برز في مقررات جلسة مجلس الوزراء، أمس الأول، موافقة المجلس على عرض وزيري الطاقة والمياه والمال، لموضوع إنتاج الطاقة من الرياح، عبر منح رخص لثلاث شركات مؤهلة لإنتاج الكهرباء من الرياح.
القرار المنتظر منذ العام 2008، يعد من القرارات الإستراتيجية الهامة. وهو خطوة في رحلة الألف ميل، لتحويل السياسات الطاقوية في لبنان، نحو إنتاج طاقة متجددة نظيفة ومستدامة. يساهم في تحقيق أهداف لبنان عموماً، وفق مندرجات إتفاق باريس بشأن التغير المناخي. تقضي هذه الأهداف بالتوصل إلى تقليص الإنبعاثات بنسبة 30 في المائة، بحلول سنة 2030، شرط تلقي الدعم الدولي، مع تعهد لبنان الطوعي بالوصول إلى نسبة 12 في المائة من الطاقة المتجدّدة، من مزيج مصادر الطاقة، بحلول عام 2020.
يستند هذا القرار، إلى مرجعية ورقة سياسة قطاع الكهرباء، الصادرة عن مجلس الوزراء في حزيران العام 2010، التي أفردت محورين كاملين لتنفيذ مشروعات تتعلق بكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة. وإلى الخطة الوطنية للطاقة المتجددة 2016- 2020، التي تبنتها وزارة الطاقة والمياه، التي أفردت محوراً كاملاً لإنتاج الطاقة من الرياح. والأهم، أن هذا القرار جاء ليستفيد من تمديد العمل باحكام القانون رقم 288 الصادر في نيسان العام 2014، الذي يسمح لمجلس الوزراء بمنح تراخيص الإنتاج للقطاع الخاص، بنصه التالي: “بصورة موقتة ولمدة سنتين ولحين تعيين أعضاء الهيئة (الناظمة) واضطلاعها بمهمتها، تمنحُ أذونات وتراخيص الإنتاج، بقرار من مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزيري الطاقة والمياه والمالية». وقد مدد العمل باحكام هذا القانون لمدة سنتين إضافيتين، تنتهي في 30 نيسان 2018.
ما هي أبرز النقاط التي تضمنها قرار منح الترخيص لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح؟ وهل فعلاً سيبصر المشروع النور قريباً؟
تؤكد مصادر واسعة الإطلاع، على مسار هذا الترخيص، أن ما تم الإتفاق عليه في مجلس الوزراء، بالغ الأهمية، لكنه غير مكتمل، إذ أصرّ عدد من الوزراء على تعديل مشروع القرار المقترح، ليتضمن بنداً يطلب من وزير الطاقة إجراء جولة تفاوض إضافية، مع الشركات المؤهلة، مدتها القصوى ثلاثة أسابيع، من أجل تخفيض سعر كيلووات الطاقة، الذي تم تثبيه على سعر 11.30 سنت، للكيلووات ساعة الواحد.
موقف الوزراء المعترضين، يستند إلى مقارنة أجروها مع كلفة سعر الكيلووات الواحد، الناتج عن طاقة الرياح في بلدان أخرى. فهل فعلاً السعر الذي تم الإتفاق عليه مرتفع؟ وهل ستقبل الشركات بتخفيض إضافي؟
نصّ قرار مجلس الوزراء رقم 6 الصادر في نيسان 2016 بأن تتولى اللجنة المشكلة من الوزارات، التفاوض مع الشركات الثلاث المؤهلة لإنتاج الكهرباء من الرياح، ليتم بيعها لمؤسسة كهرباء لبنان، بعد موافقة مجلس الوزراء. ويمكن للجنة الإستعانة باستشاري دولي في مجال طاقة الرياح.
