يواجه لبنان تراجعاً متسارعاً في مساحة الغابات والمناطق الخضراء. وتشير إحصائيات جمعية الثروة الحرجية والتنمية AFDC، إلى أن الغطاء الحرجي في لبنان، تقلّص بشكل مخيف، منذ ستينيات القرن الماضي حتى الآن، حيث تقدّر المساحة الإجمالية للغابات في لبنان، بحوالى 13 في المائة، بعد أن كانت تشكّل أكثر  من 30 في المائة في العام 1960.

وبحسب وزارة الزراعة، فإن المساحات الغابية التي كانت يوماً 74 في المائة من مساحة لبنان، تدنّت لتصل إلى 13 في المائة، أراض غابية؛ وعشرة في المائة، أراض حرجية. وتختلف أسباب انخفاض النسب، بين تمدّد عمراني، شقّ طرق وحرائق مفتعلة أو غير مقصودة. إلاّ أن النتيجة تبقى واحدة، خسارة ملحوظة للغطاء الأخضر تفقد لبنان ميزته.

في العام 2009، أقرّ مجلس الوزراء “الإستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات”. واعتبرت خطوة هامة، على طريق حشد الطاقات والجهود وتوجيهها في سبيل وقاية أفضل ومكافحة مجدية للحرائق، خصوصاً أن الخسائر الاقتصادية لحرائق العام 2007 قدّرت بـ 9 ملايين دولار. الأمر الذي استوجب تطوير خطة وطنية شاملة لإدارة الحرائق، تستكمل ما آلت اليه حملة “الحرقة بالقلب”، التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة آنذاك؛ وأدت إلى تأليف لجنة مشتركة لوضع خطة طوارئ وطنية لإدارة الحرائق، بعدما تقلّصت المساحة الخضراء في لبنان.

إستكمالاً للدعم، في العام 2015، أطلق وزيرا الزراعة والبيئة آنذاك، أكرم شهيّب ونهاد المشنوق، ألحملة الوطنية للوقاية من حرائق الغابات، بعنوان “بس ما تولعا” بالتعاون مع الـ AFDC، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية “الفاو”.

لأوّل مرة في لبنان، تجتمع وزارت ستّ، على قانون واحد لمكافحة الحرائق. وبقرار من مجلس الوزراء، يتم إطلاق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الحرائق، لكن يبدو أنها لم تحقّق المبتغى منها، ففي تقرير مشترك لوزراة البيئة وجامعة البلمند، سجّل لبنان عام 2016، 260 حريقاً قضت على 1870,5 هكتاراً من الأراضي الحرجيّة، توزّعت على مختلف المناطق اللبنانية كما تظهر الجداول أدناه :

تتوزّع الغابات بشكل رئيسي في: جبل لبنان، الشمال والجانب الشرقي من سلسلة جبال لبنان الغربية. وتغطّي نحو 13 في المائة من الأراضي اللبنانية. كما تغطي المساحات الخضراء غير الحرجية، نحو 106,178 هكتاراً، أي 11،5 في المائة. وأكّد المشنوق مراراً، أهمية الإبلاغ المبكر عن الحرائق.

تركّزت بنود الحملة الوطنية لإدارة حرائق الغابات في لبنان، على خمس نقاط أساسية: ألحدّ من مخاطر الحرائق والوقاية منها، زيادة الجهوزية والإستعداد لمكافحتها، التدخل المباشر في عمليات مكافحتها، بناء قاعدة معلومات حولها وتحديثها وإعادة تأهيل المواقع الحرجية المتضررة.

حزيران (الحالي) – يونيو، هو موعد انطلاق موسم الحرائق في لبنان. ورغم أن البعض منها قد يحصل قبل أوانه، إلاّ أن الخطورة ترتفع في الفترة الممتدة بين شهري حزيران – يونيو وتشرين الأول – أكتوبر.

مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في جامعة البلمند، الدكتور جورج متري، يأسّف لعدم الإستفادة من اللحمة بين الوزرارت، لتضافر الجهود في سبيل الحفاظ على الغطاء الأخضر في لبنان. وتحت شعار “الوقاية خير من العلاج”، طوّر فريق علمي من الجامعة – بالإعتماد على منحة من الوكالة الاميركية للدعم الدولي- نظاماً للتنبّه من خطر اندلاع الحرائق، قبل تسعة أيام من إشتعالها. وكان هو المشرف على الدراسة.

لا يميّز النظام بلدة عن أخرى، بل يطال كل المناطق الحرجيّة في لبنان، آخذاً في عين الإعتبار أنواع الأشجار، كثافتها، جنسها، إضافة إلى حساسية الموقع تجاه الحريق (الأرض العشبية أكثر حساسية من تلك الغابية).

في تفاصيل المشروع، الذي أطلق نهاية صيف العام 2016، يقول متري، أنه وُضع للتنبه من خطر الحرائق؛ ويتماشى مع الهدف الأساسي لاستراتيجية لبنان الوطنية لإدارة حرائق الغابات (القرار رقم 52 – 2009 )، عبر تصميم وتطوير نظام للإنذار من خطر أي حريق محتمل ومن السهل التعامل معه. وهو عبارة عن موقع إلكتروني، يتم ولوجه وتحديد القضاء، البلدية والمنطقة المحدّدة، لمعرفة النتائج التي تتجدّد يومياً. يمكن تصفّح FireLab  من خلال “الويب”، مما يجعله في متناول الجميع وعلى نطاق واسع؛ وفي شكل يسمح للمستخدمين عرض المعلومات بسهولة.

