار استراتيجي أول في اختيار مصادر ونوع الطاقة التي يفترض الإتكال عليها في لبنان، لجرى احتساب النفط والغاز في أسفل سلم المصادر المحتملة، لكونه مصدرا غير متجدد وغير نظيف، قياسا إلى الشمس والهواء وقوة جريان مياه الأنهر والسواقي أو حركة الموج، كما أنه لا يأخذ هذا الخيار بالاعتبار التجارب العالمية في هذا المجال، سواء في البلدان المتقدمة أو تلك النامية. إن من ناحية التشريع أو من ناحية ادارة المخاطر وكيفية تحاشيها”.
يجمع الخبراء الذين شاركوا في الورشة على أن التقييم البيئي الاستراتيجي الذي أجرته الحكومة اللبنانية لا يتطابق مع المعايير المعتمدة دولياً لاجراء هذا النوع من أعمال التقييم الحساسة. وتعمل منظمات المجتمع المدني المهتمة بقطاع النفط والغاز على توسيع نطاق الاهتمام بالتقييم البيئي الاستراتيجي وكيفيّة استخدامه، والأهمّ من ذلك إذا كان هذا التقييم على مستوى ما هو مطلوب.
على امتداد ساعات ورشة العمل التي امتدت ليومين، فصّل الخبير الدولي في وضع التقيمات البيئية الاستراتيجية، السيد كليمين سترمشنك، الثغرات التي يمكن أن تشوب أي تقييم بيئي استراتيجي في بلد يسعى إلى إطلاق قطاع الصناعات الاستخراجية، ودور المجتمع المدني في تحديد مسار و نمو قطاع النفط والغاز في لبنان. ولقد خلصت ورشة العمل الى مجموعة من التوصيات المبنية على تحليل التقييم البيئي الاستراتيجي الذي أجرته الحكومة اللبنانية. أبرز هذه التوصيات أن يتم تحديث التقييم البيئي الاستراتيجي وتأهيله بما يمكن أصحاب المصالح المختصين والدولة، والشركات والمجتمع المدني من إستخدامه كاداة سليمة لوضع خطط بيئية جيدة. وتدعم كل من وزارتي البيئة والسياحة وهيئة إدارة البترول هذه التوصية الأساسية، إذ قد تبين أنها تتلائم مع توجهاتهم وخططهم الحالية.
كما أوصت الورشة بتشكيل مجموعة عمل تضم ممثلين عن المجتمع المدني، وزارة البيئة، ووزارة السياحة بالإضافة الى هيئة إدارة البترول تكون مهمتها المشاركة الفعالة في عملية تحديث التقييم البيئي الاستراتيجي.
ويمكن لعائدات النفط والغاز، في حال إدارتها بشكل جيد، أن تعزز النمو وتحد من الفقر. لكنها، في حال إدارتها بشكل سيئ، تمسي لعنة تولد الفساد، كما في حالات عديدة. وتعد مبادرة مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية، الإداة الناظمة لمراقبة الدول الناشطة في قطاع النفط والغاز، والتي تعاني من الفساد وضعف انفاذ القانون، الأمر الذي ينطبق على لبنان بشكل أساسي.
وفي كانون الثاني 2017 أعلنت الحكومة اللبنانية عن نيتها انضمام لبنان إلى مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية EITI وعن نية الحكومة الالتزام بتنفيذ هذه المبادرة وتسمية وزير الطاقة والمياه لقيادة عملية تنفيذ المبادرة، بالتزامن مع موافقة مجلس الوزراء على إعادة إطلاق الدورة الأولى لتراخيص التنقيب عن النفط.
وتشكل مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية EITI معياراً لإدارة موارد النفط والغاز والمعادن في البلدان المنضمة الى هذه المبادرة، حيث يتم تنفيذ هذا المعيار من قبل الحكومات بالتعاون مع المجتمع المدني والشركات العالمية المنقبة عن البترول والمنتجة له.