وكانت وزارة الطاقة، أجرت دورة تأهيل مسبق للشركات الراغبة بانتاج الطاقة من الرياح. وبحسب معطيات «أطلس الرياح»، الذي أصدرته وزارة الطاقة العام 2011، فإن لبنان قادر على إنتاج الكهرباء عن طريق الرياح. ويمتلك لبنان رياحاً مؤاتية في مناطق عدّة، خصوصاً في محافظة عكار، في الشمال؛ والسفح اللبناني من جبل الشيخ، بداية من شبعا وصولاً إلى راشيا. وعلى طول سلسلة الجبال الغربيّة.
وبحسب نتائج دورة التأهيل المسبق، فازت ثلاث شركات هي:
Lebanon Wind Power ويرأس مجلس إدارتها روبير سيزار الدباس. وهي ائتلاف يضم أيضاً شركة دباس هولدنغ وشركة PNE Wind AG Plambeck الألمانية. وتعتزم هذه الشركة إنتاج 62.1 ميغا واط.
Sustainable Akkar مديرها العام صالح ماهر طبارة. وهي ائتلاف يضم أيضاً شركة Tefiron التركية وشركة Batco اللبنانية وشركة ACE اللبنانية. وتعتزم هذه الشركة إنتاج 82.5 ميغا واط.
Hawa Akkar ويمثلها البير خوري. وهي ائتلاف يضم أيضاً مجموعة Butec القابضة، التي يرأس مجلس إدارتها نزار يونس. وشركة Goldwind. وتعتزم هذه الشركة إنتاج 62.1 ميغا واط.
منتصف العام 2016، قامت الوزارات المعنية، بتسمية مندوبيها لعضوية اللجنة المكلفة التفاوض مع الشركات الثلاث. وأطلق الوزير السابق أرثيور نظريان عملها، على أن تنطلق من النقطة الاخيرة التي وصلت إليها، بالتفاوض مع ممثلي الشركات الثلاث المؤهلة، الذين كانوا تقدموا بالأسعار إلى اللجنة. وكان الحد الأدنى للسعر 12.45 سنت، للكيلووات الواحد.
وتضم هذه اللجنة كلاً من: زينة مجدلاني (مندوبة عن رئاسة مجلس الوزراء)، د. محمود حيدر (المديرية العامة للإستثمار في وزارة الطاقة والمياه)، المهندس بشارة عطية والمهندس الشيخ محمد علايا (مؤسسة كهرباء لبنان)، المهندس بيار الخوري والمهندس راني الأشقر (المركز اللبناني لحفظ الطاقة)، د. جوزيف الأسد (خبير طاقوي ومستشار وزير الطاقة/ المركز اللبناني لحفظ الطاقة)، فاهاكن كاباكيان (وزارة البيئة)، القاضية ميراي داوود (وزارة العدل) وجورج جدعون (وزارة المال).
إستعانت اللجنة بخبراء مصريين في مجال طاقة الرياح، بالإستناد إلى التجربة المصرية الرائدة في هذا المجال، خصوصاً دراسة نموذج عقد شراء الطاقة المصري، لجهة العناصر القانونية والتقنية والمالية والبيئية التي يتضمنها. ومقاربتها، وفقاً لأحكام القوانين اللبنانية. وتنفيذاً لقرار مجلس الوزراءن أيضاً، إستعانت اللجنة بالشركة الإستشارية العالميةMott MacDonald، التي طلب منها تحديد قائمة بالعناصر المختلفة لسعر الكيلووات ساعة، النهائي. والتي يجب أن تتضمنها كل عروض الشركات الثلاث. كما قدمت الشركة الإستشارية في تقريرها، خارطة طريق وجدول زمني للملفات.
إرتكزت عملية تحليل العناصر ومكونات السعر، على مبدأ المقارنة بهامش الأسعار السائدة عالمياً. وفي حال كانت هذه العناصر، أو المكونات، للسعر المقدم من الشركات، خارج نطاق هذا الهامش، إعتمد مبدأ المقارنة بالسعر الأعلى السائد عالمياً، كسعر أساس. وخلصت الشركة الإستشارية في تحليلها، إلى أن السعر الأقصى، يجب أن يتراوح بين 10.10 و 11.30 سنتاً أميركياً للكيلووات ساعة، لإنتاج وبيع الكهرباء من مصادر طاقة الرياح.
