يوما بعد يوم تتآكل وتتراجع مساحة الشاطىء اللبناني، وسط ما شهدنا سابقا وما نشهده اليوم من تعديات على الأملاك البحرية العامة، بهدف الاستثمار وبناء منتجعات سياحية لا تراعي الحد الأدنى من الشروط البيئية بمعظمها، وبالاضافة الى ما تتسبب به من قضم للمساحات الشاطئية وحرمان المواطنين من حقهم بها، فإنها تؤدي الى تهديد موائل الكائنات البحرية، ولا سيما منها السلاحف البحرية وأماكن تعشيشها، فضلا عما تعانية البيئة البحرية عموما من أزمات متلاحقة، خصوصا بعد انتشار المكبات الشاطئية وردم البحر بالنفايات، الأمر الذي يهدد الثروة السمكية والأحياء البحرية والنظم الإيكولوجية التي يتميز بها بحرنا.
ما يدعو للاستغراب، أن أحدا في لبنان ليس في وارد إنشاء مشروع سياحي بيئي، على غرار ما هو قائم في بلدان العالم، لا سيما وأننا بدأنا نشهد أنواعا جديدة من السياحة القائمة على دعم وتعزيز الحياة البرية والبحرية والتنوع الحيوي، إذ يمكن أن نكرس سياحة مراقبة الطيور بدلا من قتلها، ومراقبة سلاحف البحر بدلا من تدمير موائلها، ومراعاة خصوصية هذه الموائل خلال فترة التعشيش، لجهة التقليل من الضوضاء والإنارة، فضلا عن تعزيز رياضة المشي والتنزه في الطبيعة hiking، بدلا من استباحة المرامل والكسارات لمعالمنا الطبيعية.
حماية التنوع البيولوجي
في حالة البحر، فإن الإنسان هو المعتدي، تدميرا وتشويها، وهو المعتدي على كائناته طالما أنه لم يحترم قوانين الطبيعة، غير عابىء بتبعات هذا الأمر على مستقبله، وأن ممارساته سترتد عليه حكما، فخسارة نوع من منظومة بيئية يعيش بين ظهرانيها ستكون له نتائج على مجمل عناصر هذه المنظومة، والمشكلة أن كل جهة مسؤولة من الوزارات والدوائر الرسمية تبدو فيه حدود كبيرة وكأنها غير معنية، كي لا نقول أنها غائبة، فيما يكابد المجتمع المدني والأهلي وحيدا لحماية ما تبقى من ثروات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، علما ان التعاون في مجمل القضايا بين الدولة ومؤسسات المجتمع الأهلي هو السبيل الأمثل لإعداد خطط ومشاريع ورسم سياسات تساهم في انقاذ البيئة البحرية وحماية التنوع البيولوجي.
شهدنا في السنوات الماضية تعديات طاولت الكائنات البحرية، وفي مقدمها السلاحف البحرية، حالات وأعداد كبيرة رصدت نافقة على امتداد الشاطىء، بعضها خضع للتشريح وبعض الآخر دفن دون معرفة الاسباب حتى أن نفوق حالات لم تسجل ولم يعلم بها أحد أو لم يبلغ عنها، وإن كان نفوق السلاحف ناجما في الغالب الأعم عن اختناقها بعد ابتلاعها لاكياس النايلون، الديناميت، الاصطدام بالمراكب البحرية، ابتلاعها (سنانير) الصيد، او احتجازها بعد ان تعلق في شباك الصيادين، ارتطامها بشفاطات التبريد في معملي الجية والزوق الحراريين، ما يتسبب بحصول نزيف داخلي يؤدي الى نفوقها، فضلا عن حالات لم يتضح فيها سبب النفوق، وقد كثرت هذه الحالات، وقد رجح البعض انها قد تكون احدى الأسباب هو التسمم بمبيد (اللينات) الذي يستعمله بشكل غير قانوني بعض الصيادين.
اما في حالات التعشيش، فمن المعروف أن إناث السلاحف تعود بعد 25 عاما من تاريخ مولدها الى الشواطئ التي انطلقت منها نحو البحر، والمشكلة هنا ان شكل الشاطىء يتغير سنويا في لبنان وبوتيرة سريعة، ما يعيقها في عملية وضع بيوضها، فالشاطىء اللبناني، بالاضافة الى تقلص مساحته، تزداد عليه الأنوار الساطعة المنتشرة وضجيج رواد والمنتجعات والمقاهي والمطاعم الشاطئية.
إدريس: عودة السلاحف الخضراء
في هذا السياق وصلنا فيديو لـ “سلحفاة خضراء” خرجت من الماء لتضع بيوضها عند شاطىء احد المسابح، لكنها تفاجأت بنشاط بشري وأضواء وجلبة فعادت نحو البحر، هذا الفيديو يمثل رسالة صارخة نرفعها إلى الجهات المعنية، لنقول أن الإنسان هو المعتدي بقصد أو عن غير قصد ، وأن السلاحف وجدت قبله بملايين السنين.
ما يهمنا في هذا المجال، هو أن السلاحف الخضراء التي تعيش في لبنان، وضعت من قبل “الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة” الـ IUCN على القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض.
وبحسب رئيسة “حملة الازرق الكبير” عفت إدريس “رصدنا حوالي 30 سلحفاة خضراء Green turtles قرب منطقة الروشة”، وقالت لـ greenarea.info “هذا مؤشر إيجابي على عودة السلاحف الخضراء الى بحرنا وازدياد أعدادها، الا انها لم تضع اي منها بيوضها عند شاطئ الرملة البيضاء، ولا نعلم الى أي شواطئ قد تتوجه، وهل ستجد من يحميها ويهتم ويتابع حركتها ووضع بيوضها”.
وشددت إدريس على “حماية الشواطئ الرملية وإزالة النفايات، ووقف تلويث البحر لتأمين بيئة سليمة لوضع إناث السلاحف بيوضها”، ولفتت إلى أن “تغيير معالم الشاطىء يعيق عملية وضع بيوضها”، وأكدت على “ضرورة نشر التوعية ايضا في هذا المجال وتوفير ممرات آمنة لخروج صغارها نحو البحر”.
باتيو: لم أجد أي أثر لها
المواطن نانو باتيو زود موقعنا بفيديو وثق خروج سلحفاة نحو الشاطىء بغية الإباضة، الا انها عادت أدراجها نحو البحر، وقال باتيو: “إن بعض الأصدقاء وخلال تواجدهم عند شاطىء (مسبح الجوناس) في الجية تفاجاوا بوجود السلحفاة بينهم”.
وأضاف: “وقد أدركوا أنها حضرت لتضع بيوضها واتفقوا على تركها والابتعاد عنها، إلا أن الأصوات فاجأتها وآثرت العودة إلى البحر”، وتابع باتيو بأنه “حريص على ألا يتعرض احد لهذه الكائنات” التي يرعاها ويساهم في انقاذها من خلال عمله التطوعي.
وقال: “خرجت في اليوم الثاني وتوجهت نحو الى الشاطىء لأعرف ما اذا كانت السلحفاة عاودت المجيء إلى الموقع، إلا أنني لم أجد أي أثر لها”.
ومن موقع مسؤوليتنا في greenarea.info، نضع هذا الفيديو ليطلع عليه المسؤولون، وإجراء المقتضى، وتبني سياسة بيئية تراعي الحياة البحرية والاستدامة سبيلا لغد افضل.