هو ليس الأول من نوعه، من حيث المبدأ، فللدفاع المدني نظام خاص، يعطي التوقعات للأيام الثلاثة المقبلة. إلاّ أنه يقتصر على القضاء بشكل عام، دون أن يتطرّق إلى حساسية المكان تجاه الحرائق. بينما يدخل نظام جامعة البلمند في تفاصيل أكثر، تتعلّق بخصائص الغطاء الحرجي، عوامل الطقس حسب توقعات الأرصاد الجويّة ومعلومات دقيقة كل يوم بيومه.

يقول متري: إن نظام الإنذار المذكور، بدأ العمل به منذ العام 2012، حيث تم تحديد مواقع الخطر. إلاّ أن النقص في المعلومات وضياع الخرائط، فضلاً عن بعض التغيّرات الديمغرافية والبيئية، أخّرت إنطلاقته الأوتوماتيكية الفعلية، إلى نهاية صيف الـ 2016.

أهداف متفرّقة لهذا النظام، إذ يرى متري أن وسائل إخماد الحرائق في لبنان، ليست فعّالة بشكل كبير. وبالتالي، يجب تركيز الإمكانيات على التنبّه للخطر قبل وقوعه، لاستعمال إمكانياتنا ومواردنا في المكان والوقت المناسبين. ويشدّد على أن نسبة 99 في المائة من الحرائق في لبنان، تحصل بسبب النشاطات البشرية، أما الأسباب المباشرة فيمكن أن تكون فرديّة: مزارع يشعل النار لتنظيف أرضه، فتمتد النيران إلى خارج حدوده، لتصبح غير قابلة للإطفاء، مؤخراً، إشعال مكبّات النفايات في مناطق مجاورة للمناطق الحرجية، فضلاً عن الألعاب النارية والمهرجانات، ناهيك عن الحرائق المقصودة التي يفتعلها الإنسان بإرادته.

بالنسبة إلى الأسباب غير المباشرة، يتحدث متري عن تداخل الأراضي الزراعية بالأخرى الحرجية، تراكم المواد القابلة للإشتعال في الأراضي الغابية، بسبب غياب الصيانة الدائم، إضافة إلى الرعي غير المنظّم وغياب المنظّم منه، الذي يفيد الغابة ولا يضرّها إلخ.

يشهد لبنان عاماً بعد عام، تزايداً في وتيرة الحرائق في مختلف المناطق. ولأن الأرقام الرسمية تشير إلى اندلاع المئات، اجتمعت لجان الدفاع الوطني والداخلية والبلديات النيابية وأصدرت توصياتها في هذا المجال، في شهر نيسان – أبريل 2017، من أهمها : إعتماد مبدأ الرقابة على حرائق الغابات قبل حدوثها، من خلال تنفيذ إجراءات عملانية بالتعاون مع البلديات، إعتماد مبدأ التدخل السريع في مكافحة الحرائق، أي خلال 20 دقيقة كحدّ اقصى، عبر تجهيز فرق محلية تابعة للبلديات، تطوير وتنفيذ مشاريع للحد من حرائق النفايات، مع إتحادات البلديات التي تشارك في إدارة مواقع حرجية أو غابات؛ وتطوير القدرات حول التنسيق في عمليات مكافحة حرائق الغابات بين مختلف الجهات.

وفي سياق التوصيات الخاصة بوزارة الداخلية والبلديات- الدفاع المدني، كانت البداية وضع آلية، بالتعاون مع المديرية العامة للبلديات ووزارة الاتصالات، من أجل تعميم النشرة اليومية حول أخطار حرائق الغابات.

ورغم أن هذه التوصيات فصّلت على قياس الخرائط المقدّمة من الدفاع المدني، إلا أن متري يدعو إلى إتحاد مختلف القوى المعنية بمكافحة الحرائق والحفاظ على غابات لبنان، لضمان وصول المعلومة للجهات المعنيّة بشكل سريع، لتصبح الإستجابة أسرع والتدخّل يكون في حينه. خصوصاً أن الوزارات المعنية شاركت بإطلاق نظام جامعة البلمند، إضافة إلى الدفاع المدني. والتواصل تمّ مع وحدة إدارة المخاطر، في مجلس الوزراء.

ويلفت في الإطار نفسه، إلى أن مكافحة حرائق الغابات في معظم الحالات، يأتي رد فعل على كارثة طبيعية، بغض النظر عن الأسباب الجذرية الفعلية وعدم صوابية الممارسات الحالية، في إدارة الغابات. بالتالي، فإن الكلفة الماديّة المباشرة لإطفاء الحريق وإعادة التحريج، أعلى بكثير من تلك الوقائيّة. فضلاً عن أن الكلفة المعنوية والبيئية لخسائر الغطاء الأخضر، لا تتعوّض بالسرعة نفسها لامتداد الحريق وتآكل النيران لغابات لبنان.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This