ما تزال أحراج الصنوبر في لبنان في دائرة الخطر، فالأمراض ما تزال تفتك بالأشجار والتهديدات كبيرة، فهي لا تقتصر على منطقة دون أخرى، ولا تهدد حرجا بعينه، فضلا عن أن الأمراض طاولت دولا متوسطية، وليس ثمة سببا واحدا لظهور هذا المرض أو ذاك، وإن كان تغير المناخ يعتبر عاملا أساسيا ساعد في انتشار الأمراض على نحو بلغت فيه المخاطر حدا لم نشهده من قبل.

ولا نبالغ إن قلنا أن أحراج الصنوبر، هذه الثروة الطبيعية التي تعتبر رئة لبنان، هي الآن أمام منعطف خطير نظرا لتفاقم ظاهرة يباس الأشجار التي غدت شائعة في العديد من الاحراج وفي مختلف المناطق، وهذا ما يرتب علينا مسؤولية التنبه والمتابعة، خصوصا وأن البعض لا يعلم بأن ثمة مشكلة، وهذا الامر أشد خطرا من المرض عينه، فغياب الوعي سيؤدي ليس إلى زوال مساحات واسعة من الأحراج فحسب، وإنما إلى خسارة قطاع زراعي تعتاش منها آلاف العائلات اللبنانية، فضلا عن الأهميته البيئية والمناخية الجمالية والسياحية لهذه الأشجار، ولا سيما الأنواع المثمرة.

حرج بيروت

ففي حرج بيروت الذي يعتبر فتيا بالمقارنة مع أحراج تضم أشجارا معمرة، كانت نتيجة عدم التنبه مبكرا للأمراض كارثة بيئية حصيلتها 700 شجرة مصابة بالمرض من أصل 4500 شجرة، وتم قطعها للحفاظ على الأشجار السليمة.

كما وأن ثمة أشجارا تحت المراقبة الآن، خصوصا وأن الحرج محصور ضمن منطقة محددة، قد ساهمت كل هذه الإجراءات في محاصرة المرض، وفي توفير سبل المعالجة، ولكن ماذا سيحدث في ما لو غفلت البلديات عن أحراجها المفتوحة أو تغافلت؟ ولدينا أمثلة عن بلديات تركت أحراجها للمرض واليباس دون أن يرف لها جفن، وكانت النتيجة خسارة مئات الأشجار.

 

عوكر انطلياس والضبية

وصلتنا قبل فترة بلاغات عدة في سياق متابعةgreenarea.info  التبليغات والشكاوى البيئية، بينها بلاغ عبارة عن مناشدة من احد المواطنين في محيط بلدة انطلياس – النقاش طالب فيها التدخل لحماية حرج بدا اليباس واضحا في الكثير من أشجارة، وقد تخوف من أن يكون مرض ما قد اصاب الحرج وتمكن من اشجاره.

ومن متابعتنا، تبين ان الحرج المقصود هو الممتد بين عوكر انطلياس والضبية، وهو نفس الحرج الذي تابعناه قبل مدة، وكانت المواطنة مونيك زغبي يومها قد أبلغتنا عبر تطبيق “المراسل الاخضر” التابع لحزب الخضر عن المشكلة والتعديات التي يتعرض لها الحرج، وقالت لـgreenarea.info : “ان هذا الحرج يمثل المساحة الحرجية المتبقية في المنطقة بعد التمدد العمراني الذي شهدته مؤخرا”، ولفتت الى ان “بعضا من ملكيته تتوزع بين أملاك عامة وخاصة، واملاك للوقف اللاتيني، وهو يتعرض لانتهاكات جمة، منها محاولات قطع اشجار، وقد توجهت يومها وزارة الزراعة الى الحرج، وسطرت محضرا بالتعديات وفتحت تحقيقا بالحادثة”.

