يتجه العام 2017 إلى التفوق على عام 2016، في كونه أكثر الأعوام حرارةً منذ بدء الرصد المنظم لدرجات الحرارة. ويتوقع أن تنشر المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في الواحد والعشرين من تموز (يوليو) الحالي، سجلات أول ستة أشهر من السنة، التي تزداد سنوياً درجة حرارتها عن النصف الأول من العام السابق، بمعدل 0.1 لغاية 0.2 درجة مئوية.
ووفقًا لبيانات وكالات الأرصاد الدولية وأبرزها مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، شهد متوسط درجة الحرارة العالمية زيادة بمقدار 1.3 درجة مئوية، عن مستويات فترة ما قبل الثورة الصناعية؛ وإرتفاعاً بمقدار 1.05 درجة، عن متوسط درجة حرارة القرن العشرين. وقد أسهمت ظاهرة “إلنينيو” الاحترارية في عامي 2015 و2016 في المحيط الهادئ ـ مدفوعة بزيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي ـ في تلك الزيادة القياسية، في درجات الحرارة.
متى ستتوقف موجات الحر السنوية عن التوسع والإنتشار؟ يشير تقرير بعنوان “علم المناخ: موجات الحرارة العالمية في إزدياد”، نشرته دورية نايشتر عام 2013 ، إلى أن موجات الحرّ ستصبح أوسع إنتشاراً بحلول عام 2040. فنماذج المناخ التي يستخدمها ديم كومو ـ من معهد بوتسدام لبحوث تأثير المناخ في ألمأنيا ؛ وألكزأندر روبنسون ـ من جامعة كومبلوتنس في مدريد ـ تتنبأ بأن يشهد حوالى 20 في المائة من سطح الأرض، درجات حرارة شهرية تزيد عن ثلاثة إنحرافات معيارية عن المتوسط. مثل هذه الدرجات القصوى ،تحدث في حوالى 5 فيالمائة من سطح الأرض، على مستوى العالم اليوم. وقد شوهدت في موجة حَرّ عام 2012 ، عبر الولايات المتحدة. وتستمر التوقعات بازدياد موجات الحرّ حتى عام 2040، بغض النظر عن كمية ثأني أكسيد الكربون التي سيطلقها البشر في الجو. وبعد ذلك، يمكن أن تتيح الإنبعاثات المنخفضة، إستقرار درجات الحرارة. بينما يؤدي الحفاظ على مستوى الأنبعاثات الحالية، إلى تكرار موجات حرّ بشكل تصاعدي.
كيف ستنعكس موجات الحرارة على منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا؟ وماذا عن وضع لبنان الذي يشهد منذ مطلع تموز الحالي موجة حر مرتفعة جداً؟
التقرير الأبرز حول التوقعات المناخية في المنطقة، أصدره البنك الدولي في العام 2014 وهو بعنوان “إخفضوا الحرارة: مواجهة الواقع المناخي الجديد”. يشير التقرير إلى أن آثار تغير المناخ، كموجات الحرارة المتطرفة، ربما لا يمكن الفكاك منها الآن، لأن نظام الغلاف الجوي للأرض في طريقه لأن يصبح، بحلول منتصف القرن، أكثر حرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية، عن المستويات السائدة قبل الثورة الصناعية. ويضيف التقرير، أنه حتى إذا اتخذت تدابير شديدة الطموح، للتخفيف من الآثار اليوم، فلن تغير هذا الوضع.
ويضيف التقرير، إن الزيادة الكبيرة في موجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، التي تصاحبها زيادة في متوسط درجات الحرارة، ستخلق ضغوطاً حادة على الموارد المائية، تسفر عنها عواقب ضخمة على الأمن الغذائي للمنطقة. وربما تؤدي الهجرة والضغوط ذات الصلة بالمناخ، على الموارد، إلى زيادة مخاطر نشوب صراعات.
