جميعنا يذكر قضية طيور النورس التي تغزو مدرجات مطار رفيق الحريري الدولي. كانت هذه القضية حديث الإعلام، وحاضرة في جلسات مجلس الوزراء، وفي بيانات الإدارات الرسمية، وبيانات الجمعيات البيئية، وتغريدات النشطاء. حدث كل ذلك في النصف الثاني من شهر كانون الثاني (يناير) الماضي. ثم فجأة لم يعد أحد يسمع بهذه القضية! هل فعلاً اختفت النوارس ولم تعد تشكل تهديداً لسلامة الطيران في مطار بيروت؟ وماذا عن “مجزرة” النوارس التي ارتكبها صياديون غير شرعيون بتغطية وتشجيع من القوى الامنية ؟ وماذا عن الأجهزة الطاردة للنورس من خلال ترداد أصوات الطيور الجارحة والتي قبلها مجلس الوزراء كهبة من أحد الشركات؟ هل تم تركيبها؟ هل أثبتت نجاعتها؟ وماذا عن التوصيات الأخرى المتعلقة بسلامة المدرجات، والتي أوصت بها وزارة البيئة بناء على تقرير علمي مفصل؟
الإجابة على هذه الأسئلة لا تزال معلقة. لكن الثابت الوحيد الذي يمكن رؤيته بأم العين، هو أن طيور النورس لا تزال متواجدة وبكثرة في محيط مطار بيروت الدولي، بدأً من المدرج لجهة الاوزاعي حيث يحط عدد كبير من الطائرات مروراً بمحيط مطمر الكوستابرافا عند مصب الغدير، وصولاً الى الشاطئ الرملي الملاصق للمسبح الشهير، والذي يصل اليه مجرى نهر شتوي يحمل معه كل أنواع الملوثات وفضلات الطعام لطيور النورس التي لا تفارقه ليل نهار.
في المقابل تثبت المعطيات الميدانية والمشاهدات قرب مطار بيروت أن أجهزة إصدار أصوات الطيور الجارحة الموجودة أصلاً في محيط مطمر الكوستابرافا، والتي أضيف إليها أجهزة إضافية داخل المدرجات، لا تؤثر بشكل كبير على طيور النورس التي تغط أحياناً قرب الأجهزة لتقتات على النفايات، كما أن بقية الاقتراحات من قبيل الأجهزة الضوئية وغيرها لم يتم تركيبها إلى اليوم، رغم أنها من ضمن الاقتراحات التي أوصى بها الخبير الفرنسي Henri MILLET حسب تقرير مكتب Socotec الاستشاري، الذي كلف من قبل مجلس الإنماء والإعمار دراسة الخيارات المتاحة.
تناول موقعنا greenarea.info هذه القضية في عدة تقارير وتحقيقات، سلطت الضوء على الإدارة المتكاملة لسلامة المطارات حول العالم من حوادث اصطدام الطائرات بالطيور، وأنه لا حل لمشكلة طبيعية إلا من خلال اللجوء الى حلول طبيعية، بالاستناد الى حلقة الغذاء التي تشكل نظاماً بيئياً يحافظ على توازن الأنواع. راجع (https://greenarea.com.lb/ar/198015). كما نشرنا تقرير طرح علامات استفهام حول نجاعة الهبة المقدمة من شركة “المقدم هولدينغ” المملوكة من عبد الهادي مايز مقدم، والتي قبلها مجلس الوزراء وتضمنت ستة أجهزة لطرد الطيور من ماركة LRAD طراز 1000X وعشرة أجهزة من نفس الماركة طراز 500X. راجع (https://greenarea.com.lb/ar/201970 ).
جديد التقنيات المستخدمة في طرد طيور النورس كشف عنها موقع http://www.pressofatlanticcity.com والذي نشر تقريراً على قناة يوتيوب يظهر فيه نجاعة طرد النورس على طول الشاطئ السياحي الشهير Atlantic City Boardwalk NJ من خلال استخدام طائرة ورقية على شكل صقر، والتي ما أن تطلق في الهواء حتى تختفي طيور النورس من على طول الشاطئ، كونها تعتقد أن عدوها الطبيعي يتربص لها في السماء وهو جاهز للانقضاض عليها. ويعج هذا الشاطئ بآلاف طيور النورس التي تضايق السكان، لكن طائرة ورقية كانت كفيلة بحل المشكلة.
الأدوات البدائية وغير المكلفة لطرد طيور النورس، تشمل أيضاً تركيب خيوط بلاستيكية شفافه فوق المنطقة التي يراد منع طيور النورس من الاقتراب منها. ولقد أثبت نجاعة هذا الإجراء في محيط برك السباحة في المنتجعات القريبة من شاطئ البحر.
ويروي عامل الإنقاذ البحري في منتج Atlantic Palace Resort في أغادير في المغرب، لموقع greenarea.info كيف قام بتركيب خيوط “المصيص” البلاستيكية الشفافة فوق مساحة واسعة تغطي برك السباحة، ما أدى الى انقطاع تام لهبوط طيور النورس في محيط الفندق، حيث تبقى طوال الوقت بعيدة عن المكان، وما أن يحاول أحد الطيور الاقتراب من البرك، تفاجئه خيوط المصيص تلمع في السماء، فيغادر مذعورا .
اليوم نعيد التذكير بهذه القضية، مجددين مطالبة الإدارات المعنية، بتطمين الناس حول سلامة مطار بيروت، خصوصاً أن قراراً قضائياً يفترض أن يتخذ من قبل محكمة الاستئناف في جبل لبنان، لجهة وقف تنفيذ قرار قاضي الأمور المُستعجلة في بعبدا القاضي حسن حمدان، والذي نص على الوقف الكلي لأعمال نقل النفايات إلى مطمر الكوستابرافا. وذلك بعد انقضاء أربعة أشهر من تاريخ تبليغ القرار، أي في 20 حزيران (يونيو) 2017 كحد أقصى.