وينتقد البيئيون أعمال التنقيب عن النفط والغاز حول العالم. وفي الحالة اللبنانية، لا تزال عملية تقييم المخاطر قاصرة بسبب غياب الإحصاءات والدراسات المعمقة. فعلى سبيل المثال لم يدرس مركز علوم البحار التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، المناطق البحرية العميقة، ولا سيّما تلك التي سيجري فيها التنقيب والحفر، فالدراسات المتوافرة حتى الآن للتنوع البيولوجي البحري، هي على أعماق لا تتجاوز 100 متر فقط، وليس في كل المناطق. مع العلم أيضا أن دراسة الأعماق تتطلب إمكانات أكبر بكثير من المتوافرة حاليا في لبنان، لدراسة التنوع البيولوجي البحري وخصائص المياه. فكيف ستجري مقاضاة الشركات اذا حصلت حوادث تسرب وتلوث ما، وبناء على أية أسس وقاعدة بيانات ومعلومات لما كانت عليه الأحوال، قبل حصول الحوادث، لتقويم الأضرار وتحديد التعويضات.
وفي تشرين الأول 2016 أطلقت هيئة إدارة قطاع البترول “الخطة الوطنية لمكافحة التسرّب النفطي في المياه البحرية اللبنانية”. وأعد هذه الخطة الاستشاري الدولي ويت أوبراين مع الاستشاري المحلي S Steps . وتحدد هذه الخطة الإطار العام للإستجابة في حال أي حادث تسرب نفطي، وكيفية التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية للإستجابة السريعة والفعالة. كما أنها تحدد أولويات الاستجابة بحسب التوزيع الجغرافي لمستوى المخاطر من أجل حماية المناطق الحساسة بيئياً واقتصادياً.
ويقدم المركز الاقليمي للإستجابة لطوارئ التلوث البحري في البحر الابيض المتوسط (REMPEC) المساعدة الفنية للدول الساحلية المتوسطية في المصادقة على المعاهدات وإرشاد الدول حول تطبيق المعاهدات لمكافحة حوادث التلوث البحري.
وينفذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مشروع ” سوديل ” وهو مشروع التنمية المستدامة للنفط والغاز في لبنان الذي أنشىء عام 2013 لدعم هيئة ادارة قطاع البترول ووزارة النفط وذلك لإعداد المعايير والإجراءات المتعلقة بالسلامة والصحة ولحماية البيئة البحرية في لبنان.
وتقول وزارة البيئة بأن هناك متطلّبات بيئية عديدة لقطاع التنقيب عن النفط والغاز، أبرزها إعداد خطة وطنية للاستعداد والإستجابة للطوارئ المتّصلة بالتنقيب عن الغاز. وبناء قاعدة معلومات بيئية من خلال إنتاج أو استكمال المعلومات اللازمة وإدراجها ضمن قاعدة معلومات تحلّل وتحدّث بشكل دوري. وتوفير البنية التحتية اللازمة لإدارة النفايات الناتجة عن هذا القطاع. وتوفير الإطار المناسب لإدارة المواد الكيميائية بشكل عام. وتطوير واستكمال النصوص القانونية البيئية اللازمة وتحديداً ما له علاقة بإرشادات حماية البيئة. وتعزيز قدرات وزارة البيئة في مراجعة دراسات تقييم الأثر البيئي، ومراقبة الالتزام بخطط الإدارة البيئية خلال جميع مراحل المشاريع (بما في ذلك المراقبة البيئية)، وتأمين المسؤولية الملقاة على وزارة البيئة في ما يعود للاستعداد والإستجابة للطوارئ.
وإعداد مشروع قانون حول موجبات التقييم البيئي الاستراتيجي لقطاع الموارد البترولية في الأراضي اللبنانية، بغية دمج التوصيات التي تخلص إليها دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي في مشروع القانون، خاصة أنّ الآثار البيئية المحتملة بالنسبة للموارد البترولية في الأراضي اللبنانية أبرز من تلك المتأتية من الموارد البترولية في المياه البحرية، وتحديداً التأثير المحتمل على الموارد المائية الجوفية وعلى استعمال الأراضي في بلد صغير المساحة. وأن يشمل مشروع قانون الصندوق السيادي لقطاع النقط والغاز نسبة معيّنة لقطاع البيئة والتنمية المستدامة، مثل المساهمة في تمويل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، وتحديداً المسائل ذات الأولوية فيها كحماية قمم الجبال والمناطق الطبيعية وتنظيم استثمار الشواطئ والمساحات الخضراء والأراضي الزراعية في لبنان. وضرورة تضمين مشروع قانون الضريبة الخاصة بالشركات النفطية اقتطاع نسبة مئوية (من الرسوم والضرائب) للصندوق الوطني للبيئة لدى صدور مرسوم نظامه استناداً إلى القانون 444/2002 (حماية البيئة ).