 

البروفسور نمر: ازدياد أعداد الحشرات

وفي هذا السياق عرضنا صور الحرج واليباس على الباحث في علم الحشرات وبيئة الغابات، العميد المشارك في قسم الهندسة الزراعية في جامعة الروح القدس الكسليك والأستاذ المحاضر في الجامعتين الأميركية واليسوعية البروفسور نبيل نمر فقال لـ greenarea.info: “أشجار الصنوبر تمثل نظما إيكولوجية فريدة من نوعها، وتصيبها العديد من الأمراض، وقد بدا لي من خلال الصور التي زودتموني بها ان هناك يباس الإبر ويعتبر طبيعيا، فالإبر تيبس وتتبدل كل ثلاث سنوات، كما يبدو وجود حشرة حفار الخشب وحشرة Tomicus Destruens التي تشكل خطرا كبيرا على الحرج”.

وقال: “بالنسبة لحشرة Tomicus فهي موجودة في لبنان، وعملت على التوعية بمخاطرها وضرورة المعالجة والوقاية منها منذ العام 2002، وفي الحالات الطبيعية لا تؤثر على الأشجار، كون الأشجار الصحيحة لديها مناعة كافية للقضاء عليها، إنما عندما تكثر هذه اليرقات بصورة كبيرة كما يحصل الآن، فهي تقضي على الشجرة بالجوع والعطش، لذلك تتسبب بيباسها”.

وأكد نمر أنه “مع إعلان حالة طوارئ وضرورة التبليغ عن كل شجرة يابسة، واستدراك الأمور قبل فوات الأوان”، كما حرص على ان “تكون البلديات ايضا يقظة لهذا الامر وان تتدخل وزارة الزراعة، وقد عملنا معها على ضرورة إعطاء التراخيص بصورة أسرع لإزالة الأشجار اليابسة، واقتلاعها من الأرض، ومعالجتها”.

ورأى نمر “أن عدم الإتجاه للمعالجة وبأسرع وقت، سيؤدي إلى تزايد حجم اليباس سنة بعد سنة مما سيفاقم حجم المشكلة فتصبح كارثية وتهدد الصنوبر وكافة الاشجار”.

وأضاف: “يجب  على البلديات واتحاد البلديات التعامل مع اي ظاهرة بسرعة وحزم، والقيام بعد الاستحصال على التراخيص بتشحيل (تقليم) وقطع الأشجار المصابة وإزالتها من الغابات وعزلها”.

وختم نمر: “اننا نواجه كارثة في ازدياد أعداد الحشرات مما سيجعل نسبة يباس الاشجار اكبر وعلينا استدراك الأمر حتى لا نواجه نتائج كارثية تكلفنا خسارات كبيرة لا تعوض”.

 

وزارة الزراعة

مصدر مسؤول في وزارة الزراعة أكد لـ greenarea.info أن “على البلديات في كل لبنان، ومع إعلان الوزارة حالة طوارئ ان تتجاوب بخصوص التعميم الذي عملنا عليه، لجهة ضرورة التبليغ عن كل شجرة يابسة، واستدراك الأمور قبل فوات الأوان، لنقوم بإعطاء التراخيص لإزالة الأشجار اليابسة والعمل على مكافحة المرض”.

 

البلديات

إزاء هذه المشكلة، يبقى الدور الأهم منوطا بالبلديات وما تمثل من سلطة محلية، وكذلك الأمر بالنسبة للاتحادات البلدية، فضلا عن المزارعين أصحاب الأحراج، فالبلديات على تماس مباشر مع هذه القضية، وهي المعنية أكثر بمتابعة وضع الأحراج في نطاقها البلدي، ليس الأحراج التي تعتبر مشاعات عامة فحسب، وإنما الأحراج التي تعتبر أملاكا خاصة أو تابعة للأوقاف.

وهذا ما تنتبهت له وزارة الزراعة من خلال تعاميم صادرة للبلديات للتحرك في هذا المجال والتنسيق معها، وهذا الحل الأمثل لرصد الأمراض قبل استفحالها، ومعالجتها قبل أن تصل مرحلة اليباس وفقدان المزيد من أشجار الصنوبر، الأمر الذي ستكون له تبعات خطيرة على البيئة والصحة والمناخ.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This