لا تقتصر المشاكل التي تطال الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا، على التغيّرات المناخية فقط، بل لنشاطات الإنسان تأثيرات مباشرة، لتصبح الحرب حربين، مناخيّة وبشريّة. ففي بحث علمي جديد، تمّ العثور على مواد كيميائيّة، مستخدمة في مستحضرات التجميل والعقاقير التي يستعملها البشر، في دم السلاحف الخضراء التي تستوطن الشعب المرجانيّة، الأمر الذي يعرّض تلك الحيوانات البحرية إلى تلف الكبد. وقد سجّلت في السنوات الأخيرة معدّلات عالية من نفوق السلاحف الخضراء، أو مرضها .
تعيش ستة أنواع من السلاحف البحريّة في هذه المنطقة وتعتبر كلّها مهددة بالإنقراض. إلا أن الأكثر ضعفاً فيها، هي تلك الخضراء، التي تتغذّى على الشعب المرجانيّة والمسجّلة ضمن القائمة الحمراء للإتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، لأنها تأكل خلاصة المواد الكيميائيّة المنصهرة في التربة الزراعية والمناطق الحضريّة المحيطة بالحاجز المرجاني، المندفعة نحوه بفعل الفيضانات.
لتسليط الضوء على التأثير المدمّر لاستعمالات البشر على الزواحف، تم فحص دماء السلاحف، فخلصت النتائج إلى وجود رواسب لأدوية القلب والنقرس، فضلاً عن مبيدات أعشاب وحشرات، إضافة إلى مواد تجميلية وصناعية وأخرى لم يتم تحديدها.
الدراسة التي قادها الصندوق العالمي لحماية الطبيعة في أستراليا، بمشاركة محطة “بانروك ستايشن”، ركّزت على اختبار دم تم جمعه من السلاحف الخضراء، المتواجدة في كل من خليج كليفلاند وخليج اوبستارت ومجموعة جزر هيكس البعيدة. فكانت أولى المؤشرات وجود مئات الآلاف من المواد الكيميائية المختلفة، المرتبطة بالأنشطة البشريّة، التي شددّت الدكتورة إيمي هيفرنان من جامعة كوينزلاند، عن عدم معرفة ماهيتها ومدى تأثيرها.
لائحة المواد التي تم اكتشافها ومعرفة أنواعها، فصّلتها الدراسة كالتالي:
“ألوبورينول”، المستخدم لعلاج النقرس أو حصى الكلى. “ميلرينون” دواء القلب. “إيزوكينولين” تستخدم في العمليات الصناعية. المواد اللاصقة وموانع التسرب، إضافة إلى “غواياكول سلفونات” المستخدمة في المستحضرات الصيدلانية. “إيثوفينكارب سولفون” وهو من أنواع مبيدات الحشرات. “دوكوساناميد” التي تستخدم صناعياً كمواد لاصقة ومانعة للتسرب ومادة للتشحيم.
التعرّض للمواد السامة المذكورة، يسبّب عوارض جانبية للسلاحف، تأتي في مقدّمها إلتهاب الكبد والإختلال الوظيفي.
تقول كريستين هوف، المتحدثة باسم الصندوق العالمي لحماية الطبيعة في أستراليا: لقد كشفت الأنهار التي تصبّ في منطقة الشعب المرجانية، امتصاص الحيوانات البحرية لرواسب المواد الكيميائية المرمية في البحر.
هوف تؤكد أنه يمكن استخدام السلاحف كأداة للرصد الحيوي، لمعرفة ما هي المواد الكيميائية التي تدخل مياه الشعب المرجانية وما تأثيرها على الحياة البحرية. فأتت هذه الدراسة، دليلاً على تداعيات استعمال البشر لمواد غير بيئيّة أو صحيّة.
الحرب البشرية والمناخية على الحاجز المرجاني العظيم، توالت تداعياتها في السنوات الأخيرة. وتعدّ ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية وفقدانها ألوانها المميزة وإنتاجيتها البيولوجية، من أبرز التأثيرات السلبية لتغير المناخ العالمي؛ ومن أخطرها على الإطلاق. في حين أن الأنشطة البشرية أساءت بدورها لتلك البيئة، عبر إلقاء النفايات والملوثات في البحر، مباشرة دون معالجة. فضلاً عن ردم وتجريف أجزاء الحيد المرجاني المتاخمة للسواحل، بغية توسيع مساحة الشواطئ وإنشاء قرى ومنتجعات سياحية؛ واستخدام معدات ومواد مدمرة بالصيد؛ وقطع أجزاء الشعب، أو تدميرها، أثناء الغطس والرياضات المائية الأخرى.
وقد أظهرت الدراسات الاستقصائية، أن 22 في المائة من الشعب المرجانية في المياه الضحلة، دمّرت في عام 2016، لكنها تضررت الآن بنسبة تصل إلى 29 في المائة.
رئيس هيئة المتنـزه البحري لحاجز الشعب المرجانية العظيم، روسيل راشلت، عبّر مراراً عن قلقه إزاء الواقع العام للحاجز، خصوصاً بالنسبة لكمية المرجان الذي خسره في عام 2016 وكان أعلى من التقديرات الأصليةّ. وعلى الرغم من أن التقارير لا تزال تخضع للمسات الأخيرة، إلا أنه تخوّف من تفاقم الحالة ورؤية المزيد من الانخفاض العام لمستويات الشعب المرجانية، بحلول نهاية عام 2017 .
وكأنّ الحرب المناخيّة لا تكفي الحاجز المرجاني، تأتي الأنشطة البشريّة لتزيد الطين بلّة، لتلغي ألوان الشعب المرجانيّة، وتقتل الحياة بين أحضانها.