اختفت المواد السامة على “جزيرة البلان” في طرابلس بسحر ساحر، حتى أن أحدا من الجهات المعنية التي اتصلنا بها لا يملك أجوبة واضحة ومحددة، ما يؤكد فرضية واحدة، وهي أن المواد السامة “ابتلعها” البحر، للتأخر في عملية رفعها، ولتضارب في صلاحيات الجهات التي واكبت، أو لتقاعس غير مبرر، لا سيما وأن هذه المواد كان يجب رفعها والتخلص منها بطرق آمنة.
فهل نحن أمام فضيحة إدارية وتنظيمية؟ ومن ثم ألا يستدعي الأمر – في ما لو تأكد فعل الإهمال – تحقيقا قضائيا ومحاسبة؟ وتاليا هل يمكن ترك الأمور على غاربها دون تأطير التعاون بين سائر الجهات المسؤولة وتحديد آلية تنظيمية تحدد الجهة المفترض أن تبادر لمعالجة التلوث بالسموم؟ ومن ثم ألا يستدعي الأمر تشكيل لجنة طوارىء بالتعاون مع الوزارات المعنية تناط بها رصد ومتابعة المخالفات؟
خواتيم غامضة
أسئلة ليس ثمة من يجيب عنها بعجالة، وهي برسم أولي الأمر، خصوصا وأننا في greenarea.info كنا جزءا من التحرك لمواجهة هذا الانتهاك الصارخ لبيئة هذه الجزيرة، وواكبنا مع الجهات المعنية وقمنا بإبلاغ بعضها، وكان ثمة تجاوب واندفاع، قبل أن نفاجأ أمس بأن هذه القضية وصلت خواتيم غامضة، على الأقل حتى الآن، أي قبل أن تتضح تفاصيل جديدة إذا ما كانت هناك خطوات جدية للوقوف على ما حصل، فالتغاضي عن جريمة بيئية وصحية يوازي مسؤولية مرتكبها.
وكان متطوعون رصدوا قبل أيام عدة موادا سامة على احدى الجزر، وبحسب أحد الناشطين في حديثه لـgreenarea.info “قمنا بإبلاغكم وتزويدكم بالصور، آملين تحركا سريعا لكي لا تتمادى يد العبث أكثر”، وقال: “كنا قد أبلغنا البلدية التي ردت بادئ الأمر بأن الجزر والشاطئ هي مسؤولية وزارة النقل الاشغال ووزارتي الزراعة البيئة، ثم وعدتنا بوضع القضية بين يدي المدعي العام البيئي”.
وكان مصدر في وزارة الزراعة أبلغgreenarea.info : “تابعنا الموضوع وقمنا بتبليغ مخفر الشواطئ وفتح تحقيق لمعرفة مصدر هذه السموم وسبب وجودها على الجزيرة”.
رفع كتاب لوزارة البيئة
بحسب مصدر مسؤول “تابع رئيس مصلحة زراعة لبنان الدكتور اقبال زيادة الموضوع، وقام بتعميم الخبر على رئيس “مركز اسماك طرابلس” عبد القادر يحي ورئيس مخفر الميناء البحري المؤهل أول حسام ابراهيم والغرفة البحرية المشتركة الذي توجه على الفور الى الجزيرة المذكورة وعاين المكان والاكياس وفتح محضرا وبدأ التحقيقات لمعرفة مصدر السموم”.
كما وتم الاتصال بمسؤول في مركز طرابلس الزراعي الذي اوضح ان “هذه المواد مسموح استيرادها ولكن تباع بعبوات من الالمنيوم وليس بأكياس، كما وقام مراقب الوزارة بجولة على الصيدليات الزراعية، فتبين عدم وجود مثل هذه الاكياس في طرابلس، ما يرجح فرضية ان تكون احدى البواخر قد تخلصت من هذه الكمية برميها في البحر قرب الجزر، وبعدها تم التباحث بالمستجدات مع مخفر الشواطئ، وتم رفع كتاب لوزارة البيئة لتكليف خبير بيئي لمتابعة الموضوع، وقد ترك التحقيق مفتوحا.
أين اختفت السموم؟
من خلال متابعتنا مع مصدر مسؤول في مخفر شواطئ الميناء – طرابلس، أشار لـ greenarea.info إلى أنه “فور ورود البلاغ اعلمنا المدعي العام البيئي غسان باسيل، وبناء على اشارة النيابة العامة البيئية بدأنا بالمتابعة وبعثنا “فاكس” لوزارة البيئة وتواصلت السيدة سماح زيلع مع وزارة البيئة وقمنا بارسال الفاكس مرة ثانية، ولكن ما حصل اننا وخلال هذه الفترة عاودنا الكشف على الجزر مع السيدة زيلع ولم نجد المواد السامة”.
رئيسة لجنة البيئة في بلدية طرابلس سماح زيلع افادت بانها “متابعة لموضوع السموم منذ عدة اشهر، ويستخدمها بعض الصيادين في صيد السمك”، ورأت أنه “ربما يكون هناك ترابط بين الموضوعين، وربما تكون السموم من مخلفات احدى البواخر”.
وقالت زيلع: “ما حدث انني ذهبت مع رئيس مخفر المينا الى الجزيرة، ولكننا لم نجد المواد ومن غير المعقول ان تكون قد حضرت اي جهة رسمية ورفعتها بدون اعلام السلطات المحلية”، ورجحت انه “في الايام الماضية قد حصل نو (عاصفة) مما يثير الشك بان المواد قد اختلطت بماء البحر، ومن غير المستبعد ان يكون اي شخص قد اخدها خصوصا وان الجزيرة قريبة للشاطئ والاكياس والبودرة لم يبق لها اثر”.
تقاعس في رفع المواد
واشارت زيلع إلى أن “المخفر ارسل كتابا وكنت قد تواصلت مع المسؤولة في وزارة البيئة السيدة لارا سماحة، وطلبت بان نعاود ارسال الفاكس الى قسم مكافحة التلوث وهذا ما حصل”.
وقالت: “نحن كبلدية ارسلنا اول امس كتابا لوزارات البيئة والاشغال والزراعة والمدعي العام البيئي والجيش، لاننا كبلدية لو لم يكن لدينا الحق بإدارة الجزر انما الموضوع يطاول السلامة العامة”، وأضافت: “اجتمعنا في البلدية وسنتابع الموضوع بمختلف الطرق”.
واشارت زيلع الى أنه “يلزمنا الكثير من التوعية ولفت نظر الاهالي الى التبليغ فورا عن حالات مشابهة وعدم لمس اي مواد غريبة”، ورأت انه “تقع على الوزارات بعض المسؤولية لجهة التقاعس في رفع هذه المواد فور ورود البلاغ”.
وشددت على “ضرورة متابعة القضايا بشكل جدي ليكون العقاب رادعا لكل المخالفين، وسنتابع بعد عيد الفطر، وسنصدر بيانا بهذا الشأن بنفس الاصرار الذي بدأنا به في معالجة هذه القضية”.