ويحذر تقرير البنك الدولي، من أن بيروت ستشهد 126 يوماً حاراً سنوياً، لتحلّ بعد الرياض مباشرة، على قائمة الدول العربية التي ستشهد إزدياداً في عدد أيام السنة الحارة. وإن موجات الحرارة المتطرفة، ستنتشر في مساحات أكبر من الأراضي ولفترات زمنية أطول، ما يجعل بعض الأجزاء غير صالحة للسكن؛ ويحدّ من قدرة أجزاء أخرى على الزراعة. وستشعر المدن بأثر ارتفاع مستوى سطح البحر. ومع ارتفاع الحرارة 4 درجات مئوية في ثمأنينيات هذا القرن، ستواجه معظم عواصم المنطقة، أربعة أشهر من الحرارة المفرطة كل عام.
السجل الرسمي اللبناني الأحدث، حول التغييرات المناخية المستقبلية، صدر العام الفائت عن وزارة البيئة، ضمن التقرير الوطني الثالث إلى إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ.
يشير تحليل السجلات المناخية التاريخية في لبنان، منذ وقت مبكر من القرن العشرين، مع مسارات الإنبعاثات في المستقبل، إلى أنه لا سابق لإرتفاع درجات الحرارة المتوقع في لبنأن. وتشير التوقعات المناخية إلى زيادة قدرها 1.7 درجة مئوية، بحلول منتصف القرن الحالي. وزيادة تصل إلى 3.2 درجة مئوية، بحلول العام 2100. وأنخفاضاً في هطول الأمطار من 4 إلى 11 في المائة، مع ظروف أكثر جفافاً في نهاية القرن (إنخفاض يصل إلى 5.8 ملم في متوسط هطول الأمطار الشهري). وتظهر التوقعات أيضاً، زيادة في إتجاهات إرتفاع الحرارة بما يصل إلى 43 يوماً إضافياً، مع درجة حرارة يومية قصوى، أعلى من 35 درجة مئوية. وزيادة في عدد الأيام الجافة المتتالية، عندما يكون هطول الأمطار أقل من 1.0 ملم، بحلول نهاية القرن، مما يتسبب بإطالة موسمية وتوسع جغرافي لفترات الجفاف. وسيتسبب هذا المزيج من الظروف الرطبة الأقل بكثير والأكثر دفئاً، إلى حد كبير، بمناخ أكثر حرارة وجفافاً. وستتسبب الزيادات في درجات الحرارة في لبنان، بما بين 2،483 إلى 5،254 حالة وفاة إضافية سنوياً، بين العامين 2010 و2030.
وبحسب التقرير، فإن التكاليف التي قد تفرضها زيادة حدة إرتفاع الحرارة، على شرائح مختلفة من الإقتصاد والمجتمع اللبناني، ستصل إلى 38 مليون دولار في العام 2020، لتصل إلى 840 مليون دولار بحلول العام 2040 و 8600 مليون دولار بحلول العام 2080.
وبالعودة إلى تقرير لبنان الثاني، إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ، الذي صدر عام 2011، يتبين أن معدّل درجات الحرارة سيرتفع بحلول سنة 2040 بين درجة مئوية واحدة على الشاطئ ودرجتان مئويتان في الداخل. وبين 3.5 على الشاطئ و5 درجات مئوية في الداخل، بحلول سنة 2090. الأمر الذي يعني أن أجزاء واسعة من منطقة الهرمل، ستصبح غير قابلة للعيش؛ وبالتالي، غير آهلة بالسكان. كما يشير التقرير إلى إزدياد عدد أيام الصيف الحارة والليالي الحارة، شهرين على الأقل؛ وارتفاع سطح البحر تدريجاً بمعدل 20 ملم/سنة، ممّا يعني أن منسوب المياه قد يرتفع بين 30 و60 سنتم في الثلاثين سنة المقبلة، ممّا سيؤثر حتماً على الشواطئ الرملية في الجنوب وعلى محمية جزر النخل الطبيعية، شمالاً. وفي الأنظمة الإيكولوجية الأرضية، المتوقع اختفاء بعض أنواع النباتات واستبدالها بأخرى. وتعرّض غابات الأرز للتهديد بسبب ارتفاع درجات الحرارة. والغطاء الثلجي في لبنان سيتناقص في حدود 40 في المائة، فيما لو زادت الحرارة درجتين، بينما سيصبح الأنخفاض 70 في المائة عند ارتفاع درجة الحرارة أربع درجات، ممّا ستكون له آثار سلبية على تغذية الأنهار ومخزون المياه الجوفية.