لصالح من يردم البحر؟ وهل سنكون قريباً، أي في غضون أشهر وسنوات قليلة، أمام سرقة مقوننة للأملاك البحرية المستحدثة؟ وبانتظار أن تظهر “جزر” عائمة على كميات هائلة من النفايات، هل سيتمكن المواطنون من تحمّل تبعات الروائح والأمراض وتلويث البحر بشتى أصناف النفايات الصلبة والسائلة؟ ومن المسؤول؟ ومن الجهة المولجة مراقبة التنفيذ؟ ومن الجهة التي تغطي مسلسل الفضائح اليومي من “الكوستابرافا” إلى برج حمود فالجديدة؟
في الأسئلة نصف الإجابة، فنحن في مواجهة مسلسل جهنمي تخريبي للبيئة، بكل مقوماتها ونظمها، لطالما حذرنا منه في greenarea.info قبل وبعد إقرار الخطة الحكومية لمعالجة النفايات.
كشف المستور في برج حمود
ما يجري في “مكب برج حمود” ليس إلاّ مثالاً على ما نشهد من ممارسات، لا تقيم اعتباراً للشروط البيئية والصحية، في حدّها الأدنى. فالروائح المنبعثة والنفايات العائمة في المياه، كشفت المستور ولم يعد ثمة ما هو خافٍ على أحد. حتى “الفيديوهات” التي انتشرت مؤخراً والتي زودنا بها مراراً صيادو المنطقة، كشفت طبيعة العمل وطريقة نقل النفايات، من الجبل القديم إلى مطمر الجديدة، بواسطة شاحنات تفرّغ حمولاتها عند حدود البحر، من دون فرز للنفايات ومن دون وضع عازل. وهذا ما ساهم بوصولها إلى البحر مباشرة، لتردم مساحة كبيرة منه بالمواد والنفايات المستخرجة من الجبل؛ ولتدحض كل الأقاويل، التي لطالما رددتها الشركة المتعهدة، بأنها تقوم بالأعمال “وفقا للمعايير التي نص عليها العقد”.
ثمّ ماذا عن دراسة وتقييم الأثر البيئي في برج حمود والجديدة؟ وهل نفذ المشروع وفقاً لما نصت عليه هذه الدراسة؟
في الحالتين، ما نفذ من أعمال في هذا المكب، جاء مخالفاً للقوانين والتشريعات. وغير مطابق لأي من المعايير البيئية. وهذا واضح للعيان، لا يتطلب متابعات ودراسات ميدانية لتنظيم تقارير.
ويؤكد مصدر قانوني مطلع لـ greenarea.info أن “ما هو قائم في برج حمود وغيره من المكبات الشاطئية، تعاقب عليه المادة 58 من القانون 444”.
مخالفات في تطبيق العقد
وبحسب المصدر عينه، أيضاً، فإن أي عقد لا يراعي الشروط الصحية والبيئية، التي تحمي الأملاك العامة والخاصة للدولة والبلديات والمياه الاقليمية؛ والتعديات البيئية على الأملاك البحرية والنهرية والمياه الجوفية، ليس سوى جريمة بيئية، بحسب المادة 11 من قانون العقوبات اللبناني”. ويرى أن “الاتفاق على طمر البحر بالنفايات، هو جريمة أيضاً، تستحق العقاب بحسب المادة 52 من قانون البيئة 2002/444، لا أن يستشهد وزير البيئة بها ويبرر طمر البحر”.
يضيف: “لم ينصّ العقد الموقع بين المتعهد ومجلس الإنماء والإعمار، على طمر نفايات الجبل القديم في برج حمود، في البحر، بالشكل الفضائحي الذي نشهده منذ مدة. فما صرح به وزير البيئة طارق الخطيب اليوم، بعد أن جال في مطمر برج حمود بأن (العقد ينصّ على طمر نفايات هذا المطمر في البحر. والوزارة قامت بواجبها) لم يلحظ أنه وفقاً للعقد، كان على المتعهد إنشاء معمل فرز، ليصار إلى فرز نفايات الجبل القديم كاملة، ثم يصار إلى فحص التربة، فإذا خلت من الملوثات، يتم طمر البحر فيها. وطبعاً، هذا لم يحصل، فالنفايات نقلت كما هي ورميت عند حافة مطمر الجديدة، من دون أي حاجز، لتنزلق مباشرة نحو البحر”.
تجدر الإشارة في هذا المجال، إلى أن ما جاء في تقرير مستشار وزير البيئة، جهاد سليمان عبود، المقدم إلى قاضي الامور المستعجلة، يؤكد المخالفات في تطبيق العقد، وفقاً لما ذكر في سياق التقرير، من أن “شركة خوري بدأت فعلياً العمل على جبل النفايات، لكنها تقوم بالحفر في جبل النفايات ونقل الحفريات، مباشرة، لطمر البحر من دون فرزها، أو من دون إنشاء سد، أو حاجز بحري لكسر الأمواج”. وهذا ينجم عنه تلوث البحر، أقله بالأكياس البلاستيكية، التي لم تتحلل بعد وتتطلب مئات السنين لتتحلل، مع العلم أن “شركة خوري” بصدد إنشاء معمل فرز لهذه الغاية، لكنه لم يكتمل حتى الآن.
بزي: جريمة بيئية دولية
في هذا السياق، يتساءل المحامي حسن عادل بزي: “كيف لوزير أن يناقض كلام مستشاره؟”. لافتاً إلى أنه “من تاريخ بدء العمل إلى اليوم، نلفت الإنتباه إلى أنه لم تجر أي دراسة للأثر البيئي قبل البدء بالعمل”.
ويقول بزي لـ greenarea.info: “لا يعوّل على كلام الوزير اليوم، فعندما زار “الكوستابرافا” سابقاً، قال إنه موافق للمواصفات. وكان قبل يومين، وقّع تقرير وزارة البيئة، الذي يقول إن المطمر مخالف لكل القوانين. وبدأ العمل فيه دون دراسة تقييم أثر بيئي. وأن النفايات المطمورة غير مفرزة وتنتج عصارة تلوّث البحر”.
يضيف: “يذكرنا كلام الوزير اليوم، بما قاله سابقاً، بأن طمر البحر بالنفايات، جريمة بيئية دولية. وأن العقد يقول أن على شركة خوري للمقاولات، أن تنشئ معمل فرز نفايات للجبل القديم. وبعدها يتم فحص التربة، للتأكد من عدم احتوائها لملوثات. ثم يتم طمر البحر فيها. لكن شركة خوري أنشأت المعمل ولم تشغله. والدليل على ذلك، تقرير مستشار الوزير، الخبير في علوم الكيمياء جهاد عبود، الذي أكد ذلك”.
ويختم بزي: “خلال الأيام المقبلة، سوف نبرز العقد وبنوده أمام الرأي العام، للحاجة إلى ترجمته”. منتقداً “إبرام العقود والصفقات بالانكليزية وكأننا لا نعيش في بلد لغته الأم العربية”.