في ظل تغطية إعلامية كبيرة ومظاهر إحتفالية غير مسبوقة، إفتتحت مصر في العام 2015 مشروع توسعة قناة السويس، رغم الجدل والتشكيك في الأهداف التي أعلنتها السلطات المصريّة، بما يخصّ نموّ إيرادات القناة وحركة السفن العابرة.
يبدو أن دراسة الجدوى البيئية لهذا المشروع، كانت عابرة لأي تهديد قد يشكّله على التنوّع البيولوجي والثروة البحرية. ورغم الإيرادات الماديّة التي قد تكون حصدتها السلطات المصريّة، منذ ذلك الحين، إلاّ أن كلفة الفاتورة البيئيّة ترتفع تباعاً، خصوصاً في ما يتعلّق بالتنوّع البيولوجي في البحر المتوسّط.
وقد حذّرت صحيفة ديلي ميل البريطانية، منذ اقتراح مشروع التوسعة، من غزو حيوانات بحريّة مصدرها المحيط الهندي، لشواطىء البحر المتوسّط، كقناديل البحر وعدد من الأسماك السامة، كالقرش الفضي، فضلاً عن سمكة الشيطان النارية السامة.
سبب هذا التحذير، ردّته الصحيفة إلى أن توسعة القناة ستؤدي إلى اتجاه تلك الأنواع من الحيوانات، من المحيط الهادىء عبر قناة السويس، صوب البحر المتوسّط، بشكل أكبر بكثير من ذي قبل. فعلى مدار قرن مضى، شكّلت قناة السويس حاجزاً طبيعياً لمنع مرور تلك الكائنات، لطبيعة المياه فيها، لكنها فقدت فاعليتها في السنوات الأخيرة.
وقد رصد تقرير لمنظمة أوشيانا؛ وهي منظمة دولية تهتم بدراسة المحيطات، دخول نحو450 نوعاً من الأنواع البحرية الغازية، في الهند والمحيط الهادئ، لقناة السويس منذ أعمال التوسعة، معظمها ضارة، أو سامة. الأمر الذي يشكل تهديداً لكل من النظم الإيكولوجية البحرية المتوسطية وصحة الإنسان، بحسب المنظمة.
إقترب الخطر مع مرور الأيام. وخطا أولى خطواته في الساحل الشمالي المصري، حيث انتشرت في اليومين الأخيرين، أعداد كبيرة من قناديل البحر، بشكل غير مسبوق وبصورة مفاجئة.
وزارة البيئة المصريّة، رفضت الإعتراف بتسبّب توسعة قناة السويس بهذا الإنتشار السريع، لتلك الانواع من الحيوانات البحرية؛ وأصدرت بياناً قالت فيه: “بعد ظهور بعض أنواع قناديل البحر بساحل البحر المتوسط المصري، قامت الوزارة بتشكيل مجموعة عمل علمية متخصصة في مجال علوم البحار، لبحث ودراسة هذه الظاهرة وأسبابها وكيفية التعامل معها”.
وأوضحت الوزارة في بيان آخر، يوم الثلاثاء، أن النوع المتسبب في هذه الظاهرة هو نوع Rhopilema nomadica. وهو من الأنواع المسجّلة في البحر المتوسط، منذ عقود، زادت التغيرات المناخية من انتشاره.
من جهته، أكّد وزير البيئة خالد فهمي، في تصريحات صحافية، أن “الظاهرة غير طبيعية هذا العام، لكن السبب في ذلك يعود إلى التغيّرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي يوفّر غذاءاً أكثر وقدرة أكبرعلى تكاثر تلك الأنواع”.
ورغم توزيع فرق عمل ميدانية، لرصد السواحل وجمع أنواع القناديل الموجودة؛ والإجابة عن استفسارات المواطنين، فضلاً عن نشر التوعية حول كيفية التعامل مع لسعات القناديل، فإن السلطات المصريّة، تكون بذلك قد تنصّلت من مسؤوليتها المباشرة في اجتذاب تلك الانواع البحرية، المهددة للسلامة العامة في مصر والدول المحيطة.
يذكر أن مصر تمكّنت في غضون عام، من حفر مجرى ملاحي مواز لقناة السويس، بطول 35 كيلومتراً وبعرض 317 متراً وبعمق 24 متراً، ليسمح بعبور سفن بغاطس يصل إلى 66 قدماً. ويقع المجرى الملاحي الجديد من الكيلو 60 إلى الكيلو 95 من القناة القديمة. كما يتضمن توسيع وتعميق تفريعة البحيرات الكبرى، بطول حوالى 27 كيلومتراً. وتفريعة البلاح، بطول نحو عشرة كيلومترات. ليصل إجمالي طول مشروع القناة الجديدة إلى 72 كيلومتراً. كما يهدف المشروع إلى تقليل زمن انتظار السفن، ليكون ثلاث ساعات في أسوأ الظروف، بدلاً من وقت انتظار يتراوح بين ثماني ساعات و11 ساعة حالياً، مما يقلّل تكلفة الرحلة البحرية لملاك السفن.
لا تقتصر تداعيات توسعة قناة السويس البيئية، على الشواطىء المصريّة فقط، فشواطىء البحر المتوسّط كلها، معرّضة لغزو مماثل من القناديل والأنواع الغريبة غير المعروفة. وتوسعة القناة أمر ثابت، تماماً كاتجاه تلك الحيوانات صوب البحر المتوسّط. يبقى الآن، على الدول المعنيّة وخصوصاً منطقة فلسطين المحتلّة ولبنان، الإستعداد لموسم قد يكون قاسياً، من القناديل البحريّة؛ والتخفيف من تداعيات هذا الأمر. هذا إذا سلّمنا جدلاً، أن تلك الحيوانات استطاعت أن تصمد في بحر باتت مياهه ملؤّثة بكل أنواع الملوّثات والميكروبات والفيروسات.