بينما يواجه العالم بحذر قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتوقّعة والتي باتت شبه أكيدة، بالإنسحاب من إتفاقية مكافحة تغيّر المناخ، يبدو أن القوّتين – الطبيعية والبشرية – اتّحدتا لمواجهته بالوقائع والأدلّة الدامغة، باعتبار أن الإحترار المناخي كارثة يجب استدراك تداعياتها قبل تفاقمها، حيث سيصل الحرمان من النوم إلى 14 ساعة شهرياً. وسترتفع حرارة المدن ثماني درجات، خصوصا في غرب وشمال الولايات المتحدة.
أّوّل الأدلة، طُرح في دراسة نشرها موقعnature climate change، مفاده أن درجات الحرارة قد ترتفع في المدن الكبرى بين سبع وثماني درجات إضافية، بحلول العام 2100 بسبب الإحترار المناخي وظاهرة “جزر الإحترار الحضرية”.
الدليل الثاني، تنتج عنه تأثيرات غير مباشرة للتغيّر المناخي على صحة الإنسان، بحيث ربط الباحثون تناقص معدّلات النوم والاضطرابات، التي ينجم عنها التوتر؛ وتراجع القدرات الذهنية ووظائف الدماغ، بظاهرة التغيّر المناخي.
تستند الدراسة الأولى، على سيناريو يشمل زيادة متواصلة لانبعاثات الغازات المسبّبة لمفعول الدفيئة طوال القرن الراهن. ورغم أن المدن تشكّل واحداَ في المائة من مساحة العالم، إلا أنها تستهلك 78 في المائة من الطاقة العالمية؛ وتنتج أكثر من 60 في المائة من انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة، الناجمة عن مصادر الطاقة الأحفورية.
ريتشارد تول، أستاذ الاقتصاد في جامعة Sussex، المشارك في تأليف الدراسة، أكد أن المدن ستتعرض لنحو 60 في المائة من الآثار السلبية لتغير المناخ.
العلماء وزعوا الدرجات المتوقّع ارتفاعها، بين خمس، ناجمة عن الإحترار المناخي؛ والمتبقيّة قد تنتج عن “جزر الإحترار الحضرية”، الناجمة عن اختفاء المساحات الخضراء، ليحلّ مكانها الاسمنت والاسفلت. والتي يفترض أن يكون التوسّع العمراني من أكبر المسببين لها، فضلاً عن شق الطرقات واحتراق الغابات.
معدّ هذه الدراسة، فرانشيسكو إسترادا، من معهد الدراسات البيئية في هولندا، تحدّث عن أن نسبة الخمسة في المائة من المدن الأكثر اكتظاظاً بالسكان، قد تسجّل ارتفاعاً في درجات الحرارة ربما يصل إلى ثماني درجات.
في التفاصيل، فإن هذه “الجزر” تجعل المدن أكثرة حرّاً من محيطها، الأمر الذي يرفع من وطأة موجات الحر؛ وبالتالي، يرفع من استهلاك الطاقة لتبريد الأبنية، فيتفاقم تلوث الهواء وتتراجع نوعية المياه، لترتفع بذلك المخاطر الصحية. وفي معادلة اقتصادية توسّع بها العلماء، اعتبر فريق البحث أن خسائر المدينة الأكثر تضرراً، قد تصل الى 10,9 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي بحلول العام 2100.
وبيّنت الدراسة التي شملت 1692 مدينة، خسارة المدن بشكل وسطي، ما بين 1,4 إلى 1,7 في المائة من إجمالي ناتجها المحلّي سنوياّ، بحلول العام 2050. وبين 2.3 و5.6 في المائة بحلول العام 2100.
صحيّاً، أظهرت دراسة نشرت نتائجها في مجلة “ScienceAdvances” أن تغير المناخ يبشّر بتردي نوعية نوم البشر في المستقبل، بحيث أن زيادة درجات الحرارة تصعّب تبريد الجسم البشري وتمنعه من النوم الهادىء، فضلاً عن أن تلك الليالي الدافئة، من جهة، مع ما تسببّه من قلّة نوم، تجعل الناس أكثر غضباً. وقد ركّزت الدراسة على أن أكثر المتضررين من هذا التبدّل، هم من يعيشون في الأجزاء الشمالية والغربية من الولايات المتحدة.
ولتحديد كيفية تأثير تغيّر المناخ على النوم، قام العلماء بتحليل الدراسات التي أجرتها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، بين عامي 2002 و2011. وتركّز السؤال على عدد الأيام التي شعر بها الانسان بعدم حصوله على كفايته من الراحة أو النوم. وجاءت النتيجة بأن درجات الحرارة الأكثر دفئاً من المتوسّط، تزيد من عدد الليالي السيئة. واستنتج العلماء أن ارتفاع حرارة الأرض أثناء الليل، درجة مئوية واحدة، يؤدّي إلى حرمان مائة إنسان من ثلاث ليال من النوم شهرياً، أي ما يقارب تسعة ملايين ليلة سيئة من النوم. ومع تردّي الوضع واستمرار ارتفاع الحرارة، ستحرم الليالي الحارة في العام 2050 كل مائة إنسان من النوم لدة ست ليال شهرياً. وتصل إلى حدود الـ 14 ليلة شهرياً، في العام 2099.
في هذا الإطار، اقترح العلماء مواجهة “جزر الإحترار” بزرع الأشجار، أو إقامة بساتين للخضار على أسطح الأبنية وأرصفة الشوارع. وتطرّقوا إلى إمكانية مساهمة تلوين أسطح المباني باللون الأبيض، لأنه يعكس الإضاءة، الامر الذي يؤدي إلى امتصاصها بشكل أقلّ.
نتائج تلك الدراسات، تتطلّب جهداً مكثفاً لتدارك التداعيات وتجنًبها. ورغم أن التدابير الوقائية لن توقف الأحتباس الحراري، إلا أنها تساعد، دون شكّ، في التخفيف من الآثار الناجمة عنه.