قدمت الشركات الثلاث أسعارها، بداية شهر آذار الماضي. وكانت أعلى من نطاق السعر الذي اقترحته الشركة الاستشارية. وهي على الشكل التالي:
Hawa Akkar: لم تتقدم بالسعر النهائي من دون دعم. وقدمت 11.82 سنتاً أميركياً للكيلووات ساعة الواحد، في حال حصلت على دعم من مصرف لبنان.
Sustainable Akkar: قدمت 12.40 سنتاً أميركياً للكيلووات ساعة الواحد، من دون دعم. و 11.40 سنتاً، في حال حصلت على دعم من مصرف لبنان.
Lebanon Wind Power: قدمت 12.40 سنتاً أميركياً للكيلووات ساعة الواحد، من دون دعم. و 11.40 سنتاً، في حال حصلت على دعم من مصرف لبنان.
بادر وزير الطاقة والمياه وبحضور أعضاء اللجنة كافة، إلى دعوة ممثلي الشركات الثلاث، إلى مرحلة تفاوض نهائية. ومنحهم فرصة إضافية لإعادة النظر في الأسعار المقدمة من قبلهم. وبتاريخ 20 آذار، أعادت الشركات تقديم أسعارها إلى اللجنة. وكانت أيضاً، خارج نطاق السعر المقترح من الشركة الإستشارية. وهي على الشكل التالي:
Hawa Akkar: لم تتقدم بالسعر النهائي من دون دعم. وقدمت 11.30 سنتاً أميركياً للكيلووات ساعة الواحد، في حال حصلت على دعم من مصرف لبنان.
Sustainable Akkar: قدمت 12.10 سنتاً أميركياً للكيلووات ساعة الواحد، من دون دعم. و 11.30 سنتاً، في حال حصلت على دعم من مصرف لبنان.
Lebanon Wind Power: قدمت 12.00 سنتاً أميركياً للكيلووات ساعة الواحد من دون دعم. و 11.00 سنتاً، في حال حصلت على دعم من مصرف لبنان.
اللجنة المكلفة التفاوض وبعد مقارنة الأسعار المقدمة بسعر إنتاج الطاقة الكهربائية في المعامل، بالإعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية، إقترحت على وزير الطاقة خيارين: الأول، ينصّ على العرض على الشركات الثلاث، إصدار التراخيص في مجلس الوزراء لمدة 20 عاماً، تبدأ بعد إتمام شروط التشغيل التجاري، ضمن نطاق السعر الذي توصلت إليه الشركة الإستشارية، أي 10.10 سنتاً أميركياً للكيلووات ساعة الواحد، كحد أدنى. و 11.30 سنتاً أميركياً للكيلووات ساعة الواحد، كحد أقصى. باعتباره هامشاً موضوعياً للسعر، يأخذ جميع المخاطر الإستثمارية بعين الاعتبار.
وتعد الاوضاع الأمنية في عكار، المجاورة للحدود السورية. واستمرار النزاع في سوريا، من الأسباب الرئيسية التي تحججت بها الشركات لتقديم أسعارها، بالإستناد إلى المخاطر وأسعار التأمين على الإستثمار، إضافة إلى طريقة الدفع والضمانات. أما الخيار الثاني الذي اقترحته اللجنة، فيقضي بإلغاء المناقصة الحالية، التي يعود تاريخها إلى العام 2013، بسبب عدم التوصل إلى نتائج نهائية مع الشركات الثلاث، في عملية التفاوض على السعر النهائي. كما اقترحت اللجنة، إطلاق مناقصة جديدة، تفتح الباب أمام منافسة أوسع. ولما تبلغت الشركات القرار الواضح والنهائي للجنة، طلبت موعداً رسميا للقاء وزير الطاقة، في عملية تفاوض نهائي. وتقدمت بتاريخ 29 آذار الماضي بكتب رسمية، أعلنت فيها الموافقة على السعر المقترح من قبل الإستشاري، أي 11.30 سنتاً اميركياً للكيلووات ساعة الواحد.
وبناء على هذه الخلاصة، قدم وزيرا الطاقة والمياه والمال، سيزار أبي خليل وعلي حسن خليل، اقتراحاً مشتركاً ينص على ما يلي:
- إعضاء رخصة لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح، حصراً للشركات الثلاث، بحسب العرض المقدم من قبلها، لفترة 20 عاماً. على أن يتم ربط الإنتاج الكهربائي بشبكة مؤسسة كهرباء لبنان، مقابل سعر ثابت للكيلووات ساعة الواحد، قدره 30 سنتاً أميركياً.
- تفويض وزير الطاقة والمياه، توقيع عقد شراء الطاقة النهائي، بين الحكومة اللبنانية والشركات الثلاث المؤهلة، كل على حدة، بعد إدخال التعديلات اللازمة على النموذج الحالي الأولي لعقد شراء الطاقة، بما فيها ملاحظات مؤسسة كهرباء لبنان، ليكون ملائماً لمتطلبات التمويل الدولية والمعايير العالمية.
- إعطاء مهلة ثلاثة أشهر، لكل شركة من الشركات الثلاث، التي حصلت على رخصة الإنتاج، بالتفاوض مع فريق العمل الفني والقانوني، الذي يكلفه وزير الطاقة، لإدخال التعديلات المقبولة على عقد شراء الطاقة الأولي، تمهيداً لإصداره بشكل نهائي والتوقيع عليه. وإلا تصبح الرخص لاغية، بعد مرور المهلة المشار اليها.
- بعد توقيع عقود الشراء الثلاثة، بصيغتها النهائية، تعطى الشركات مهلة 18 شهراً من تاريخ التوقيع، لتأمين كل المستندات اللازمة التي يجب استيفاؤها، حتى يصبح عقد شراء الطاقة نافذاً. علماً أنها بمثابة شروط أساسية لضمان أن تكون ملفات الشركات، مطابقة للمعايير الدولية لمشروع إنتاج الطاقة من الرياح.
- إعطاء مهلة 18 شهراً من تاريخ نفاذ العقد، للشركات التي قامت بتأمين الشروط المنصوص عنها، لاستكمال الأعمال الإنشائية والتنفيذية كافة. وربط محطات الرياح بشبكة مؤسسة كهرباء لبنان. واستيفاء شروط التشغيل التجاري وصولاً إلى مرحلة إنتاج وبيع الطاقة.
- تفويض وزير الطاقة تشكيل لجنة من الفنيين والقانونيين، في وزارة الطاقة والمياه، مؤسسة كهرباء لبنان والمركز اللبناني لحفظ الطاقة، لمتابعة مراحل عملية التنفيذ. ورفع التقارير اللازمة إلى الوزير، الذي يرفع بدوره، تقارير دورية إلى مجلس الوزراء كل ستة أشهر، لإحاطة المجلس بتطور المشروع وفقاً للمهل.
في الخلاصة، ليس معلوماً بعد مصير هذه التراخيص، طالما أن مجلس الوزراء طلب التفاوض الإضافي مع الشركات، لتقديم أسعارها خلال مهلة ثلاثة أسابيع. لكن الإتجاه الأكثر ترجيحاً، أن يوافق المجلس على الإقتراح الأخير المقدم من قبل الشركات، في حال أصرت على أسعارها، خصوصاً أن دعم مصرف لبنان سوف يساهم في تخفيض سعر الكيلووات ساعة الواحد، إلى ما دون 10 سنتات أميركي.